هل تنال الحكومة ثقة الشعب والمجتمع الدولي؟

المحرر الاقتصادي

أما وقد نالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ثقة مجلس النواب، فإنها سوف تبدأ اعتباراً من اليوم بتنفيذ خريطة الطريق التي رسمتها في بيانها الوزاري على أمل ان تنجح في وقف النزيف المالي الحاد لتباشر معالجاتها الاقتصادية بعدها. فهل ستنجح في مهمتها الشاقة؟

ترى وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني أن تشكيل الحكومة يشكّل “خطوة أولى فقط” نحو إيقاف الانهيار الاقتصادي وإعادة هيكلة الدين ونقل البلاد نحو نموذج نموّ أكثر استدامة يركّز على الإنتاج المحلّي. وتحذر من سجلّ لبنان الضعيف في تطبيق الإصلاحات قد يعرّض جهود الحكومة في تغيير الوضع الإقتصادي للخطر. ولفتت الى أن وضع لبنان السيّئ تفاقم نتيجة استنزاف احتياطاته بالعملات الأجنبيّة مع اشتراط صندوق النقد الدولي تنفيذ إصلاحات عدّة قبل الإفراج عن أيّ مساعدات، بحيث تتضمّن تطوير أنظمة الحوكمة والبدء بالتدقيق في حسابات مصرف لبنان والمؤسّسات التابعة للدولة (وزير المال يوسف الخليل وقّع عقد التدقيق الجنائي مع شركة الاستشارات الدوليّة “ألفاريز أند مارسال” التي يفترض أن تقدّم تقريراً إلى الحكومة بعد 12 أسبوعاً من بداية أعمالها)، وتصحيح الماليّة العامّة عبر إعادة هيكلة الدين وإلغاء تعدّد أسعار الصرف وتطبيق قيود رسميّة على تحويل الرساميل. وقالت إنها قد تحسّن تصنيف لبنان في حال عولجت مشكلة استدامة الدين والعودة إلى النموّ الاقتصادي واستقرار الأسعار وتحقيق فوائض أوليّة متكرّرة.

وفي هذا السياق، أظهرت الوضعية نصف الشهرية لمصرف لبنان عن النصف الأول من أيلول الحالي أن مصرف لبنان سجل انخفاضاً في موجوداته الخارجيّة بقيمة مليار و641 مليون دولار لتصل الى 17.93 مليار دولار من 19.57 مليار دولار في نهاية آب الماضي. وبالتالي، فإنه عند تنقيص محفظة اليوروبوندز التي يحملها مصرف لبنان، والتي لا يزال يدوّنها بقيمة 5.03 مليارات دولار على رغم تناقص أسعار السندات في الأوراق المالية في الخارج، تصبح قيمة احتياطاته بالعملات الأجنبيّة 12.90 مليار دولار في منتصف الشهر التاسع من العام الحالي. وعزا مصرف لبنان التراجع في موجوداته الخارجيّة إلى الأوراق الماليّة بالعملات الأجنبيّة، التي قابلها انخفاض في مطلوباته بالعملات الأجنبيّة.

وعلى صعيد سنويّ، تراجعت قيمة الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان بنسبة 36.35 في المئة أو ما قيمته 10.24 مليارات دولار مقارنةً بالمستوى الذي كانت عليه في منتصف أيلول 2020، والبالغ حينها 28.17 مليار دولار. وهو الرقم الذي أشار اليه “بنك أوف أميركا” في تقرير أصدره بعد تشكيل الحكومة أعطى فيه فيه بعض التفاؤل المشوب بالكثير من الحذر عن نجاحها. فهو يرى أن تشكيل الحكومة سيؤمّن بعض الاستقرار الإقتصادي ويتيح الفرصة للبدء بمحادثات مع الدائنين الدوليين. إلّا أنّه يعتبر أنّ وجود عوامل كالسجل التاريخي الضعيف وقرب الإنتخابات النيابيّة والتأثير القوي للطبقة السياسيّة قد يطيح بفرص القيام بإصلاحات جوهريّة ما سيحدّ من أي ارتفاع ممكن في أسعار سندات لبنان السياديّة. ويشير إلى أنّ الوزراء يتمتعّون بدعم سياسي، معتبراً في هذا السياق بأنّ تعيين المدير التنفيذي السابق للعمليّات الماليّة في مصرف لبنان كوزير مال قد يساعد في توحيد وجهات النظر بين وزارة المال ومصرف لبنان حيال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. إلّا إنّه، وبحسب “بنك أوف أميركا” فإنّ إنهماك الحكومة بالتحضير للانتخابات النيابيّة المقبلة، قد يخفّف من فرصة إنجاز اتّفاق شامل مع صندوق النقد الدولي، إلاّ أنّ هذه الوتيرة قد تتسارع بعد هذه الإنتخابات. ولفت “بنك أوف أميركا” أخيراً إلى أنّ إقرار قانون “الكابيتال كونترول” والذي أُرسل إلى مجلس النواب في أواخر تمّوز قد يساهم في إطلاق عجلة الإصلاحات، مشيراً إلى أنّ عمليّة تحويل الودائع إلى الليرة اللبنانيّة قد تستغرق سنوات.

بحسب آخر الارقام المتوافرة، فإن ودائع المقيمين التي تشكل ما نسبته 58.38 في المئة من المطلوبات الاجمالية، واصلت تراجعها لتسجل 105.45 مليارات دولار في تموز 2021. وبلغت الودائع بالليرة مقوّمة بالدولار (وفق السعر الرسمي على أساس 1507.50) 23.31 مليار دولار بتراجع نسبته 4.56 في المئة عن نهاية العام 2020. كما تراجعت الودائع بالعملات بنسبة 4.28 في المئة لتسجل 82.13 مليار دولار. وفي ما يتعلق بالودائع لغير المقيمين التي تشكل 14.48 في المئة من المطلوبات الاجمالية، فسجّلت تراجعاً نسبته 4.37 في المئة منذ نهاية العام 2020 لتصل الى 26.15 مليار دولار. مع الاشارة هنا الى ان الودائع بالليرة لهؤلاء تراجعت بنسبة 8.9 في المئة لتصل مقومة الى الدولار الى حدود المليارين، فيما تراجعت هذه الودائع بالعملات بنسبة 3.9 في المئة لتسجل 24.1 مليار دولار. وتشير هذه الارقام الى استمرار ارتفاع الدولرة في الودائع لتصل الى مستويات تاريخية لحدود 80.40 في المئة في تموز من 80.27 في المئة، وهو ما يؤشر الى استمرار التحويل من الليرة الى الدولار.

كما ان ودائع لدى مصرف لبنان التي تشكل ما نسبته 98.53 في المئة من الاحتياطات الاجمالية، شهدت تراجعاً طفيفاً على أساس سنوي لتصل الى 108.30 مليارات دولار.

في المقابل، لوحظ أن المصارف لا تزال تبيع من محفظتها من سندات اليوروبوندز في الخارج لتلبية التعاميم التي يصدرها مصرف لبنان لجهة تعزيز رساميلها. اذ تراجعت هذه المحفظة بنسبة 13.55 في المئة على أساس سنوي لتصل الى 8.11 مليارات دولار في تموز 2021.

لا شك أن حكومة الرئيس ميقاتي تواجه تحديات حادة. وفي المعلومات أنها باشرت بالتواصل مع صندوق النقد الدولي للتوصل معه على اتفاق على برنامج يسمح للبنان بأن يقترض منه بما نسبته 245 في المئة من حصته في الصندوق. ويمكن للمبلغ المتوقع أن يحصل عليه لبنان، أن يكون بمثابة جسر يفتح له باب الدعم الخارجي المنشود بعد حصوله على بعض من الثقة التي فُقدت في زواريب المحاصصات والصفقات. مع إقرارنا بأن الطريق الى التعافي الاقتصادي ستكون صعبة ومؤلمة على اللبنانيين.

شارك المقال