fbpx

باريس وأثينا ترسيان أسس أوروبا المستقلة 

حسناء بو حرفوش
تابعنا على الواتساب

ما الذي سيحصل بعد “الكارثة” التي خلّفها الإعلان عن اتفاقية “أوكوس” الأمنية الثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة؟ يتوقع تحليل في موقع “غريك سيتي تايمز” (greekcitytimes) اليوناني أن تتخذ اليونان وفرنسا الخطوة الأولى نحو “الاستقلال الأوروبي” ومن ثم، من يدري؟ ربما “تكرّ السبحة” داخل الإتحاد الأوروبي.

ووفقاً للمقال، “تعتبر اليونان، وهي من الأعضاء الثلاثين داخل الناتو، واحدة من الدول القليلة التي تنفق أكثر من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع عملاً بما اتفق عليه وزراء دفاع الناتو في العام 2006. ومع ذلك، فإن نسبة الإنفاق المرتفعة هذه (مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي) لا تهدف لفرض اليونان كدولة عسكرية معارضة لروسيا، تماشياً مع أهداف الناتو، ولكنها تصب في خانة الدفاع عن النفس ضد تهديدات عضو آخر في الناتو: تركيا. ففي ظل الميل المستمر لدى حلف الناتو للتقليل من أهمية العدوان التركي ضد اليونان، واتفاقية “أوكوس” الجديدة التي تسببت بانعدام الثقة بين “الأنجلوسفير” والأوروبيين، تمكنت اليونان من تأمين ضمانات أمنية إضافية جديدة ضد عدوها القديم.

وتبرهن شراكة اليونان القوية مع فرنسا على أن العواقب المباشرة لتحالف “أوكوس” أصبحت ملموسة بالفعل حيث تتخذ بعض البلدان أولى خطواتها الجادة نحو أوروبا مستقلة عن واشنطن. وفي هذا السياق، يوضح أليكسيس باباتشيلاس، أحد كبار الصحافيين اليونانيين، أن الاتفاقية الأمنية الفرنسية-اليونانية تمثل بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “انتقاماً” من الأميركيين لأنها ستعزز الحكم الذاتي الأوروبي. كما تؤكد هذه الاتفاقية الشائعات المستمرة حول اتفاق دفاعي كادت أن تتوصل إليه كل من فرنسا واليونان العام الماضي، لكنه انهار في النهاية في اللحظة الأخيرة “لأسباب غير معروفة”.

ولوضع الأمور في سياقها، يجب الإشارة إلى أن اليونان تلقت لمدة عام ونصف العام عروضا من ست دول، بما فيها فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في إطار مشروع شراء فرقاطات بحرية جديدة. وتأخر إتمام الصفقة بشكل مستمر بسبب إصرار اليونان على تضمّن عملية شراء الفرقاطة لاتفاقية دفاعية. ووقعت اليونان على اتفاقية تعاون دفاعي متبادل (MDCA) لمدة 12 شهراً مع الولايات المتحدة العام الماضي، لكنها لم تقرر في النهاية أي العروض ستقبل. ومع المماطلة في المفاوضات بشأن اتفاقية دفاع فرنسية – يونانية العام الماضي، قررت أثينا في نهاية المطاف التوقيع على MDCA مع واشنطن. وترددت شائعات بأن هذا الاتفاق هو للدفع باتجاه الضغط على الفرنسيين من أجل قبول الشروط اليونانية. ومع ذلك، تلاشت الثقة الأوروبية بـ”الأنجلوسفير” بسرعة، مع الظهور المفاجئ لـ”أوكوس”، مما حفّز المناقشات الفرنسية-اليونانية حول الاستقلال الأوروبي. وأخيرًا، أبرمت صفقة لشراء ثلاث فرقاطات فرنسية جديدة من طراز “بلهارا” (Belharra).

وكان رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، قد اعتبر صباح الثلاثاء عند توقيع الاتفاقية، أنها تسجل تطوراً لمبادرة تستجيب لمطالب العصر في قارتنا، وتعبد الطريق أمام أوروبا المستقبل القوية المستقلة. فهل هناك جدول زمني لإنشاء جيش أوروبي؟ يتطور الجدل حول الحكم الذاتي العسكري الأوروبي. وتنتقل خيارات مثل شراكة الدفاع المشتركة هذه إلى هذا الخيار الاستراتيجي المركزي. وعلى نحو فعال، قد تدفع اليونان وفرنسا باتجاه إنشاء جيش لأوروبا بأكملها، من المحتمل أن يحل مكان حلف شمال الأطلسي باعتباره الاتفاق الدفاعي الأول في أوروبا.

وهناك دليل آخر على أن هذا الاتفاق يهدف لاستبدال الناتو، وهو الطرح الأدق. وعلى الرغم من عدم ذكر تركيا بشكل واضح، لا شك في أن العدوان التركي الأحادي في البحر الأبيض المتوسط يشكل جزءًا من الدافع لاتفاق الدفاع الفرنسي – اليوناني. وهذا ما لفت إليه دبلوماسي هولندي بتغريدة بعد دقائق فقط على توقيع الاتفاقية الفرنسية – اليونانية، تكلم فيها على استقلال الاتحاد الأوروبي في الأمن والدفاع، معتبراً أن الناتو لا يعالج حتى الآن مشكلة زعزعة الاستقرار في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بأكملها (…).

ويضمن بند المساعدة الدفاعية المتبادلة في الاتفاقية، مساعدة اليونان أو فرنسا لبعضهما البعض في في حال تعرض إحداهما لهجوم على أراضيها. وهذا، حتى ولو كانت الدولة المهاجمة جزءًا من تحالفات أخرى، بما في ذلك الناتو. وفي ذلك رسالة واضحة لتركيا، التي تتهم بانتهاك المجال الجوي اليوناني بشكل يومي وبالتهديد بغزو جزر بحر إيجه. ولا تلقى هذه الانتهاكات والتهديدات أي تداعيات من الناتو، بحسب المقال، حيث لا يرغب الأعضاء بالمخاطرة بعلاقاتهم الاقتصادية مع هذه الدولة، بينما لا يزال العديد من قادة الناتو يعتقدون أن تركيا هي حصن ضد روسيا.

ولطالما طمحت فرنسا في تاريخها الحديث، وتحديدا في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون، لخلق أوروبا أكثر استقلالية. وزادت التجربة الأوروبية في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والازدراء الأخير من الرئيس جو بايدن مع كارثة “أوكوس”، من ضرورة تحقيق الاستقلال الأوروبي عن واشنطن (…) ويبدو أن بإمكان فرنسا أخيرًا إطلاق مشروعها جنبًا إلى جنب مع اليونان”.

ويختم المقال: “لعل تحقيق وحدة الاتحاد الأوروبي احتمال صعب لأن الدول الصغيرة مثل ليتوانيا تعطي الأولوية لمصالح واشنطن بدلاً من مصالح القارة، ولكن يبدو من تجربة باريس وأثينا، أنهما ستمضيان قدما في تغيير التوازن الجيوسياسي في البحر المتوسط ولن تأخذا موقف المتفرج بينما تتشاجر الدول الأعضاء باستمرار في ما بينها بشأن قضايا السياسة الخارجية. وإذا تمكنت فرنسا واليونان من إرساء أسس قوية لأوروبا المستقلة، فسيهتم حتما المزيد من أعضاء الاتحاد الأوروبي أيضا بالاندماج في هيكل قاري مستقل عن التحالفات بين ضفتي الأطلسي”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال