اللجوء السوري في لبنان بين العنصرية والإيجابية!

راما الجراح

منذ بداية الأزمة إلى اليوم، تعرض السوريون في لبنان إلى الكثير من المواقف الرافضة لوجودهم، وطالب كثيرون بعودتهم إلى بلادهم غير الآمنة، وأصبح خطاب الكراهية يطالهم عند كل حدث، حتى أنتجت هذه العنصرية أفعالاً عنفية داخل المجتمع. “كل ما دق الكوز بالجرّة”، يخرج رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى الاعلام ليشن حملات تحريضية على اللاجئين حتى أصبحنا نرى منشورات وإطلالات على شاشات التلفزة لناشطين مؤثرين في المجتمع يبدون امتعاضهم من الوجود السوري في لبنان لانعكاساته السلبية على المواطن اللبناني واقتصاد البلاد.

وقد سمعنا منذ يومين في جلسة مجلس النواب لمنح الحكومة الثقة الافتراءات التي تفضّل بها جبران باسيل وجميل السيد تجاه السوريين، معتبرين أنهم يتقاضون مساعدات شهرية بأرقام خيالية ويجب العمل على إعادتهم إلى بلادهم. لكن فاتهم أن هذا الكلام لم يعد ينفع لإقناع الناس أن الأموال ذهبت إلى تأمين حاجات اللاجئ السوري، وأن محاولاتهم جعل هذه القضية “شمّاعة” كلما أرادوا الهروب من قضايا فسادهم أصبحت فاشلة.

هل فعلاً وجود اللاجئين السوريين ينعكس سلباً على لبنان واللبنانيين بشكل عام؟ وما هي المساعدات التي تطالهم فعلياً على أرض الواقع؟ وهل أصبح وضعهم المعيشي أفضل من اللبناني في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد كما يشاع؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وإيضاح بعض النقاط تواصل “لبنان الكبير” مع الصحافي السوري أحمد القصير ومسؤولين في جمعيتين مختلفتين تُعنى بمساعدة اللاجئين.

ويوضح الصحافي في تلفزيون سوريا أحمد القصير أن “المساعدات التي كانت تُقدّم للسوريين قبل ثورة تشرين 2019 في لبنان كانت متوسطة إلى جيدة ومتنوعة في الوقت عينه، أما بعد هذا التاريخ فقد أصبحت تتركز أغلبها على مادة المازوت في الوقت الذي كان اللاجئ السوري بحاجة أيضاً للمواد الغذائية، وأشدد على نقطة أن هذه المساعدات لا تشمل جميع السوريين فقط الأكثر حاجة وبطاقة المساعدة هي 27 دولارا أي نحو 50 ألفاً قبل الأزمة، أما بعد الأزمة فحددت البنوك اللبنانية البطاقة بـ100 ألف فقط لا غير حتى تم رفعها الشهر الماضي إلى 300 الف وجميعنا يعلم أنها غير كافية أبداً في هذا الوضع الذي تعيشه البلاد”.

ويشير إلى أن “مصاريف اللاجئ السوري ليست قليلة أبدا وهو كشقيقه اللبناني، يدفع أجرة الخيمة (منزله)، نظافة للبلدية، اشتراك كهرباء، إنترنت وغيرها من المصاريف، إضافة إلى الضرر الذي يلحق بهذه المخيمات بفعل تغيرات المناخ، إلى تغيير أسعار الإيجارات بسبب أزمة الدولار، مؤكداً أن السوري لم يتقاضَ أمواله فريش دولار نهائياً ولا حتى قبل ثورة تشرين، وهذا قرار المصرف المركزي في لبنان منذ الأساس”.

من الناحية العنصرية، يقول: “لبنان بلد مضياف، لكن خطاب الكراهية والعنصرية تجاه اللاجئ السوري أدّى لعدة جرائم والعديد من المشاكل، والأرقام التي يُحكى عنها من السياسيين في لبنان مبالغ فيها بشكل كبير من جهة أن السوري يُكبّد الدولة اللبنانية تكاليف زائدة أو يؤثر سلباً في اقتصاده، وهناك دراسة إحصائية لمفوضية شؤون اللاجئين تؤكد أن السوريين المسجلين تراوح أعدادهم ما بين 800 ألف ومليون لاجئ فقط، لكن خطاب العنصرية اعتدنا عليه من حلفاء النظام السوري في لبنان من فوق الطاولة وتحتها، ولا شك أنه لو كانت عودتنا آمنة ومضمونة لعُدنا إلى بلدنا الأم من دون تردد”.

ويشرح المسؤول في جمعية “نبض” التي تقدم عدة مساعدات للاجئين السوريين حسين المجذوب أن “جمعيتنا تقدم عدة خدمات أهمها تعليمية من طريق دورات تُقام للتلامذة ما بين 10 و14 سنة، ونفسية من خلال تقديم الدعم النفسي للأطفال والأهالي، وخدمات المياه والنظافة العامة والصرف الصحي عبر جمعية “Wash”، إضافة إلى مساعدات عينية كمواد غذائية بشكل عام”.

أما بالنسبة إلى تأثير وجودهم في لبنان، يقول: “لا يمكن غض النظر أن هناك العديد من البرامج التي تشمل السوري واللبناني معاً ولو بنسب متفاوتة إلا برنامج التعليم فهو خاص بالنازحين السوريين تحديداً، لكن في المقابل المعلمون هم لبنانيون، بمعنى اللبناني ليس مظلوماً وعلى العكس المستفيد الأكبر من كل المشاريع والبرامج التي تطلقها الجمعيات أو المنظمات الدولية”.

ويعتبر المجذوب أن “مصائب قومٍ عند قوم فوائد، إذ خلق النزوح السوري إلى لبنان فرص عمل جديدة للشباب بالإضافة إلى أنه أدخل دولارات الى السوق والمشاريع التي تُطلقها الجمعيات جميعها ساعدت اللبنانيين والاقتصاد اللبناني ولولا الوجود السوري لكان الوضع أصعب مما هو عليه اليوم بكثير، وبعد إنفجار بيروت أصبح هناك مساعدات تستهدف اللبنانيين بشكل مُحدد، ومن هنا علينا أن لا ننظر بعين واحدة!”.

ويؤكد أحد الموظفين في منظمة “Intersos” لـ”لبنان الكبير” أنه “في لبنان هناك نحو 200 ألف عائلة سورية يستفيد منهم نحو 25% من المساعدات التي تُقدمها الجمعيات والمنظمات، وهي قسمان، مساعدات غذائية فقط، و400 ألف ليرة مع مساعدات غذائية، وهذه لا تُقدّم إلا لعدد محدود منهم، ومن الطبيعي أن يؤمن لهم تغطية صحية للحالات الطارئة والمستعصية لكنها ليست مجانية كما يعتقد أغلب اللبنانيين، بل هي شبيهة بالضمان الاجتماعي أو التأمين وعليهم دفع الفروقات”.

ويرى أن “هناك نفورا كبيرا داخل المجتمع اللبناني تجاه السوريين بسبب الصورة المغلوطة في أذهان الناس عن قيمة المساعدات التي يتلقاها النازح السوري، مؤكداً أن لديه معلومات شبه مؤكدة عن وصول مساعدات إلى اللبنانيين في المدى القريب من منظمات دولية، وعلى الرغم من أنها ليست دليل خير للبناني، لكنها مجرد بحصة لتسند الجرّة!”.

إذاً، لا أرقام خيالية يتقاضاها اللاجئ السوري ولا مَن يحزنون، ويجب علينا جميعاً التحقق من جميع الأخبار قبل إصدارنا الأحكام الظالمة بناء على مضمونها، وأن نتّبع الآية الكريمة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”.

شارك المقال