مفاجأة ميقاتي في “مغارة باسيل”

علي نون
علي نون

ستكون مفاجأة في وقتها إذا نجحت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في الولوج بنجاح الى مغارة جبران باسيل وتياره، المعروفة باسمها الحركي التمويهي بـ”وزارة الطاقة”.

وستكون مفاجأة أخرى إذا تمكن ميقاتي من إلزام باسيل باحترام تعهداته المسبقة (أي السابقة على إعلان تشكيل الحكومة) في شأن ملف الطاقة العزيز هذا، والضرورة الحاسمة للأخذ بشروط الجهات الدولية المانحة للمساعدة في وضع حل جذري لمعضلة الكهرباء الخطيرة، ومن ذلك تشكيل الهيئة الناظمة وتغيير إدارة شركة الكهرباء والأخذ (الإجباري) بشروط تلك الجهات في عملية تمويل إعادة إعمار هذا القطاع.

والتوضيح واجب الوجوب: ليست المفاجأة، إذا حصلت، متأتية من عنديات وذاتيات مسيو باسيل بل من تمكن آليات الضغط الخارجي من فرض إرادة المانحين وشروطهم بطريقة عملية للمرة الأولى ربما في لبنان. أي بلغة أخرى، وضع حد لواحدة من غرائب الفساد الباسيلي – العوني المتأتية عن وضع شروط خاصة جداً على من يرغب ويريد مساعدة لبنان في تدبير أمور الكهرباء بدلاً من العكس! وذلك ما حصل فعلاً وقولاً في العقد الماضي مع الصندوق الكويتي للتنمية تحديداً، ومع صندوق النقد الدولي إبان حكومة نجيب ميقاتي التي خلفت حكومة الرئيس سعد الحريري بعد فرطها في الرابية لحظة دخول رئيسها الى البيت الابيض في واشنطن، ومع العروض التي حملتها شركة “سيمينز” عندما جاءت مع المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل الى بيروت في العام ، وغير ذلك من تفاصيل يعرفها جلّ الطقم السياسي اللبناني، وهي في زبدتها الخالصة دلّت على وقاحة لا مثيل لها في النصب والفساد وأكل أموال الدولة بالحرام… بل واخذ الموازنة العامة برمتها والبلد بجملته الى الإفلاس الماثل امام جميع خلق الله في لبنان وخارجه.

حكى بعض العارفين (وزراء ونواب وموظفون سابقون) أشياء عن ذلك مرات عدة، لكن لم يحصل أن أفصحت الجهات الخارجية، التي قاربت هذ الملف، عن تجربتها علناً، بل اكتفت بسرد مدونة سلوك الجماعة الباسيلية- العونية أمام معنيين في لبنان والخارج، داخل الغرف المقفلة وبعيداً من الإعلام وفي سياق يشبه سرد سير المهازل المبكية في التاريخ الحديث… ومصطلح الوقاحة في الفساد الذي يقارب النهب حرفياً، لا يكفي للدلالة على ذلك المسار.

واحدة من الجهات (العربية) التي جاءت قبل عشر سنوات تقريباً بعرض كريم جداً لإنهاء ازمة الكهرباء مرة واحدة ونهائية وبشروط لا مثيل لرحابتها وسهولتها، خرجت بصدمة العمر عندما استمعت الى “شروط” باسيل وربعه لقبول العرض السخي والتاريخي! وذهبت إلى الشكوى أمام مراجع عليا في لبنان من عبثية وعدمية وأنانية “وفسادية” تلك المنظومة المتحكمة بقطاع الكهرباء والطاقة عموماً! ولكن، وتبعاً لواقع الحال واستحالة المس بالتوازنات” الميثاقية”، لم تصل بشكواها الى مكان مقبول ومطمئن فآثرت الانسحاب وترك الأمر للبنانيين، وانتظار الظروف المناسبة لمعاودة طرح المبادرة الكريمة، وبالشروط الرحبة والسهلة ذاتها.

كثيرون اليوم يربطون بين العقوبات الأميركية التي طالت مسيو باسيل وتلك التفاصيل الفسادية الاستثنائية، أكانت هذه متصلة بقطاع الطاقة او بغيره، ويشيرون بالتالي الى استحالة رفعها أو تعليقها لاسباب سياسية، وهذا ما يعرفه المعاقَب، ويعرف اكثر منه! ولذلك تمترس بشراسة خلف مواقفه و”قرر” ان لا يسقط وحده! بل ان يحاول اخذ البلد بجملته معه، وكاد ان ينجح في ذلك.

حكومة ميقاتي جاءت من خارج السياق الانتحاري الباسيلي هذا، وغصباً عنه وليس برضاه، ونتيجة جملة معطيات إقليمية ودولية معطوفة على وصول المأزق اللبناني الى مستويات مخيفة (للجميع). ومن تلك النافذة أمكن الدخول إلى مغارة الطاقة والكهرباء والى “إقناع” مسيو باسيل بقبول شروط المانحين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وبهذا يمكن الزعم بأن العوامل الاساسية التي أنضجت ظروف التشكيل الحكومي، حملت معها وفي صميمها، ما يشبه الأحكام المبرمة المطلوب الالتزام بها لبنانياً من دون تملص او تذاك أو خزعبلات مألوفة لبنانياً، وفي مجمل قطاعات العمل والانتاج وفي مقدمها قطاع الطاقة.

وقد يفضي ذلك الى شيء من الوصاية الدولية مالياً واقتصاديًا وتنموياً، اي ان العهد الباسيلي العوني اوصل لبنان الى كارثة سيادية مزدوجة: واحدة من خلال تغطية ما فعله ويفعله حزب ايران عندنا نيابة عنها ولمصلحتها وقبول تسييل سلاحه وماله في كل شؤون الدولة ومؤسساتها، وثانية من خلال إيصال الدولة وناسها وقطاعيها العام والخاص الى الإفلاس الفعلي بما يجعل وصاية الجهات المانحة حتمية وإجبارية.

شارك المقال