تزامناً مع غياب استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت على مدى ثلاثة أيام، وسعت اسرائيل من دائرة استهدافاتها لتطال مناطق جديدة في الشمال والشوف، من دون أي سابق إنذار، ولم يعرف هدف هذه الهجمات لا سيما أن الجيش الاسرائيلي عادة ما كان يتحدث عن “ضربة دقيقة”، إلا أنه هذه المرة التزم الصمت، فيما لم يقل أي طرف من الممانعة أن الاستهدافات طالت أياً من مسؤوليه، ولكن المؤكد أن الأمر تسبب في حالة من البلبلة بين اللبنانيين الذين أصبحوا يشعرون أن كل المناطق في بلدهم لم تعد آمنة، بالاضافة إلى استغلال بعض الموتورين هذه الاستهدافات للعمل على نشر الشائعات التي تؤجج الفتن.
أما على الصعيد السياسي فقد حصل محور الممانعة على جرعة من المعنويات الايرانية أمس، بعد زيارة رئيس مجلس الشورى الايراني المحافظ، محمد باقر قاليباف، الذي بدا أكثر تفهماً للخصوصية اللبنانية ولم يربط مصير لبنان بغزة، كما فعل وزير خارجية بلاده عباس عراقجي في زيارته الأخيرة، بل بدا كأنه يشكل ثنائية تفاوضية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، مؤكداً قبول طهران بما يتفق عليه لبنان الرسمي.
وتأتي زيارة قاليباف وسط حركة ديبلوماسية مستجدة على الرغم من أنها خجولة باتجاه لبنان، تمثلت في اتصالات أميركية أول من أمس، من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والمبعوث آموس هوكشتاين الذي تحدث أيضاً إلى الاعلام اللبناني، ليضاف إليها أمس اتصال من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس بري، كان عنوانه تطبيق القرار 1701.
يأتي ذلك وسط تسريبات إعلامية، عن مساعٍ لحصر إطلاق النار في الجبهات، ويبدو أن الامتناع عن قصف الضاحية الجنوبية لنحو ثلاثة أيام يجيء في هذا الاطار، إلا أن لا تفاؤل بإمكان وصول هذه المساعي الى نتيجة حقيقية مع وضع اسرائيل هدف القضاء على “حزب الله” نصب عينيها.
ويلاحظ أن هناك تناقضاً في الحركة الأميركية، فواشنطن تسعى الى منع تطور الحرب إلى إقليمية، ولكن في الوقت نفسه ترى أن هناك فرصة لإضعاف أقوى ذراع لإيران في المنطقة “حزب الله” والتخفيف من سطوته في الدولة اللبنانية، ولذلك لا يتوقع أن يكون موعد انتهاء الحرب قريباً.
الميدان
ميدانياً، تواصل القصف على بلدات عدة في جنوب لبنان والبقاع، مع استمرار الهدوء الحذر في الضاحية الجنوبية، وزاد الجيش الاسرائيلي من نطاق استهدافاته؛ بحيث سُجَّلت أمس غارات على مناطق خارج الضاحية والجنوب والبقاع؛ حيث يتركز عادة القصف على استهداف المناطق المحسوبة بصورة شبه كاملة على “حزب الله”، وعناصر أو شخصيات محسوبة عليه، تقيم فيها أو لجأت إليها.
وفي إقليم الخروب – قضاء الشوف، شنَّ الطيران الاسرائيلي غارة على محلة زاروت بين برجا والجية، مستهدفاً شقة سكنية؛ وأفيد لاحقاً عن مقتل 4 أشخاص وجرح 14، علماً أن هذه المنطقة تعد من المناطق الآمنة التي لجأ إليها نازحون من المناطق الخطرة.
وفي الشمال، شن الطيران الحربي غارة هي الثالثة من نوعها على بلدة المعيصرة في فتوح كسروان، مستهدفة منزل المواطن عبد الله عمرو، لتعود بعدها وزارة الصحة وتعلن عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 14. كما شنَّ غارة على بلدة دير بلا في أعالي منطقة البترون.
وعلى وقع توسُّع دائرة الاستهدافات، أفيد عن تحذيرات وصلت إلى مبانٍ في بعض المناطق، ما أدى إلى مغادرة السكان. وأشارت “الوكالة الوطنية للإعلام” الى إخلاء مبنى “سنتر البيبسي” في العاقبية – قضاء صيدا؛ حيث هناك أكثر من 20 عائلة نازحة من قرى جنوبية، وذلك بعد تأكد الجيش من صحة رسائل الإنذار بالإخلاء التي وصلت إلى النازحين في هذا المبنى.
والأمر نفسه حصل مع مبانٍ في بلدة القرية – شرق صيدا، بعد وصول تهديد باستهداف أحدها في حي الكروم، ما أجبر كاهن الرعية في البلدة على مطالبة سكان الحي المذكور بإخلاء بيوتهم للضرورة، حفاظاً على سلامتهم.
في المقابل، نفَّذ “حزب الله” عدداً من العمليات التي طالت شمال إسرائيل بصليَّات من الصواريخ؛ ودوت صفارات الانذار امس في وسط إسرائيل، مع اعتراض “مقذوف أطلق من لبنان”، حسب الجيش الاسرائيلي، بينما أعلن “حزب الله” استهداف قاعدة الاتصالات في كرن نفتالي، جنوب مدينة حيفا “بصلية صاروخية كبيرة”.
وفي بيانات متفرقة، أعلن “حزب الله” استهدافه في جنوب مدينة حيفا مصنع المواد المتفجرة، بصلية من الصواريخ النوعية، وقاعدة زوفولون للصناعات العسكرية بصلية من الصواريخ، وتجمعاً لجنود العدو الاسرائيلي في مسكفعام بقذائف المدفعية، ونفَّذ هجوماً جوياً بسرب من المُسيَّرات الانقضاضيَّة على عين مرغليوت، واستهدف تجمعات لجنود إسرائيليين في مستعمرة المنارة بقذائف المدفعية، ومستعمرة خربة نفحا بصلية صاروخية.
كما استهدف مقاتلو الحزب تجمعاً للقوات الإسرائيلية في مستعمرة المطلة بصلية صاروخية كبيرة، وتجمعاً لجنود العدو في مستعمرة كفريوفال بصلية صاروخية، وآخر على أطراف بليدا.
وكان الحزب نفَّذ خلال ساعات الصباح عدداً من العمليات، وأعلن في بيانات متتالية عن استهدافه تجمعات لجنود إسرائيليين على أطراف بليدا، وفي مستعمرة كفرجلعادي، وثكنة هونين، وموقع الجرداح، وثكنة زرعيت، بصليات صاروخية، وقصف مقاتلوه مدينة طبريا بصلية صاروخية.
لقاءات قاليباف
وسط هذه الأجواء، قاد رئيس مجلس الشورى الايراني محمد باقر قاليباف بنفسه الطائرة التي أوصلته إلى بيروت. وعند وصوله، تفقد برفقة اثنين من نواب “حزب الله” موقع الغارة الاسرائيلية الأعنف التي استهدفت قلب بيروت الخميس، وأسفرت عن مقتل 22 شخصاً على الأقل، وقالت إسرائيل إنها استهدفت خلالها مسؤول التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا، الذي لا يزال مصيره مجهولاً.
ومن أمام ركام مبنى مهدم جراء الضربة، قال قاليباف بالفارسية: “إن النظام الصهيوني المتوحش، وعلى رأسه رئيس وزرائه، الشبيه بالذئب، يرتكب هذه الجرائم”، مضيفاً: “انّ المنظمات الدولية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لديهم القدرة (على وقف إسرائيل)، ولكنهم للأسف ظلوا صامتين”.
والتقى قاليباف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي أكّد خلال اللقاء، أن “أولويات الحكومة في هذه المرحلة هي العمل على وقف إطلاق النار، ووقف العدوان الاسرائيلي، والحفاظ على أمن لبنان وسلامة أبنائه”، وفق بيان من مكتب ميقاتي.
وبعد لقائه الرئيس بري، أكد قاليباف أن “الجمهورية الاسلامية الايرانية ستظل تدعم القرارات اللبنانية، سواء من حكومتها والصادرة من المقاومة وشعب لبنان، وستدعمها بكل قوة”.
ولفت إلى أنه يحمل رسالة من القيادة الايرانية بالتأكيد أن طهران “ستبقى وتظل واقفة إلى جانب لبنان حكومة وشعباً في كل هذه الظروف الصعبة”، مشيراً إلى أن بلاده “على أتم الجهوزية والاستعداد لتقديم أي نوع من المساعدات لهؤلاء النازحين والمتضررين من هذه الحرب، ولكن تحت إشراف وإدارة حكومية، وحبذا لو كان هناك جسر جوي مباشر بين إيران ولبنان لتقديم مثل هذه المساعدات”.
وأوضح المسؤول الايراني أنه سيتوجه بعد بيروت إلى جنيف للمشاركة في اجتماعات الاتحاد العالمي للبرلمانات، التي تنعقد على مستوى رؤساء البرلمانات العالمية، قائلاً للصحافيين: “ثقوا تماماً بأنه على هامش هذه الاجتماعات وأثناء مقابلاتي ولقائي كل المسؤولين ورؤساء البرلمانات الدولية، سأنقل هذه الرسالة التي فحواها هذا الاضطهاد، وهذه المظلومية للشعبين الفلسطيني واللبناني”.