في وقتٍ ترزح فيه العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين تحت نير الشكوك والعداء المتبادل، ترتفع الدعوات للتركيز على الحرب العالمية الأكثر أهمية، وتوجيه السهام باتجاه “العدو المناسب” والذي لا يقتصر تهديده على البلدين فحسب، بل على العالم بأسره. ويتمثل هذا التحدي “الوجودي”، بحسب ما كتب باحثان من معهد آسيا غلوبال ومعهد السياسة والتطبيق بالجامعة الصينية في هونغ كونغ، بـ”الاحتباس الحراري الذي يتطلب من الجميع التعاون. فإما أن يفوز الجميع وإما أن يخسر كل العالم هذه المعركة”!
وبحسب المقال، “تبدي كل من الولايات المتحدة والصين استعداداً للتعاون بشأن تغير المناخ من الناحية الفنية. لكن الصين تبحث عن سياق أوسع للمشاركة البناءة. وعلى النقيض منها، تتمسك الولايات المتحدة بنوع من “التعاون المناخي الانتقائي”، من أجل الاحتفاظ بسياسة الاحتواء والمنافسة في كل المجالات الأخرى تقريبًا. وقد ترجمت هذه العقلية الأسبوع الماضي، مع الإعلان عن تحالف “أوكوس”، والذي اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه يهدف على المدى الطويل “لضمان السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”. بيد أن الصين لا ترى هذا الاتفاق بالطريقة نفسها، وتعتبر أنه “يضر بشكل خطير بالسلام والاستقرار الإقليميين ويزيد من حدة سباق التسلح ويقوض معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية.
أما نهج الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لاتباع نموذج بناء أكثر بكثير للمشاركة الغربية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فيعكس الاعتراف بالمصالح الاقتصادية المشتركة، حيث تمثل التبادلات بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ أكثر من 70% من التجارة العالمية في السلع والخدمات، وأكثر من 60% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (…) وعلى عكس الولايات المتحدة، يدرك الاتحاد الأوروبي أن العمل المناخي والازدهار الاقتصادي أكثر أهمية من إثارة الحروب، حيث تتعهد أوروبا بالعمل “كشريك موثوق به” لدول المحيطين الهندي والهادئ، مما يقدم “قيمة مضافة” لعلاقاتها الطويلة الأمد في المنطقة، مع الإشارة إلى أن اتفاقية “أوكوس” ذكرت مؤخراً بأن بعض الشركاء ليسوا “أهلاً للثقة”.
ومع ذلك، من المؤسف أن النهج الإيجابي للاتحاد الأوروبي تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ لن يضمن بشكل كبير تطبيق الالتزامات الطموحة اللازمة لتجنب الاحتباس الكوكبي الكارثي. وقد نقلت مؤسسة “تشاتام هاوس” مؤخراً في تقرير “أنه إن لم تخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي قبل العام 2030، سيعاني نحو 3.9 مليارات شخص من موجات حرارة كبيرة بمعدل 12 مرة أكثر من المتوسط التاريخي بحلول العام 2040. علاوة على ذلك، من المحتمل أن يتعرض نحو 400 مليون عامل سنويًا لموجات حرارية. وستتجاوز درجات حرارة عتبة الأمان كما سيرتفع متوسط نسبة الأراضي الزراعية المتضررة من الجفاف الشديد إلى 32% سنويًا، أي ما يتخطى ثلاثة أضعاف المتوسط المسجل تاريخياً، ومن شأن ذلك أن يقوض الأمن الغذائي العالمي بشكل كبير.
خطوة الألف ميل تبدأ بخفض الانبعاثات
ولا يشكل خفض الانبعاثات سوى البداية. إذ يجب علينا أيضًا متابعة تدابير أخرى، مثل حماية النظم البيئية واستعادتها والاستثمار في التكيف حتى تتمكن البلدان من مواجهة التحديات التي لا يمكن تجنبها الآن، بما في ذلك الكوارث الطبيعية وندرة الموارد والهجرة البشرية إضافة إلى تبعات جائحة كورونا. لذلك، وإلى جانب الحد من الانبعاثات الشديدة، ستتطلب مكافحة تغير المناخ استراتيجيات شاملة تشمل الوقاية والتأهب والتعاون والتنسيق على نطاق غير مسبوق.
وتنتهج الصين نهجًا منهجياً تكيفياً، حيث توفر الحكومة المركزية استراتيجية وموارد وحوافز شاملة، وتدير الكيانات المحلية تصميم السياسات وتنفيذها (…) ولكن بينما من الواضح أن تغير المناخ يمثل تحدياً عالمياً، لا شك بأنه سيؤثر على كل منطقة بشكل مختلف، وبالتالي فإن الحلول التي قد تنفع في بلد ما قد لا تناسب الجميع”.
وبحسب المقال، لا يجدر بالقوى العظمى الانخراط “بسباقات التسلح غير المجدية والتي لن تؤدي إلا إلى زيادة استهلاك الموارد وبالتالي، التسبب بالمزيد من الضرر البيئي وتحويل التمويل الذي كان من الممكن تخصيصه للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه وإعاقة التعاون العالمي وتقويض رفاهية الإنسان. ولذلك تحاول الصين ترجمة سعيها إلى أهداف واسعة النطاق وخصوصا تلك التي لا يصطدم تحقيقها بحائط المستحيل، كما يسجل السعي لتحقيق هذه الأهداف على المستويات الوطنية والإقليمية والبلدية. وقد يتخطى ذلك ليشمل أيضاً الأعمال التجارية والمجتمع المدني وحتى الشركاء الأجانب”. ويختم الباحثان: “إن تغير المناخ يتسبب بالفعل بخسائر بشرية، فإما أن يفوز الجميع في المعركة ضد هذا التحدي، وإما أن تطال الخسارة كل الأطراف. أخيراً، لا بد للقوى العظمى في العالم من أن تعد العدة لشن الحرب، ولكن لا بد من التأكد من أن سلاحها سيبقى موجهاً ضد العدو المناسب”.