بينما يحبس العالم أنفاسه بانتظار الرد الايراني على اغتيال اسماعيل هنية في طهران، ورد “حزب الله” على اغتيال القيادي فؤاد شكر في عمق الضاحية الجنوبية، يبدو أن ايران وذراعها الأقوى تقومان بتمييع الرد، فبين “يا واش يا واش” للأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، واختفاء التصريحات الايرانية بالعقاب، والاكتفاء بحرب اعلامية، يبدو وكأن الرد لن يحصل أبداً، أو إن حصل فسيكون تأثيره ضعيفاً، بما يبدو أنه انصياع ايراني للتحذيرات والنصائح من دول العالم وعلى رأسها روسيا، من أن أي أذى يلحق باسرائيل سيستغله رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لشن حرب شاملة على ايران يورط العالم كله فيها، مستفيداً من رأي عام اسرائيلي يطالب بتوجيه ضربة وقائية الى طهران قبل أن توجه ضربة “الرد”.
في هذا الوقت، تنهار أعصاب اللبنانيين قبل رد “حزب الله” والمحور الايراني على الاغتيالات الاسرائيلية، تهديدات متبادلة وتصعيد ميداني، قد يتسبب وحده في اشتعال الحرب قبل “الرد”، بالاضافة الى خرق جدار الصوت المتكرر الذي يمارسه الطيران الحربي يومياً ليثير الذعر في لبنان، وقد توسع في اليومين الأخيرين الى بيروت والجبل، وزاد من قلق اللبنانيين طلب قوات حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” من عائلات أفراد القوة مغادرة لبنان، بما اعتبرته اجراء مؤقتاً. ويأتي ذلك في موازاة اغراء السفارة الأميركية في بيروت رعاياها بقروض ميسرة تحثهم على المغادرة الفورية، ورفع وزارتي الخارجية والدفاع الألمانيتين نبرة التحذير تجاه الرعايا الألمان في لبنان، والتشديد على ضرورة المغادرة فوراً.
الميدان
ميدانياً، دخلت بلدات جديدة في جنوب لبنان، واقعة على الخط الحدودي الثاني مع إسرائيل، دائرة الاستهداف المكثف بوتيرة متصاعدة، في ظل غارات جوية وملاحقات في عمق الجنوب، أدت إلى مقتل شخصين باستهداف جوي في بلدة جويا، شرق مدينة صور.
وأصبحت البلدات الواقعة على الخط الثاني من الحدود، بعمق يتراوح بين 5 و10 كيلومترات، تعيش ما اختبرته القرى الحدودية لجهة القصف المدفعي المكثف، ويشمل ذلك القذائف الفوسفورية والانشطارية، بحيث تعرضت لقصف مدفعي عنيف، بدءاً من ليل الثلاثاء، امتد حتى ظهر الأربعاء، وشمل بلدات مثل شقرا وبرعشيت في القطاع الأوسط، ودير سريان في القطاع الشرقي، ووادي زبقين في القطاع الغربي. وتعرضت تلك البلدات لقصف بالقذائف الانشطارية والمدفعية الثقيلة، بمعدل قذيفة كل دقيقتين، وأطراف بلدة الناقورة وبلدة زبقين والأودية المجاورة لقصف مدفعي متقطع، فيما استهدف قصف مدفعي انشطاري منطقة وادي حسن التي تربط أطراف قرى طيرحرفا والجبين وشيحين ومجدلزون، الواقعة جنوب مدينة صور، وتبعد عن الحدود نحو 10 كيلومترات.
وشنت المسيرات الاسرائيلية هجوماً على بلدة جويا الواقعة شرق مدينة صور، ما أدى إلى مقتل شخصين، أحدهما كان يستقل سيارة، والثاني دراجة نارية أصيب بالصاروخ الأول، فأطلقت عليه المسيرة صاروخاً آخر أدى إلى مقتله، بينما أصيب 6 آخرون بجروح.
في المقابل، أعلن “حزب الله” في بيان أن عناصره استهدفوا موقع السماقة الاسرائيلي بالأسلحة الصاروخية، ومقر قيادة الفيلق الشمالي في قاعدة عين زيتيم بصواريخ الكاتيوشا، ومرابض مدفعية إسرائيلية في الزاعورة بالمسيّرات الانقضاضية، رداً على الاغتيالات التي نفّذتها إسرائيل في بلدتي ميفدون وجويا الجنوبيتين. كما أعلن عن استهداف موقِعَي الراهب وجل العلام الاسرائيلييْن بالقذائف المدفعية، وموقع المالكية بالأسلحة الصاروخية، وأصابوه إصابة مباشرة.
إسرائيل مستعدة
وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن أمس أن إسرائيل مستعدة “دفاعياً وهجومياً” و”تمضي قدماً نحو الانتصار”، مشدداً على أنها “عازمة على الدفاع” عن نفسها بعد تهديدات بالانتقام لمقتل شكر وهنية.
وقال نتنياهو مخاطباً مجنّدين جدداً في قاعدة تل هشومير العسكرية في تل أبيب: “نمضي قدماً نحو الانتصار”، مضيفاً: “أدرك أن سكان إسرائيل قلقون، وأطلب منكم شيئاً واحداً: كونوا صبورين وهادئين”.
وتابع: “نحن مستعدون على المستويين الدفاعي والهجومي. نحن نضرب أعداءنا، ومصممون على الدفاع عن أنفسنا”.
على نحو منفصل، قال المتحدث باسم الحكومة الاسرائيلية ديفيد مينسر، في مؤتمر صحافي: “ان هذه البلاد قادرة على الدفاع عن نفسها، بالطبع على النحو الذي يشهده أعداؤنا، وإنما أيضاً على نحو لم يشهدوه”. وأشار الى “أننا نعرف كيف نتعامل مع هذا التهديد الإيراني… مع حلفائنا نحن قادرون على مواجهتهم”.
أما رئيس الأركان الاسرائيلي هرتسي هليفي فشدد على أن إسرائيل ستوجه “رسالة في غاية الوضوح لأعدائها مفادها أن الذين اعتدوا عليها، والذين يتحدثون في كل خطاب عن كيفية تدمير دولة إسرائيل، ستضربهم وستواصل زيادة قوتها”.
وقال من قاعدة تل نوف الجوية: “سنكون قادرين على شن هجمة سريعة للغاية، على كل مكان في لبنان، وعلى كل مكان في غزة، وعلى كل مكان في الشرق الأوسط، فوق الأرض، وتحت الأرض”.
وأضاف: “لقد قمنا بعمليات مهمة للغاية على مدار الأسابيع الماضية، حيث قتلنا أبرز القادة لأعدائنا الأكثر إشكالية، ونحن لا نتوقف”.
ورأى وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت أن “المعركة مع حزب الله قد تتدهور إلى حرب حقيقية”، معتبراً أن الأمين العام لـ “حزب الله” يجر لبنان الى دفع ثمن كبير.
“اليونيفيل”
وسط هذه الاجواء، نقلت وكالة الأنباء الإيطالية “أنسا” عن المتحدث باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي أن عائلات أفراد القوة يجب أن تغادر البلاد، وذلك تنفيذاً لأمر صدر في أيار الماضي، لافتاً إلى أنه منذ شهر أيار، ومع تصاعد التوتر على الحدود بين لبنان وإسرائيل، “أصبحت البعثة محطة عمل غير عائلية”، وعليه، “غادرت العديد من العائلات، على الرغم من أن بعضها بقي في بيروت؛ حيث كان الوضع أكثر هدوءاً”. وأكد أن الأمر “إجراء مؤقت”، ومن المتوقَّع أن يستمر “على الأقل حتى نهاية آب الحالي”، رافضاً وصفه بخطة إخلاء، بل “إعادة توطين”.
استمرار التحذيرات الدولية
ويأتي قرار “اليونيفيل” توازياً مع اعلان السفارة الأميركية في بيروت أن بإمكان الأميركيين الراغبين في مغادرة لبنان التقدم بطلب للحصول على قرض مالي، تحت عنوان “العودة إلى الوطن”. وكتبت السفارة في منشور عبر منصة “إكس”: “يمكن للمواطنين الأميركيين المعوزين الذين يحتاجون إلى مساعدة للعودة إلى الولايات المتحدة التقدم بطلب للحصول على قرض العودة إلى الوطن”.
بينما حذّرت وزارتا الخارجية والدفاع الألمانيتان المواطنين الألمان، الذين ما زالوا في لبنان، على الرغم من الدعوات المتكرّرة لمغادرة البلاد، من التعويل بصورة كاملة على قيام الحكومة بعملية لإجلائهم في حال حدوث تصعيد.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية في برلين، أمس، إن “عملية الإجلاء ليست رحلة منتظمة تشمل التأمين ضد إلغاء السفر، عملية الإجلاء محفوفة بمخاطر وحالات عدم يقين، وليست سلسة على الاطلاق، وعلى هذا الأساس نواصل دعوة جميع الألمان الموجودين في لبنان إلى المغادرة العاجلة”.
ونقلت وكالة “بلومبرغ” عن رئيس قبرص نيكوس خريستودوليدس، قوله “إننا تلقينا طلبات من أكثر من 10 دول للمساعدة في إجلاء مواطنيها من لبنان في حالة تصاعد الصراع مع إسرائيل”.