انتفاضة “متقاعدة”… بانتظار التماس هلال الخلاص

لبنان الكبير

حلّ شهر رمضان المبارك، لكن هلال انطلاق مسيرة الاصلاح والانقاذ لم يُلتمس في سماء لبنان، اذ يبدو أنه كتب على اللبنانيين الصيام لسنوات طويلة، وصولاً الى الموت فقراً وجوعاً وتعذيباً وقهراً لأن السلطة قررت حرمانهم من لقمة خبز تسد جوعهم أو نقطة مياه تروي عطشهم.

في وقت استمرت حركة المياه الرئاسية راكدة في مستنقع الحسابات الضيقة والمصالح الخاصة، بانتظار مفاعيل الاتفاق السعودي – الايراني، برز بالأمس العديد من التحركات والمواقف، واللقاءات التي كانت لافتة في مضمونها وتوقيتها بحيث تركز الاهتمام على الزيارة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي الى سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري والتي تأتي عقب “اتفاق بكين” خصوصاً أن التعويل الأكبر يقع على السعودية في انقاذ لبنان وانتشاله من الأزمات التي يمر بها. وجرى خلال اللقاء التباحث في مجمل المستجدات الحاصلة على الساحة اللبنانية والاقليمية وشروط التعافي التي يحتاجها لبنان ليخرج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعيشها بالاضافة إلى القضايا والموضوعات ذات الإهتمام المشترك.

وفيما تلتقي مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف في بيروت اليوم، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب، لاستطلاع التطورات في المنطقة قبيل سلسلة اجتماعات ستُعقد في وزارة الخارجية الأميركية، وعليها أن تقدّم تقريرها فيها، استقبل الرئيس بري في عين التينة، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الجمهورية الاسلامية الإيرانية كمال خرازي والوفد المرافق. وكان خرازي أشار في لقاء مع الاعلاميين الى أن “ايران باتت تقنياً قادرة على تصنيع قنبلة نووية، ومن وصل الى تخصيب يورانيوم بنسبة 60 في المئة يستطيع أن يصل الى 90 بالمئة، لكن فتوى المرشد أخلاقياً تقول اننا لن ننتجها ولسنا بحاجة الى ذلك”.

من جهة ثانية، أعلن الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله “أننا لطالما دعونا في البلد الى وضع الخلاف السياسي جانباً، واقامة طاولة حوار اقتصادية. لأجل سلاح المقاومة، كلهم جاهزون لطاولة، ولكن طاولة حوار لانقاذ الوضع المعيشي والاقتصادي، فهذا كلام لا أحد يقف عنده أصلاً”.

وفي موضوع رئاسة الجمهورية، قال: “المساعي مستمرة ونأمل أن ينعكس الهدوء الاقليمي والاتفاق الايراني – السعودي بالمساعدة على انجاز هذا الاستحقاق، ولكن هذا الأمر يعتمد في المقام الأول على الداخل أما الخارج فهو يخلق مناخاً لذلك فقط. ما يُكتب في الصحف عن ملحق سيصدر عن الاتفاق السعودي – الايراني بشأن لبنان غير صحيح ولا أساس له من الصحة وأصلاً كلمة لبنان لم تُذكر في اللقاء لا من قريب ولا من بعيد”.

وأشار الى “الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب وحركة الدولار. الدولة لا تستطيع القول إنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، هناك تدابير يجب أن تتخذ وتستطيع أن تخفف. مصير البلد متروك، وكلما تحدث أحد يقولون قانون النقد والتسليف والموضوع عند حاكم المركزي، هذه مسؤولية كل القوى السياسية في البلد”.

أما مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، فقال في رسالة الى اللبنانيين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك: “إما انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة، أو الفوضى التي بدأت معالمها تظهر شيئاً فشيئاً في الوطن، ويدفع الثمن المواطن”. ورأى أن “المطلوب الاحتكام إلى الدستور، وانتخاب رئيس للبلاد، اليوم قبل الغد، لا نستطيع الانتظار أكثر من ذلك، والاستجابة الى مطالب الناس وحاجاتهم، الذين بدأوا يفقدون الحد الأدنى من مقومات الحياة، ومن المؤسف أن الطبقة السياسية في مكان، والشعب في مكان آخر”.

وتوجه الى ساسة لبنان، بالقول: “كفى بالله عليكم تضييع الوقت، أصبحنا في المراحل الأخيرة من الانهيار، وحدوا رؤيتكم في مصير بلدكم، اتقوا الله في هذا الشعب الصابر الصبور المتألم. نريد حلاً للخروج من النفق المظلم، إلى متى الانتظار لانتخاب رئيس للجمهورية؟ هل المطلوب الانهيار الشامل ليبنى على الشيء مقتضاه؟”.

على صعيد آخر، جرت محادثات في اللجان المشتركة في ساحة النجمة حول الأزمة المعيشية والمالية بين النواب وممثلي الحكومة، ولكنها كانت عقيمة ولم تخرج بأي جديد. وأوضح نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب “أننا تكلمنا عن موضوع سعر الصرف، ومن يرفع سعر الدولار ويخفضه، لا مصرف لبنان ولا الحكومة، تستطيع أن تجاوبنا”.

وليس بعيداً، وفيما السكون السياسي السلبي يرخي بظلاله على القطاعات كافة، وبما أن الهموم المعيشية أصبحت في سلم الأولويات، نظمت بالأمس، تظاهرة لـ”حراك العسكريين المتقاعدين” و”حركة الانقاذ الوطني”، في ساحة رياض الصلح للتعبير عن الغضب من المعاناة، بالتزامن مع إنعقاد جلسة اللجان المشتركة. وحصل تدافع بين القوى الأمنية والمتظاهرين بعد أن تخطى عدد منهم الأسلاك الحديدية، فاشتدت المواجهات وعمدت قوى الأمن الى إلقاء قنابل مسيلة للدموع لإبعادهم.

وفي حين يجري الاعداد لجلسة جديدة لمجلس الوزراء، إجتمع وفد من العسكريين المتقاعدين من ضباط ورتباء يمثلون الأسلاك العسكرية كافة مع الرئيس ميقاتي، وعرضوا لمطالبهم. ووعد الرئيس ميقاتي الوفد، بإدراج مطالبهم على الجلسة الأولى التي يعقدها مجلس الوزراء الأسبوع المقبل.

وفي هذا الاطار، اعتبر أحد المحللين السياسيين في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “المطلوب انتفاضة، وعدم الرضوخ للمنظومة والسماح لها بالتصرف بالبلاد والعباد كما تشاء، وبات من الضروري اليوم اقتلاعها من مواقعها لأنها متشبثة بالكراسي حتى الرمق الأخير، ومرتاحة كل الارتياح من رد فعل الناس الفاتر والباهت خصوصاً بعدما أثبتت للقاصي والداني أنها غير قادرة على الاصلاح. المطلوب، نزول كل الناس الى الشارع لأن جميعهم يعانون المعاناة نفسها، وجميعهم أصبحوا على حافة الجوع، وعليهم أن يتصرفوا بوعي في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلد، ويتعالوا عن الانقسام المناطقي والطائفي والمذهبي والحزبي لأن مصير بلدهم بين أيديهم، وعليهم أن يقتنعوا أن (مين جرب المجرب كان عقلو مخرب)”.

وفي ظل الأوضاع الاستثنائية، وغياب الاجراءات الاستثنائية ، يسأل الجميع: لماذا لا ينزل اللبنانيون الى الشارع، كباراً وصغاراً، لتغيير الوضع القائم؟ وهل النزول بتظاهرات مليونية يمكن أن يهز عرش السلطة أو أنها ستبقى متجذرة الى أبد الآبدين؟

واعتبر أحد الوزراء السابقين في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “الشعب اذا استسلم لليأس، فسنذهب الى الموت البطيء، واذا لم يتحرك فسيذهب الى الموت البطيء. الأفضل عدم اليأس، والقيام بشيء ما لانقاذ البلد وشعبه من أيدي الحكام الفاسدين الذين أوصلونا الى قعر جهنم حيث الفقر والجوع في أوجّه. يجب أن يكون النزول الى الشارع هذه المرة، مدروساً وفاعلاً، وربما يتخذ طابع العصيان المدني”.

فيما شبّهت احدى الناشطات اللبنانيين اليوم بـ “المرضى الذين يعانون من التوحد، يتأقلمون مع الوضع غير الطبيعي”، مشيرة الى “ايصال الناس الى هذه المرحلة من الجوع والفقر، لتصبح الأولويات عندهم في تأمين لقمة العيش قبل أي شيء آخر مع العلم أن الطبقة الوسطى هي المحرك الأساس، ومعظم شبابها هاجر، اذ هناك حوالي نصف مليون شاب وشابة غادروا، وهذا الرقم خطير جداً، ويغيّر في الديموغرافيا العمرية. كما أن السلطة تتقن فن الهاء الناس، وتخديرهم بالآمال الكاذبة، وتثير الغرائز والعصبيات لديهم. بالاضافة الى أن المواطنين لا يمكنهم استيعاب كثرة المصائب، ما يجعلهم كأنهم غير مبالين. كل ذلك، لا يعني أنه في وقت ما لن ينفجر الشارع، لكن كيف ومتى؟ من الصعب التكهن بذلك”.

وعلى ضفة أخرى، حيث وضع الرئيس بري طبخة جلسة تشريعية قريبة، على النار، صدر عن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بيان جاء فيه: “الرئيس نبيه بري وفريق الممانعة وبعض النوّاب والكتل الأخرى يُحضّرون لمحاولة عقد جلسة تشريعيّة هدفها الفعلي والأساس تطيير الانتخابات البلديّة والاختياريّة والتّمديد للمجالس الحاليّة. إنّ تعطيل هذا الاستحقاق هو طعنة أخرى في صدر كلّ مواطن بعد كلّ الجراح التي تسبّب بها محور الممانعة للبنانيين، جرّاء ممارساته في السّلطة”.

ورّد النائب علي حسن خليل على جعجع عبر “تويتر”، قائلاً: “على عادته في توجيه الاتهامات للهروب من المسؤوليات تحت عناوين الحرص على المؤسسات وعملها ولتبرير تغطيته لتعطيل المجلس النيابي، يتحدث رئيس حزب القوات عن تطيير الانتخابات البلدية ويُحمّل المسؤوليات فيما هو وأعضاء كتلته يعملون بوضوح لتعطيل تأمين تمويل إجرائها في مواعيدها”.

شارك المقال