هل يخسر ماكرون أمام الماكرين؟

حسناء بو حرفوش

أزمات بالجملة تواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون داخل بلاده وخارجها، بحسب ما يظهر جلياً عبر وسائل الإعلام التي تحتلّ الأخبار المتعلقة به الصدارة فيها. ففي الداخل الفرنسي، يتّهمه معارضوه “بالمكر” ربطاً بوزير العدل المقرب منه، والمتّهم بقضية “تضارب مصالح”، ومن ثم هناك اعتذاره من الحركيين الجزائريين، ومسألة زيادة الضرائب والانتقادات لطريقة تعاطيه مع “خيانة” الأنجلو-ساكسون. والأهم بالنسبة إلى شريحة من الفرنسيين، اتهامات ماكرون “بعدم الجدية وتمتّعه بنشوة إنفاق المال العام”، بحسب ما ورد مثلاً في مقال بموقع صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية. أما في الخارج، فيصارع ماكرون أزمة ديبلوماسية بعد “مكر” الأميركيين والحلفاء على خلفية صفقة الغواصات الأسترالية، على الرغم من بعض الحلحلة بعد اتصاله بالرئيس الأميركي جو بايدن الأربعاء.

عصي الفهم

في الأصل، لم يحظَ ماكرون دوماً بالدعم الكامل في الداخل الفرنسي، فهو يعاني على سبيل المثال منذ العام 2019 من التعبير المناهض بصراحة لسياسة فرنسا في ما يتعلق بالقضايا المرتبطة بالتغير المناخي. وهذا ما دفع بمجموعة من الشبان لانتزاع صوره من داخل مراكز رسمية. أما اليوم، فتعود إلى الواجهة مسألة تواصله مع شعبه بمفردات قديمة خرجت من التداول منذ زمن ويعصى على الجميع فهمها. وعاد ماكرون لجذب انتباه متصفّحي الانترنت بلغة “بقدر ما هي غنية، بقدر ما تعيدنا إلى زمن بعيد”، كما يقول أحد الإعلاميين الفرنسيين وهو باسكال برود، على سبيل الطرفة. وهذا يتطلب من الفرنسيين تعلّمها أولاً لفهمها”. ومن العبارات التي تداولها المغردون المنتقدون ” “Croquignolesque”, “Poudre de perlimpinpin”, “Galimatias” (والتي يقصد بها ماكرون، الاحتيال والشيء المضحك حد السخافة والهراء).

همس واتهامات

بعد تلقي ماكرون الصفعة الشهيرة على خلفية رفض البعض لـ”الجواز الصحي”، تلقى في الداخل صفعة جديدة من معارضيه حيث “ينتشر همس حول معرفته بصفقة الغواصات منذ شهر حزيران الماضي واتهامات ببقائه صامتاً بانتظار استغلال هذا الموضوع في حملته الانتخابية. الكاتب إريك زمور، أحد الساخرين الأكثر اعتراضاً على سياسات ماكرون، والذي يُعرف بطموحاته الانتخابية، تحدّى عبر صفحاته الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي رئيس الجمهورية بالتخلّي عن مشاركة فرنسا في القمة الرباعية اعتراضاً على صفقة الغواصات الاسترالية”.

واتهم زيمور، بحسب ما نقل موقع (l’independant) الفرنسي، “الدولة الفرنسية بالعجز عن توقع التهديدات ومكافحتها (…). كان على أجهزة المخابرات الخاصة بنا توقع ذلك وتنبيه الحكومة. ينتشر همس بأنّ ماكرون كان على علم بالصفقة منذ حزيران الماضي، وأنه انتظر اللحظة الأكثر ملاءمة للإعلان عن هذه الكارثة، وعن هذا الازدراء الذي تعامل به الحلفاء الأنجلو ساكسون معنا”.

صمت وملامة

وعلى الرغم من الحلحلة التي سجّلت بعد الاتصال بين بايدن وماكرون وموافقة هذا الأخير على عودة السفير الفرنسي إلى الولايات المتحدة الأميركية، سلّطت وسائل إعلامية الضوء على استعداد فرنسا لمواجهة سيناريوات مشابهة لتحالف “أوكوس”. ولا تبدو الأمور أفضل بكثير لماكرون أمام المسؤولين العالميين في ظل نعت تصرفاته “بالطفولية”، وسخرية رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في حديثه المبطن في واشنطن حول تداعيات صفقة “أوكوس”، حيث دعا “بعض الأصدقاء الأعزاء في جميع أنحاء العالم إلى تمالك أنفسهم ومنحي استراحة”.

في ما يتعلّق بماكرون شخصياً، أشار موقع “النيويورك تايمس” الأميركي نقلاً عن مسؤولين أميركيين، إلى “اختيار الرئيس ماكرون بشكل غير معهود التزام الصمت، مفوضًا التعبير عن غضبه العام الشديد لوزير الخارجية الهادئ، جان إيف لو دريان (…)، فالقضية أكبر بكثير من مجرد صفقة تجارية ملغاة، وكبرياء وغرور مدمر. لقد كشفت هذه القنبلة الديبلوماسية بشكل فظّ عن القواعد غير المكتوبة لمنافسة القوى العظمى (…) وتمحور الأسبوع الماضي حول الجغرافيا السياسية للقرن الحادي والعشرين والتكيّف الوحشي للتحالفات القديمة مع الحقائق الجديدة”.

وحسب المقال، “تعتبر فرنسا نفسها (قوة مقيمة) في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تشكل ساحة معركة حاسمة للتنافس بين أميركا والصين، لأنها تمتلك جزراً عدة، وتحتفظ بأربع قواعد بحرية هناك. وقد طوّرت استراتيجيتها الخاصة للمنطقة في العام 2018 وكانت تدفع منذ ذلك الحين بالاتحاد الأوروبي للتوصل إلى مشروع مماثل. ومن المفارقات، أنّ استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ قدّمت في اليوم نفسه الذي تزامن مع الإعلان عن “أوكوس”، مما أفقد الإعلان الفرنسي بريقه (…). ومن أجل إعادة بناء استراتيجيتها الإقليمية، تتّجه فرنسا الآن إلى الهند، التي تتعاون معها بالفعل عن كثب (…). ولا يشك الفرنسيون في أنّ إدارة بايدن تتعمّد المناورة لتقسيم أوروبا – الحيلة القديمة للرئيس السابق دونالد ترامب – لكنهم يلومون الإدارة الجديدة لسوء تقدير تأثير سياستها القاسية”.

ماكرون يخسر أمام ميركل

أخيراً، وفي سياق متصل، يواجه ماكرون استحقاقاً قريباً في ألمانيا. فبعد الانتخابات الألمانية المقبلة، من المتوقّع انتهاء عهد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وبالتالي، اعتبارًا من كانون الثاني 2022 ولمدّة ستة أشهر، من المفترض أن تتولّى فرنسا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، مما يدفع الرئيس الفرنسي ماكرون إلى مقعد القيادة، وفقاً لما نقل موقع (brusselsreport) الأوروبي. لكن “ماكرون ليس على وشك أن يحلّ محل ميركل على رأس الاتحاد، بحسب استطلاع حديث أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR) ، يعتبر أنّ ماكرون لن يستطيع الارتقاء لمكانة أنجيلا ميركل وألمانيا على المستوى الأوروبي. ويخلص الاستطلاع إلى أنّ ميركل أكثر شعبية من ماكرون، حتى داخل فرنسا نفسها.

ويغطّي الاستطلاع 12 دولة من دول الاتحاد الأوروبي (النمسا وبلغاريا والدانمارك وفرنسا وألمانيا والمجر وإيطاليا وهولندا وبولندا والبرتغال وإسبانيا والسويد). ولدى سؤال المشاركين عن تفضيلهم التصويت لأنجيلا ميركل بدلاً من إيمانويل ماكرون كرئيس للاتحاد الأوروبي، عبّرت النسبة الأكبر عن تفضيل ميركل في جميع البلدان التي شملها الاستطلاع”.

ويشير المقال إلى فوز ميركل على ماكرون حتى في فرنسا بنسبة 32% مقابل 20%. ومن المفارقات أنّ الدولة التي يحظى فيها الرئيس الفرنسي بأكبر قدر من التأييد، بنسبة 24%، هي المجر، ولكن هناك أيضًا، عبر 44% من الذين شملهم الاستطلاع أنهم سيصوّتون لميركل (…) وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه عندما وجّه ماكرون “رسالته إلى الأوروبيين” في العام 2019، تعرّض لانتقادات من معظم القادة الأوروبيين”.

المصادر:

  1. lindependant
  2. leprogres
  3. liberation
  4. programme-television
  5. nytimes
  6. brusselsreport
شارك المقال