“ذا غارديان”: سوريا تُباع والأسد يستكبر ويطغى

لبنان الكبير

نشر موقع صحيفة “ذا غارديان” (The Guardian) البريطانية تحليلا يفترض أن الرئيس السوري بشار الأسد قد “بيع للغرب بصفته مفتاحا للسلام في منطقة الشرق الأوسط”، مشيرا إلى أن التموضعات الجديدة حولت سوريا إلى نقطة محورية في خطط استعادة الاستقرار بعد الربيع العربي عوضا من بقائها بؤرة تهدد بزوال الشرق الأوسط.

ووفقا المقال، “خلال نحو عقد من الزمن، كافح الأسد من أجل ترتيب لقاء في الخارج أو حتى تأكيد نفسه أمام زواره. كما ترأس بمفرده إلى حد كبير في قصره، باستثناء بعض المساعدين الموثوق بهم، دولة مفككة طالب أصدقاؤها القلائل بثمن مهين لقاء تقديمهم الحماية (…) وتبرز الإهانة لموقع الاسد من خلال الممارسات الروسية والإيرانية. فعلى سبيل المثال، رتّبت اللقاءات بين الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال رحلات هذا الأخير المنتظمة إلى سوريا، في القواعد الروسية، مما اضطر الأسد للحاق ببوتين حتى داخل بلاده. أما من الجانب الإيراني، فقد فرضت طهران إرادتها بسهولة، وغالبًا ما أملت شروطها العسكرية، بالإضافة إلى قرارات هُمِّش فيها الزعيم السوري على الرغم من أنها شكلت مسار بلاده.

ارتفاع الطلب على الأسد

لكن مع همود أصوات الحرب والتمرد وعودة سوريا للتعافي بعد عشر سنوات من الإرهاق، برزت ديناميكية غير محتملة: ارتفاع الطلب على الأسد الذي كان منبوذا في يوم من الأيام. إذ ينظر معارضو الأسد في سوريا على نحو متزايد إلى دمشق على أنها مفتاح لإعادة جمع المنطقة الممزقة (…) وبدلاً من أن تشكّل سوريا بؤرة زوال الشرق الأوسط، أصبحت نقطة محورية في خطط استعادة الاستقرار بعد الربيع العربي (…) وفي هذا السياق، أرسلت الإمارات والسعودية مسؤولين إلى العاصمة السورية وقدمت مصر وقطر مبادرات وناشد الأردن الولايات المتحدة المساعدة في إعادة اندماج سوريا.

وفي وقت سابق من هذا الشهر (…) وفي محاولة لحل أزمة الطاقة في لبنان، أعلنت السفارة الأميركية في بيروت عن خطة لإرسال الغاز الطبيعي المصري عبر الأردن وسوريا. وقد أعطى الاقتراح الأسد مصلحة مباشرة بإيجاد حل للبنان، علما أن كثراً في العاصمة اللبنانية يعتبرون أن هذا التحول في الأحداث سيجر البلاد مرة أخرى إلى الوصاية السورية (…) ووافق الأسد سريعًا وبشكل غير معهود على الصفقة، والتي من شأنها أن تسمح لسوريا بالحصول على جزء من الغاز المصري لاحتياجاتها الخاصة، مثلما فعلت عند تفريغ ناقلة الوقود الإيراني المتوجهة إلى لبنان والتي يفترض أنها رست منتصف أيلول في ميناء بانياس بسوريا (…) مما سيضطر بعض اللبنانيين للعودة للتسول من الأسد، حسب الباحثة ميرنا خليفة. وأثناء زيارته لواشنطن في آب، حثّ ملك الأردن أعضاء الكونغرس على ضرورة إعادة إشراك الأسد. وبدا أن الخطة تهدف لاستعادة دور الأردن كوسيط في ظل إدارة بايدن وتخفيف العبء المالي عن أعداد هائلة من السوريين، ومنهم لاجئون كثر على الأراضي الأردنية.

موقف المعارضة

في قراءة للموقف من وجهة نظر المعارضة السورية، يبدو أن “النظام يسعى جاهدا لرفع العقوبات الأميركية والأوروبية وإعادة العلاقات الديبلوماسية مع الدول العربية والغرب. ويقول الباحث والناشط مالك العبدة المقرب من المعارضة أن السعودية ربما تمنحه هذا المنال مقابل تغيير سلوكي محدد (…) ومن المرجح أن يستغل الأسد القنوات الممدودة إليه لتقويض أي نفوذ لدى الغرب أو لدى الدول العربية.”

وحسب تحليل الكاتب مارتن شولوف، “ساعدت ديناميكية أخرى على إغراء الأسد للعودة إلى الواجهة (…) ويقول مساعد مؤثر لزعيم إقليمي أن الأسد يشعر بالقوة نتيجة الاهتمام الجديد مثل الزيارات السعودية ورغبة الإماراتيين والآن الأميركين والأردنيين بالتعامل معه. لذلك، كان يصر على أنه لن يتنازل عن سوريا على الإطلاق، وأن على جميع الأميركيين مغادرة دير الزور. ولم يكتفِ بذلك بل وصل به الحال حد المطالبة بأن يكون له رأي في المكان الذي ينسحبون إليه”.

وفي مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، حيث يهيمن أكراد البلاد على الشؤون المحلية، لم تمر عودة الأسد بصمت، إذ يُنظر إليه على أنه منتصر في حرب استنزاف أكثر من كونه استراتيجيا؛ ويربط بقاؤه بدور سوريا التاريخي في المنطقة وبطريقة بناء والده للدولة الحديثة. يقول أحد خبراء الاتصالات آكو عبد الله أن “حافظ الأسد حرص على التأكد من أن سقوط أي ذراع من نظامه، سيحدث زلزالا في مكان آخر. وهذا ما حدث. وأصبحت العواقب كبيرة للغاية بالنسبة للجميع وفقد الناس صبرهم”.

وأكد سوري آخر في القامشلي، وهو تاجر مناهض للأسد أن العالم بدأ ينسى معاناة سوريا خلال عقد من الدمار، وقال: “لقد انسحبوا من أفغانستان، والآن هذا دورنا. سيعود الى الأمم المتحدة وسترفع العقوبات وسيحكم لبنان من جديد. يجب أن نتعلم من التاريخ.

وفي هذا السياق، حذر توبي كادمان، وهو محام بريطاني يعمل في محاكمات جرائم الحرب ويركز على سوريا، من إعادة التواصل العربي مع الأسد، مشددا على ضرورة التعامل مع هذا التقارب بقدر كبير من القلق”.

ويختم المقال: “لا سلام أو استقرار أو مصالحة بغياب العدالة والمساءلة. لقد خذلنا الشعب السوري على مدى العقد الماضي. دعونا لا نتغاضى عن الثغر في عدم الاستقرار والظلم بفعل أخير من التخلي”.

شارك المقال