ما الذي يبقي موسكو في سوريا؟

حسناء بو حرفوش

لقد أثبتت موسكو بنجاح دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد والذي مكّنته المساعدة الروسية والإيرانية من النجاة، وبالتوازي، دخلت روسيا بمهارة إلى قلب الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط ​​ووسعت مجال نفوذها. فما الذي حققته في سوريا وما الذي ينتظرها وهل يترجم نصرها بالضرورة بهزيمة أميركية؟ الإجابة في مقابلة بموقع “ذا ميديا لاين” (themedialine) مع خبراء من مركز كارنيغي موسكو ومعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية ومعهد “هربرت سي كيلمان”.

وفي المقال، “قبل أيام قليلة من إجراء انتخابات مجلس الدوما من 17 إلى 19 أيلول، قام الرئيس السوري الأسد بزيارة غير معلنة إلى موسكو والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين، الرجل الذي أنقذه منذ ست سنوات (…) فبعد أن عانى جيش الأسد من نكسات كبيرة (…) وافق مجلس الشيوخ من الجمعية الاتحادية لروسيا في 30 أيلول 2015، على طلب بوتين بنشر القوات الجوية الروسية في سوريا. وفي ذلك اليوم بالذات، بدأت الوحدات العسكرية الروسية المتمركزة بالفعل في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية هجوماً ضد أهداف المتمردين. وفي ذلك العام، توقع العديد من الخبراء أن التدخل الروسي في سوريا سينتهي تماماً كالتدخل السوفياتي في أفغانستان. ومع ذلك، يلعب بوتين أوراقه مباشرة في سوريا، بحسب ما يقول ألكسندر باونوف من مركز كارنيغي موسكو.

سوريا ليست أفغانستان

وبحسب باونوف، “إذا قارنا الحملة الروسية في سوريا بحملة الولايات المتحدة في أفغانستان، يتضح أولاً أن الأسد يسيطر بفضل الدعم الروسي على جزء كبير من الأراضي السورية (…) وقد أثبت الجيش السوري أنه أكثر موثوقية من القوات العسكرية الأفغانية (…) أضف إلى ذلك أن بوتين نشأ في الاتحاد السوفياتي وهو حريص على عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبها في أفغانستان. واعتمدت روسيا خلال ست سنوات من الحرب في سوريا، بشكل أساسي على سلاحها الجوي وتجنبت إرسال رجالها إلى ساحة المعركة. وبدلاً من ذلك، تولى عناصر شركة فاغنر (Wagner) العسكرية الخاصة، إضافة إلى القوات الأجنبية الأخرى، من مقاتلين لبنانيين وباكستانيين وأفغان، العمل القذر.

واستخدمت موسكو وجودها في سوريا لبناء قواتها الجوية والبحرية في المنطقة وتوسيع قاعدتها الحالية في طرطوس وإرساء قاعدة حديثة في حميميم (جنوب شرق مدينة اللاذقية). ووسعت نفوذها إلى لبنان وامتدت عضلاتها إلى البحر الأبيض المتوسط​، على مقربة من الشواطئ الأوروبية. وفي حين أن قضية المكاسب الاقتصادية تبقى موضع تساؤل، لا يغيب عن أحد أن حلفاء بوتين المقربين مثل الملياردير غينادي تيمشينكو فازوا بعقود مربحة في مجالات البناء والطاقة في سوريا. ووفقاً لماكسيم سوشكوف، من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (…) انتهت المرحلة الأولى من الحرب بالنسبة لروسيا منذ العام 2017، عندما أطلقت روسيا وتركيا وإيران اجتماع تنسيق أستانا، وبدأت روسيا المرحلة الثانية من حملتها في سوريا، والتي باتت اليوم “مدفوعة بالفرص” المتوافرة.

وسعت روسيا للاستفادة من إنجازاتها في سوريا واستثمار صورتها كسلطة قوية وحاسمة في المنطقة واستطاعت تعزيز مكانتها على الصعيد العالمي. وتمكنت من إصلاح علاقاتها المعيبة سابقًا مع دول أخرى في الشرق الأوسط، مثل دول الخليج العربي.

“إنها رمل ودماء وموت”

في نهاية 2019، وبعد إعلان النصر على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أعلن الرئيس الأميركي في حينها، دونالد ترامب أنه لن يرسل المزيد من القوات إلى سوريا (…) وقرر في النهاية الاحتفاظ بوحدة أميركية صغيرة لدعم قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق البلاد (…) لكن روسيا أظهرت بالمقابل أنها مستعدة لدفع ثمن أعلى مقابل تحقيق الإنجازات في بلاد الشام (…) فأثبتت دعمها للأسد وتقبل بعض الدول العربية لنظامه (…) كما يؤكد عوفر زالزبرغ، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد هربرت سي كيلمان للموقع نفسه. ومن بين هذه الدول الأردن التي تهتم بتصدير بضائعها عبر سوريا واستيراد البضائع السورية الرخيصة. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد تغير محور اهتمامها من الشرق الأوسط لتتجه إلى آسيا، كما أن تشريعاتها الخاصة مثل مشروع قانون قيصر قلصت نوعاً ما، من قدرتها على المناورة في سوريا.

ويعتقد باونوف أنه في حال نشرت الولايات المتحدة وحدة كبيرة في سوريا، مثلما فعلت في العراق سابقا، ستختلف الحرب السورية والتدخل الروسي بشكل تام. لكنه يعتبر أن هذا النوع من السيناريوات لم يطرح أو يرجح أبدا. وإذا قررت الولايات المتحدة المضي في تدخل كبير في سوريا وتكرار السيناريو العراقي، فمن المحتمل أن يتراجع بوتين. لكن في هذه الحالة ستكون العملية الأميركية مختلفة تمامًا وتشمل احتلال دمشق وإسقاط النظام (…) لن تكرر واشنطن الكارثة نفسها ولدى روسيا مجموعة واسعة من المصالح في سوريا، وأهمها المصلحة السياسية حيث وعدت بعدم التخلي عن الحلفاء، علاوة على المصلحة التجارية.

لذلك، في الوقت الذي يخفت فيه الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط، تتضاعف الشهية الروسية، مدفوعة بالعقوبات الأميركية والأوروبية والحاجة إلى زيادة نفوذ موسكو وإيجاد أسواق جديدة. لروسيا استراتيجية واضحة وحليف في سوريا، بينما لم تمتلك الولايات المتحدة هذه العناصر. ومع ذلك، ليس كل شيء بسيطاً ومبهجاً بالنسبة إلى روسيا في سوريا. يقول زالزبرغ: “على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تستطيع فرض قيمها على الدول الأخرى، بإمكانها منع تدفق الأموال الأميركية والأوروبية إلى هذه البلدان”. كما أن إعادة إعمار سوريا بعد الحرب هدف بعيد المنال بالنسبة للأسد ولروسيا (…) ولا يمكن لروسيا إعادة بناء سوريا من تلقاء نفسها ولا السماح بتدفق الاستثمار الأجنبي، من دون أن ننسى التوترات بين أنقرة وموسكو على خلفية الوضع في إدلب، مع تقويض جيش الأسد والإيرانيين للاتفاق الذي ترعاه روسيا في درعا. وأخيراً، وبعد ست سنوات من بداية تدخل موسكو المباشر، لا تزال تحتفل بانتصاراتها العسكرية في سوريا. ولكن، لا بد من التريث لرؤية قدرتها على تحويل هذا الانتصار في المستقبل، إلى نجاح سياسي واقتصادي”.

شارك المقال