شظايا وديعة نظام القرداحي

عاصم عبد الرحمن

على الرغم من تمضيته أكثر من 20 عاماً في أحضان القناة السعودية Mbc متنقلاً بين استوديواتها أميراً يغرف من جعبتها ذهباً ونجومية، أتقن معظم اللهجات العربية ونطق بها مستعرضاً ثقافته اللا متناهية فحتى اللبنانيون أنفسهم نسوا أنه مُواطِنهم، إنه جورج قرداحي الإعلامي الذي حاول العودة إلى لبنان من بوابة المجلس النيابي عام 2018 على إحدى لوائح النائب جبران باسيل في كسروان إلا أنه فشل في استمالته رغم تغنيه الدائم بتأييده الرئيس ميشال عون إلى أن وضع حوله خطاً أحمر يُمنع حتى رميه بوردة فلا مسامح كريم هنا ولا مَن يحزنون.

شارك جورج قرداحي فرحة الآلاف من المتسابقين في برنامج “مَن سيربح المليون” في حصد ملايين الريالات من السعادة لكنه لم يشارك ملايين العرب ممن خرجوا على حكامهم وأنظمتهم المستبدة إذ اعتبر أن الربيع العربي ما هو إلا موجة تآمر هادفة إلى تفتيت الإقليم.

نشر المحبة والسلام بين آلاف المتخاصمين إيماناً منه بشعار “المسامح كريم” إلا أنه لم يتسامح مع الحكومتين السعودية والإماراتية في تدخلهما لنصرة ملايين المشردين والضحايا الذين قبعوا خلف إرهاب الحوثيين فكان كريماً باعتبار معركة حمايتهم حرباً عبثية قتلت العباد ودمرت البلاد للقضاء على مَن أسماهم بحركة المقاومة الحوثية.

غادر القناة السعودية معتبراً نفسه ضحية قرار سياسي سعودي اتخذ على أعلى مستويات السلطة لحرقه من على شاشات الشهرة والأضواء متغنياً بديمقراطية نظام بشار الأسد متناسياً قتله واعتقاله وتشريده لآلاف السوريين العزَّل، فكانت له مكافأتان:

١- الأولى معنوية تمثلت بلقاء مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي وصفه بـ”الرجل الحكيم”، مشيداً باللقاء النادر الذي أنعم الله عليه به.

٢- الثانية مادية تبوَّأ بموجبها منصب وزير الإعلام في الحكومة اللبنانية عن تيار المردة بطلب شخصي من رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى سليمان بك فرنجية كتعويضٍ عن مغادرته الشاشة الصغيرة لما اعتُبر قمعاً لحريته في التعبير عن رأيه السياسي الحر في الدفاع عن الإرهاب المتنقل بين العراق وسوريا واليمن ولبنان….

رواية الإتيان بجورج قرداحي وزيراً عن تيار المردة من بشار الأسد يراوغ في نفيها أو حتى تأكيدها قيادي زغرتاوي مرديّْ، إلا أن قيادياً زغرتاوياً معارضاً للخط الفوسفوري يؤكد صحة الرواية بخاصة مع تغييب زغرتا عن التمثيل الوزاري في الحكومة الأخيرة نتيجة الزركة التحاصصية وإن صُوِّر هذا التوزير الكسرواني (وزيران للمردة من كسروان) على هيئة فتح معركة إنتخابية بين تيارَيْ المردة والوطني الحر في المنطقة المارونية الكبرى.

إذاً جاء جورج قرداحي وزيراً للإعلام في حكومة أريد لها أن تكون مستقلة من الاختصاصيين، فإذا بها متخصصة في الإطاحة بما تبقى من قنوات حوار مع الأشقاء العرب عبر مكابرة الوزير المثقف وتمسكه بحرية التعبير عن رأيه حتى أطبق على التبادل الدبلوماسي بين لبنان والخليج العربي مفتتحاً أزمة دبلوماسية متعددة الأوجه والإنعكاسات السلبية على الصعد السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها…

وكما يقول “مكيافيللي” الدول لا تحكم بالصلوات؛ وها هي بيانات الاستنكار الرئاسي والإدانة الحكومية والتباكي الرسمي لم تؤتِ ثمارها في الحفاظ أقله على شعرة معاوية في العلاقات اللبنانية – العربية المنهكة نتيجة غياب قرار سياسي لبناني مقرون بالأفعال الرسمية تحدُّ من سلبيات ممارسات “حزب الله” تجاه دول الخليج من تدريب للحوثيين في اليمن على القتال وإرسال الصواريخ نحو المملكة وبالتالي شحنات الكبتاغون – كما يقول السعوديون – والتي لم تعالج وفق الأطر القانونية والأخلاقية للقضية فالحلول الترقيعية تتكسر على صخرة المواقف الجريئة في زمن غلبت عليه المشاريع الصغيرة والمصالح الضيقة وحدود الدويلة المستفرسة.

فهل يتمكن الرئيس نجيب ميقاتي من مقارعة أفرقاء السلطة بخاصة “حزب الله” وتيار المردة المدافع أخيراً عن حرية التعبير وإقالة الوزير جورج قرداحي من الحكومة؟ أم سيضطر هو للاستقالة في محاولة منه لاستئصال الأزمات المتراكمة؟ وإذا كان قرداحي قد فقد فرصة عرض برنامجه “أنت بتستاهل” على قناة Mbc نتيجة ما زعمه من مؤامرة كونية ضده، فمَن سيسبق للقول أنت بتستاهل: مجلس الوزراء متمسكاً بقرداحي أم الشعب اللبناني متخلصاً من إحدى ودائع القرداحي؟

شارك المقال