هل يخسر الإسرائيليون “قبّتهم” الأميركية؟

حسناء بو حرفوش

بعد الجلبة التي أثارها تمويل القبة الحديد في البرلمان الأميركي، هل تشهد إسرائيل تصدّعاً تدريجياً لـ”القبة” الأميركية التي تقيها بعد تراجع البيت الأبيض عن تمويله المستدام من داخل الميزانية الأميركية؟ سؤال نجد إجابته في مقال نشر بموقع “ميدل إيست أي” (middleeasteye) الإلكتروني ومقره في لندن. ووفقاً للمقال، “يشير التصويت على إلغاء تمويل ما يعرف بنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي بشكل هام إلى أن مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل لم تعد خطاً أحمر بالنسبة للديمقراطيين الأميركيين”.

وتشكل القبة الحديد واحدة من أشهر الأنظمة العسكرية في إسرائيل، والغاية منها بحسب ما يفترض، تأمين نظام اعتراض للصواريخ التي تطلق من غزة. وتشير تسميتها بالقبة إلى رغبة مصنعي الأسلحة الإسرائيليين بتوسيع مفهوم الأرض المحصنة وصولاً إلى السماء. وقد أثبتت الصواريخ التي أطلقت من غزة المحاصرة أن جدار الفصل لا يكفي على ما يبدو لضمان الفصل الكامل بين الحياة اليومية والاحتلال الإسرائيلي، مما دفع إلى البحث عن حل تقني، قبل التوصل إلى هذا النظام الصاروخي.

وعلى الرغم من تصوير القبة الحديد على أنها نظام دفاعي بحت، إلا أن هدفها الاستراتيجي يصب في محاولة نزع سلاح الفلسطينيين في غزة وتجريدهم من وسيلة دفاعهم الوحيدة عن النفس بمواجهة عمليات القصف الإسرائيلية والحصار الخانق، وتالياً تمكين الاحتلال من المضي قدمًا في اعتداءاته من دون أي معارضة. وفي هذا السياق، يحذر الأستاذ الفخري للعلوم والتكنولوجيا والأمن الدولي في معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا، ثيودور بوستول، في مقابلة للموقع الإلكتروني المذكور، من أن القبة الحديد هي دعاية أكثر مما تمثل دفاعاً حقيقياً. كما يشبه “ادعاءات الحكومة الإسرائيلية حول الأداء العالي للقبة الحديد بالحيلة السياسية التي تهدف لإيهام الجماهير الإسرائيلية والعربية. وذلك لأن الهجمات الصاروخية لا يمكنها أن تقتل أو تصيب الأشخاص أو تتسبب بأضرار جسيمة للممتلكات. ويرجع السبب إلى احتواء الصواريخ في الغالب على رؤوس حربية صغيرة “.

الكلفة الباهظة

ومع ذلك، وحتى لو أخذنا بالاعتبار مزاعم الجيش الإسرائيلي بأن القبة الحديد تعترض الصواريخ بنسبة 90%، يبقى نظامها غير مستدام من الناحية الاقتصادية. فلننظر إلى هذه المعادلة، يكلف صاروخ “قسام” مقاتلي حماس في غزة ما بين 300 و 800 دولار، وتتمتع حماس بالقدرة على إطلاق الآلاف من هذه الصواريخ ضد الإسرائيليين، ويتعين على “القبة الحديد” إطلاق صاروخين اعتراضيين مقابل كل صاروخ “قسام”، مع الإشارة إلى أن تكلفة كل منهما تراوح بين 50.000 و 100.000 دولار.

وما دام أن الولايات المتحدة تأخذ على عاتقها تغطية تكاليف تجديد القبة الحديد بعد كل هجوم إسرائيلي على قطاع غزة، فهذا يعني أن الإسرائيليين ليسوا من يتحملون تكاليف الصيانة، وإنما يتكبدها دافعو الضرائب الأميركيون. وتالياً، لا يبدو نظام القبة الحديد قابلاً للاستخدام إلا من الكيان الذي يصدف أنه أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية في العالم: إسرائيل (…) ولم تنجح شركة “رافائيل” الإسرائيلية المصنعة للقبة الحديد، بتصديرها إلى دول أخرى، لكنها كانت تأمل أن يشتري الجيش الأميركي بطارياتها، ولذا أصيبت بخيبة أمل شديدة الشهر الماضي حيث قرر الجيش الأميركي عدم شرائها.

“شطب” القبة الحديد

وتمكن التقدميون الديمقراطيون في الكونغرس الأربعاء، من شطب التمويل لتجديد صواريخ القبة الحديد من مشروع قانون الإنفاق، وهو مبلغ يقارب المليار دولار، من خلال التهديد بالتصويت ضد مشروع قانون الإنفاق بالكامل. وقالت العضوة في فرقة “السكواد” المعروفة في الكونغرس، رشيدة طليب، إنه لا بد من التوقف عن تمكين إسرائيل من ارتكاب انتهاكات في حقوق الإنسان والعمل على نظام الفصل العنصري. وبدوره، يعتبر أنتوني لوينشتاين، وهو كاتب وصحافي استقصائي أوسترالي ألماني مستقل، يؤلف كتابًا عن كيفية تحول الاحتلال الإسرائيلي إلى العالمية، أن القرار بشطب التمويل هو خطوة صغيرة ولكن مرحب بها. وبرأيه، ينقص الكونغرس المزيد من الأصوات التي تطالب بوقف المساعدات الأميركية بالكامل، أي الأصوات التي تطرح السؤال الرئيسي: لماذا تحتاج (دولة) صناعية مثل إسرائيل لمساعدة أميركية أو لدعم عسكري على الإطلاق بينما تمارس بشكل غير قانوني الاحتلال ضد ملايين الفلسطينيين؟ ألا يمكن استخدام المساعدة الأميركية كسلاح فعال للضغط على إسرائيل لإنهاء استعمارها للضفة الغربية وقطاع غزة؟ لذلك آمل أن يشكل الجدل حول القبة الحديد، خطوة أولى من هذه العملية”.

وأخذ قرار قطع التمويل الحكومة الإسرائيلية على حين غرة. وحضّ وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد زعيم الأغلبية في الكونغرس، ستيني هوير، على الموافقة على تمويل القبة الحديد “في أقرب وقت ممكن”. كما وصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية ما حصل بأنه “إحراج لبايدن” (…) بينما نشرت صحيفة “هآرتس” صور كاريكاتور للبرلمانيات في فرقة “السكواد”، الكساندريا كورتيز وإلهان عمر ورشيدة طليب، وهن يحملن صاروخاً لاعتراض صواريخ القبة الحديد.

كما استغلت المعارضة الإسرائيلية الخلاف داخل الحزب الديموقراطي لمهاجمة بينيت، بينما ألقى أعضاء التحالف الإسرائيلي باللوم على نتنياهو. واتفق الجانبان على أن التأخير في تمويل القبة الحديد يشير إلى تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى إن عضو الكنيست نير بركات وصف “السكواد” بأنها “تهديد استراتيجي لإسرائيل”.

وسرعان ما اقترح مجلس النواب مشروع قانون منفصلاً للموافقة على منح مليار دولار لإسرائيل من أجل صواريخ القبة الحديد. ومرّر مشروع القانون الخميس بأغلبية 490 إلى تسعة أصوات. لكن أهمية ما حصل لا تكمن في المليار دولار، ولا في قدرة الجيش الإسرائيلي على إعادة تزويد بطاريات القبة الحديد. لأن الأهم من ذلك هو أن إشارات التصدع والانهيار بدأت تظهر على “القبة الأميركية الواقية” التي يعتقد الإسرائيليون أنهم سيستفيدون منها للأبد، بغض النظر عن اعتداءات الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين”.

شارك المقال