السم الطائفي يربح… عودة الى توقيت الخراب

لبنان الكبير

بعد عطلة نهاية الأسبوع التي كانت عاصفة ببث السموم الطائفية على خلفية تمديد التوقيت الشتوي، تمكن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من سحب فتيل الفتنة، فجاء القرار الحكيم بدعوة مجلس الوزراء الى اجتماع “استثنائي” لمناقشة بند وحيد يتعلق بـ “أزمة التوقيت الصيفي”، وقرر المجلس العودة الى التوقيت الصيفي ابتداء من ليل الأربعاء – الخميس، والابقاء على قرار مجلس الوزراء رقم 5 تاريخ 20-8-1998 باعتماد توقيت صيفي وشتوي من دون أي تعديل في الوقت الحاضر. وأعلنت شركة “طيران الشرق الأوسط” في بيان عن “إعادة جدولة جميع الرحلات المغادرة من مطار رفيق الحريري الدولي وفق التوقيت الصيفي إبتداءً من منتصف ليل 29 – 30 آذار 2023″.

إذاً، عادت الساعة الى الدوران ضمن المنظومة العالمية، لكن هل سأل اللبنانيون من يعيد عقارب ساعاتهم الى الأيام الجميلة حين كان للحياة طعم ولون؟ وهل سيعودون الى أعماق ذواتهم والى رشدهم للتساؤل إن كانت ساعة لـ”قدام” وأخرى لـ “ورا”، تستحق أن تؤدي الى هذا الاصطفاف الطائفي والانقسام فيما البلد يمر بأخطر وأدق مرحلة، تستوجب التقارب والتفاهم بعيداً عن العصبيات والتشنج والاختلاف على جنس ملائكة الساعة؟ وهل سيدركون أن ثمة جهات تستفيد من أي فرصة لتمرير رسائلها المسمومة والمدسوسة، لتحقيق مآربها ومصالحها على حساب شعب غرق في مركب واحد تحت وطأة الأزمات المتلاحقة؟ وهل سيتعلم اللبنانيون من تجاربهم القاسية لتكون درساً في المستقبل لأنه اذا سلمت الجرة اليوم فربما لن تسلم غداً؟

على أي حال، انتهت الضجة التي أثارها قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي وقال الرئيس ميقاتي بعد الجلسة الحكومية: “ليست المشكلة ساعة شتوية أو صيفية تم تمديد العمل بها لأقل من شهر، انما المشكلة الفراغ في الموقع الأول في الجمهورية، ومن موقعي كرئيس للحكومة لا أتحمل أي مسؤولية عن هذا الفراغ بل تتحمله القيادات السياسية والروحية المعنية وبالدرجة الأولى الكتل النيابية كافة. من هنا، أدعو الجميع الى إنتخاب رئيس جديد للبلاد وتأليف حكومة جديدة من دون ابطاء. لقد تحملت ما ناءت تحته الجبال من اتهامات وأضاليل وافتراءات، وصمدت وعانيت بصمت غير أني اليوم أضع الجميع أمام مسؤولياتهم. إن كرة النار أصبحت جمرة حارقة، فإما نتحملها جميعاً وإما نتوقف عن رمي التهم والألفاظ المشينة بحق بعضنا البعض. اللهم اشهد اني قد بلغت”.

وفي وقت يتم التداول في امكان الاعتكاف، كان لافتاً ما قاله الرئيس ميقاتي بأن “لكل انسان قدرته على التحمّل، اما قدرتي فهي قيد النفاد”. الا أن مصدراً مقرباً من السراي الحكومي أوضح في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أنه “في حال استمرت الأمور على ما هي عليه، ويجد الرئيس ميقاتي نفسه غير قادر على تحقيق أي شيء، فإن خيار الاعتكاف وارد، لكن طالما باستطاعته تسيير أمور الناس، فهو لن يتخلى عن المسؤولية الملقاة على عاتقه في هذه الظروف الصعبة. قال ان قدرته قيد النفاد، وكأن هذا جرس انذار للجميع أنه في حال استمرت الأوضاع على حالها، ولم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، فإن خيار الاعتكاف وارد لأن هناك توجهاً نحو تحميله المسؤولية وحيداً في حين أن هناك العديد من الجهات السياسية والمرجعيات التي يفترض أن تتحمل مسؤولياتها”.

اما بالنسبة الى الجلسة الحكومية التي لم تعقد أمس وكانت ستناقش الشؤون المالية ورواتب موظفي القطاعين العام والخاص، فأشار المصدر الى أن “انعقادها وارد الخميس لأن هناك ضرورة لاستمرارية المرافق العامة، لكن حتى اللحظة لم يتقرر أي شيء في هذا الاطار”.

وفي هذا السياق، لفت مصدر متابع لموقع “لبنان الكبير” الى الدور الذي لعبه الحزب “التقدمي الإشتراكي” بوساطة النائب هادي أبو الحسن كما لنادي رؤساء الحكومات السابقين ممثلاً بالرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، في محاولة لإيجاد مخرج ينهي الأزمة، لأن “الكل يريد إخراج الشارع من هذا الانقسام ومن هذه المعمعة العقيمة التي ليست في وقتها، والكل يضع نصب عينيه المصلحة الوطنية، ودعوة الرئيس ميقاتي الى جلسة تعبّر عن أولويته الوطنية وحسه الوطني، وحرصه على دور المؤسسات الدستورية، ونبذه لهذا الانقسام الطائفي”، مشيراً الى أنه “لا يجوز أن نتحدث عن غالب ومغلوب أو عن الكسب والخسارة أو تسجيل النقاط على بعضنا بل أن نضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار”.

لكن كيف قرأ النواب من مختلف الكتل الجلسة التي دعا اليها ميقاتي لمناقشة مسألة التوقيت؟

اعتبر أحد النواب الوسطيين أن “الأمور عادت الى اطارها الصحيح والى قواعدها الدستورية، وموقف الحكومة ورئيسها موقف حكيم، وفيه حرص على وضع الأمور في نصابها. الرئيس ميقاتي طوى صفحة كادت أن تؤسس لانقسام أعمق ولشرخ كبير لا تحمد عقباه. كل الشكر والتقدير على هذا الموقف”.

ورأى أحد نواب المعارضة أن “الجلسة الوزارية كان من الضروري أن تعقد لتصحيح الخطأ الذي جرّ البلد الى مواجهة، ويتحمل المسؤولية كل من شارك في هذه المواجهة الطائفية. في الأساس انه خطأ اداري يتعلق بفصل لبنان عن التوقيت العالمي، وليست له علاقة لا بالطائفية ولا بالصيام، ولا بالمسيحيين ولا بالمسلمين. بقدر ما كان القرار خاطئاً بقدر ما كانت ردود الفعل الطائفية خطأ أكبر”.

وشدد أحد النواب السابقين على أن “دعوة الرئيس ميقاتي الى جلسة تأتي من حرصه على المصلحة الوطنية لأن ارتفاع المنسوب الطائفي يخلق جواً من الانقسام. ومن هنا أهمية المعالجة من خلال نزع فتيل الفتنة بصورة هادئة وموضوعية بعيداً عن التعنت خصوصاً أن البعض يريد اللعب على الوتر الطائفي الذي يوصل البلد الى مكان خطير جداً. الرئيس ميقاتي يركز على السلم الأهلي ورأب الصدع”.

وفي الشأن الرئاسي، السكون السلبي الداخلي على حاله الا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان جدّدا عزمهما على “العمل معاً” لمساعدة لبنان. وذكر الإليزيه أنّ الزعيمين عبّرا خلال اتّصال هاتفي عن قلق مشترك حيال الوضع في لبنان، وكرّرا عزمهما على العمل معاً للمساعدة في إخراج البلاد من الأزمة العميقة التي تمرّ بها.

وفي هذا الاطار، لفت أحد النواب في تصريح لموقع “لبنان الكبير” الى أن “أصدقاء لبنان في جهوزية دائمة لمساعدته في كل المراحل والظروف، ويقومون بجهد كبير ليت بعض اللبنانيين يقومون به لكنا أنجزنا الاستحقاق الرئاسي. كل ما يقوم به أصدقاء لبنان مقدر إن كان لناحية مساعدته انسانياً في هذه الضائقة الاقتصادية والاجتماعية أو في الموضوع السياسي. هذا التلاقي السعودي – الفرنسي يؤسس ايجاباً لمعالجة الأمور لكن علينا في لبنان أن نلاقي هذا الجهد الى منتصف الطريق. الوقت ليس لمصلحتنا والاسراع في التوافق على رئيس للجمهورية وعلى برنامجه ضرورة ملحة. التحرك السعودي – الفرنسي يبشر بالخير، لكن المسؤولية الأولى نتحملها نحن كلبنانيين”.

فيما اعتبر أحد النواب المعارضين أن “المواجهة الرئاسية في لبنان مواجهة سياسية بين خطين ومحورين لا يلتقيان. وقبل ان يأخذ حزب الله قراره بتحرير لبنان من السياسات الاقليمية التي أوصلت البلد الى الهلاك والدمار والمآسي، لن يكون هناك امكان للتفاهم.”

في الموازاة، استقبل رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل في الصيفي السفير السعودي وليد بخاري، الذي قال بعد اللقاء: “واثقون من إرادة الشعب اللبناني وتطلعاته للخروج من الأزمات لا سيما وأن لبنان عوّدنا على مناعته تجاه الأزمات وقدرته على النهوض منها”.

أما السفيرة الفرنسية آن غريو فقالت بعد اجتماعها مع الرئيس ميقاتي: “اتفقنا على أن هناك حاجة ملحة الى الحوار وحسن سير المؤسسات وانتحاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. تدهور الأوضاع المعيشية للبنانيين تدعونا الى أن نكون قادرين على الاستجابة لكل احتياجاتهم، واتفقنا على أن الاحوال باتت طارئة وملحة ويجب استعادة زمام المبادرة على أسس تستند الى الحوار البناء”.

من جهة ثانية، توجه رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الى باريس على رأس وفدٍ، يضمّ نجله رئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي” تيمور جنبلاط والنائب وائل فاعور، وتحدثت المعلومات عن أن جنبلاط سيعقد لقاءات مع عدد من المسؤولين الفرنسيين المعنيين بالملف اللبناني، والهدف الأساس من الزيارة هو البحث في الملف الرئاسي خصوصاً أن فرنسا تلعب دوراً مهماً في هذا الاطار، وتبحث مع دول الخليج عن حلول.

وأوضح أحد نواب “اللقاء الديموقراطي” في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “رادار جنبلاط يلتقط أنين الناس ووجعها والحاجة الى انتظام عمل المؤسسات في الدولة بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية . خلال زيارته الى باريس، سيناقش مع المسؤولين كيفية المساعدة لكسر هذا الجمود. وجنبلاط لديه موقفه الثابت حول ضرورة التوافق على رئيس وبرنامج لتكون بداية الانقاذ من الأزمة. هناك العديد من الأسماء المطروحة كما هناك استعداد لمناقشة المزيد منها اذا تطلب الأمر ذلك، ونحن منفتحون على كل نقاش ايجابي يهدف الى توافق لبناني داخلي”.

معيشياً، وفي وقت نفذ موظفو هيئة “أوجيرو” اعتصاماً في منطقة بئر حسن حيث كان المجلس التنفيذي للنقابة أعلن تمسّكه بمطلبه الأساس وهو “تحسين الرواتب وربطها بالدولار، وبتأمين الأموال اللازمة للقيام بأعمال الصيانة والتشغيل، لتعود هيئة أوجيرو إلى ما كانت عليه في خدمة الوطن والمواطن”، أكد أحد المسؤولين في الادارة العامة في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “الاضراب مستمر، وكان مقرراً بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء التي أُلغيت، والتي كانت ستبحث في الشؤون المالية لموظفي القطاعين العام والخاص. نحن بانتظار تعيين جلسة أخرى لنعود الى الشارع بحيث أن مطالبنا أصبحت واضحة، والسلطة تناست أموراً أساسية منها الطبابة والاستشفاء والتقديمات الاجتماعية . ننتظر صحة التسريبات التي تتحدث عن أن رواتبنا ستصرف على سعر صيرفة أي 90 ألف ليرة، ما يعني أنها تآكلت الى حد كبير. اليوم، يتم التحضير والتنسيق بين مختلف القطاعات المتضررة للقيام بتحركات شعبية مع التأكيد أننا لن نعود الى العمل قبل تحقيق مطالبنا”.

على صعيد آخر، أفيد أن “المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان استدعى مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون الى جلسة إستجواب الخميس بناءً على دعوى قدح وذمّ أقامها ضدها الرئيس ميقاتي”.

شارك المقال