على الرغم من أن الرسالة الأمنية الخطيرة التي أظهرت فجأة عودة “مريبة” لتنظيم “داعش” الارهابي من خلال مهاجمة “ذئب منفرد” السفارة الأميركية في عوكر، قد طغت في الفترة الصباحية على سائر التطورات الأمنية والسياسية، وحجبت الضوء عن المبادرة “الجنبلاطية” التي تهدف إلى “خلق مساحة مشتركة” بين الفرقاء السياسيين، إلا أن التطورات على الجبهة الجنوبية منذ فترة ما بعد الظهر والتي رافقت الزيارة التي كان يقوم بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة، أعلنت وبصورة مستفزة عن احتمال “بداية” حرب مدمرة قد يشنها العدو على لبنان.
فقد أعلن “حزب الله” عن القيام بعملية في منطقة حرفيش في الجليل الغربي، وصفتها وسائل إعلام اسرائيلية بالهجوم الأخطر منذ بدء الحرب، وأفادت بسقوط قتيلين ونحو 24 جريحاً وصفت حالة بعضهم بالحرجة، ما استدعى استنفاراً شاملاً من وزراء حكومة نتنياهو الذين دعوه إلى شن عملية واسعة ضد “حزب الله” في لبنان، فيما قوبلت الدعوات بتحذير أميركي من أن التصعيد سيؤدي الى سقوط مزيد من الضحايا من الجانبين.
هجوم “داعشي”
تعرّضت السفارة الأميركية في عوكر لإطلاق نار صباح أمس من شخص يحمل الجنسية السورية، صرخ خلال الهجوم بأنه يقوم بذلك “نصرةً لغزة”، وعلى الرغم من أن المهاجم قدم نفسه على أنه ينتمي إلى “داعش”، الا أنه استعمل أدبيات مختلفة عن أدبياته، خصوصاً أنه كتب اسم التنظيم بالانكليزية “isis”، كما كتب على سلاحه وثيابه عبارات مثل “إن ينصركم الله فلا غالب لكم” و”الدولة الاسلامية”، وكان لافتاً كتابته عبارة “الذئاب المنفردة”.
وأعلن الجيش اللبناني في بيان عن “تعرض السفارة الأميركية في لبنان في منطقة عوكر إلى إطلاق نار من شخص يحمل الجنسية السورية”، مشيراً إلى أن “عناصر الجيش المنتشرين في المنطقة ردّوا على مصادر النيران؛ ما أسفر عن إصابة مطلق النار، وتم توقيفه ونقله إلى أحد المستشفيات للمعالجة”.
كما أعلنت السفارة الأميركية عن تسجيل إطلاق نار “بالقرب من مدخل” مجمّع السفارة المحصن. وأضافت في منشور على موقع “إكس” أنه “بفضل رد الفعل السريع” لقوات الأمن اللبنانية وفريق أمن السفارة، “فإن طاقمنا بأمان”.
وفي بيان آخر، أشارت السفارة، الى أن التحقيقات جارية والاتصالات مستمرة مع السلطات اللبنانية بشأن أي جديد، وقد أوصت مواطنيها بتجنب السفر إلى حدود لبنان مع إسرائيل وسوريا ومخيمات اللاجئين وتجنب المظاهرات وأي تجمعات، معلنة أنها ستبقي أبوابها مغلقة لبقية اليوم، على أن تعاود العمل الخميس.
وعلى اثر الحادثة انتشر الجيش اللبناني في محيط السفارة وقطع الطرق المؤدية إليها، ونفذت القوى الأمنية عمليات دهم في بلدة الصويري في البقاع الغربي وأوقفت عدداً من الأشخاص بينهم شقيق المهاجم، وعملت قوة من الجيش على دهم منزل إمام جامع البلدة، السوري الجنسية الشيخ عبد المالك موفق جحا، الذي كان يتابع معاملات خاصة في مجدل عنجر، وتم إبلاغ مفتي البقاع الشيخ علي الغزاوي بالأمر، فعمل على تسليمه إلى مخابرات الجيش ونقل إلى أحد المراكز العسكرية للتحقيق.
الميدان
ميدانياً، اشتد التصعيد أمس، بعدما استهدف “حزب الله” منطقة حرفيش في الجليل الغربي، ما أدى الى مقتل جنديين واصابة أكثر من 24 آخرين، في حدث وصفته وسائل الاعلام بالأخطر منذ بدء الحرب. وعلا صراخ الوزراء الاسرائيليين مطالبين بعملية موسعة ضد الحزب، وقال وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش لنتنياهو: “اذهب إلى الحرب مع حزب الله وأخضعه ودمره وحرّك الشريط الأمني من الجليل إلى جنوب لبنان”.
بينما توجه الوزير بيني غانتس الى رؤساء السلطات المحلية في شمال إسرائيل بالقول: “هناك احتمال كبير بأن ما تعيشونه الآن هو مجرد البداية”.
وفيما أعرب المتحدث باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي عن قلقه من التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل، شددت الخارجية الأميركية على أن واشنطن لا تريد تصعيد الصراع على حدود لبنان وإسرائيل، مؤكدة أن التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة سيقود إلى تهدئة الأوضاع على الحدود اللبنانية الاسرائيلية. إلا أن الخارجية عبّرت عن التزام واشنطن بالتفوق العسكري النوعي لاسرائيل في المنطقة والسعي أيضاً إلى إنهاء الصراع في غزة.
وكانت الحكومة الاسرائيلية صادقت أمس على قرار يسمح للجيش بزيادة قوات الاحتياط التي سيتم استدعاؤها، ليصل عددها إلى 350 ألف جندي احتياط، وذلك حتى نهاية آب المقبل.
وعلى الرغم من إعلان مسؤولين في وزارة الدفاع أن “هذه زيادة طبيعية وروتينية للمنظومة القتالية”، وقول مسؤولين في الجيش إن هذه الزيادة جاءت بسبب الاضطرار إلى تحرير قوات احتياط من قطاع غزة، والحاجة إلى استمرار العمليات الحربية في رفح، فإن جهات عسكرية عدّت القرار “خطوة لمواجهة خطر التدهور نحو حرب واسعة في الشمال”.
وكان نتنياهو قام بجولة في كريات شمونا، وغيرها من بلدات الشمال بعد أن زارها الرئيس الاسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ووزير الدفاع يوآف غالانت، والوزير غانتس، ورئيس أركان الجيش هيرتسي هليفي، وهدد كل واحد منهم على طريقته بتصعيد الحرب مع “حزب الله”.
وقال نتنياهو: “نحن جاهزون لعملية عسكرية ضخمة جداً في الشمال. ومن يعتقد أنه سيستهدفنا ونحن سنجلس مكتوفي الأيدي فإنه يرتكب خطأً كبيراً. وبطريقة مثل هذه أو أخرى سنعيد الأمن إلى الشمال”.
وسط هذه الأجواء أعلن “حزب الله” عن تنفيذه عدداً من العمليات، وقال في بيانات متفرقة إنه استهدف “تجمعاً لجنود العدو الصهيوني في محيط موقع بركة ريشة”، و”منصة القبة الحديدية في ثكنة راموت نفتالي بصاروخ موجّه”، وموقع السماقة في تلال كفرشوبا اللبنانية. وأعلن أيضاً أنه “بعد رصد وترقب لقوات العدو الاسرائيلي في موقع المالكية، كمن فجراً لمجموعة من جنود العدو أثناء دخولها إلى الموقع، واستهدفها بقذائف المدفعية”، إضافة إلى استهدافه بـ”مُحلّقة انقضاضية مكان استقرار وتموضع جنود العدو الاسرائيلي في موقع البغدادي”.
في المقابل، كتب المتحدّث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي، على حسابه عبر منصة “إكس”: “خلال ساعات الليلة الماضية هاجمت طائرات حربية لسلاح الجو منصتين صاروخيتين لحزب الله في منطقتيْ زبقين وعيتا الشعب”، مشيراً كذلك إلى “استهداف 3 مبانٍ عسكرية لحزب الله في العديسة وبليدا ومركبا”.
جولة “الاشتراكي”
في هذه الاجواء المُقلقة، استكمل “اللقاء الديموقراطي” جولته على الفرقاء السياسيين في محاولة لتقريب وجهات النظر بشأن الملف الرئاسي. وقال عضو اللقاء النائب بلال عبد الله بعد اجتماع وفد “اللقاء” مع تكتل “الاعتدال”: “شعرنا أنّنا نتكلم لغة واحدة خارج الاصطفافات ووضعنا خريطة طريق قابلة للحياة تخفّض السقوف المرتفعة”.
أضاف: “التسوية مطلوبة ليس على قاعدة أن ينكسر أحد فالمهمّ أن يربح لبنان والمطلوب تكوين رأي داخلي وإيجاد رأي عام وطني يدفع باتجاه حلّ”. وشدد على وجوب “ألا يبقى الملفّ الرئاسي مرتبطاً بملفّ غزة، وسنؤسّس لأرضية مشتركة في كثير من الملفات لأنّنا نتشابه في الانفتاح على جميع الفرقاء”.
بعدها، زار وفد “اللقاء” كتلة تجدد”. وقال النائب ميشال معوض: “اننا منفتحون على شخص الرئيس إنما يجب أن يمثل الدولة اللبنانية في حين أن في لبنان كلّاً يريد رئيساً على قياسه خصوصاً من يحاول أن يسيطر على البلد”.