المفاوضات النووية: رسائل سرية وتشاؤم ومماطلة إيرانية

حسناء بو حرفوش

نشر موقع “بوليتيكو” مقالاً اعتبر فيه أن إيران تماطل في ما يتعلق بالمفاوضات حول ملفها النووي. ووفقاً للمقال، “يصر النظام الجديد في طهران بالعلن على رغبته بالعودة إلى طاولة المفاوضات وبذل الجهود مقابل تخفيف العقوبات، لكن أفعاله تعكس قصة متناقضة بعض الشيء. فعلى الرغم من عشرات الاجتماعات التي جمعت مسؤولين إيرانيين بمسؤولين أجانب في الأيام الأخيرة، لم يكشف الطرف الإيراني إلا عن القليل من التفاصيل حول موعد عودته إلى فيينا وما يريده تحديداً. ويستمر النظام بممارسة الألاعيب مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحيث يبرم الصفقات لتجنب اللوم، ثم يمنع وصول المفتشين بعد أيام. وتثير استراتيجية الدفع والجذب هذه مخاوف الأوساط الدبلوماسية من التعقيد المتزايد للعودة إلى الاتفاق النووي (…).

وبينما ينتظر العالم التطورات في المحادثات، تعكف إيران على تطوير قدرتها النووية، مع تحذير الخبراء من أن الوقت الذي ستحتاجه لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصناعة قنبلتها يتضاءل شيئاً فشيئاً. وفي هذا السياق، يقول دبلوماسي كبير رفض الكشف عن هويته، أن إيران تراهن على إضاعة الوقت وتواصل في هذه الأثناء تعزيز برنامجها النووي لكسب نفوذ سياسي. كما أضاف أن إيران قد تنظر للولايات المتحدة على أنها “ضعيفة” في الوقت الحالي، بالنظر إلى سلسلة الهفوات الدبلوماسية الأخيرة، من الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وصولاً للخلاف مع فرنسا بشأن اتفاقية “أوكوس”. ومن شأن هذا التصور أن يشجع إيران على تشديد موقفها التفاوضي.

وقد أدت الإشارات المختلطة التي ترسلها طهران إلى تمديد الجدول الزمني المتوقع لأي اتفاق جديد. في هذا السياق، يقدّر المحلل هنري روما من مجموعة أوراسيا أن إحياء الاتفاق النووي الإيراني “كان غير مرجح هذا العام، نظرًا لتزايد الغموض حول مصلحة طهران. كما أن المسؤولين الإيرانيين لم يعطوا الكثير من الأسباب للتفاؤل خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي في نيويورك. كما لم يقدم وزير الخارجية الإيراني الجديد، حسين أمير عبد اللهيان، أي معلومات محددة حول توقيت المحادثات للقادة السياسيين من جميع أنحاء العالم، وفقًا لثلاثة دبلوماسيين مطلعين.

(…) ومع ذلك، استغل الحلفاء الغربيون هذه الاجتماعات لحث اللهيان على العودة إلى طاولة المفاوضات (…) وفي غضون ذلك، قررت طهران، منع مفتشي الأمم المتحدة من زيارة مجمع تيسا كرج خارج طهران (…) ووفقًا لتقرير سري تم تقديمه إلى أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأحد، واطلعت عليه “بوليتيكو”، أرسل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، أربع رسائل لإيران يطلب فيها الوصول إلى الموقع، دون جدوى. وذكر تقرير غروسي أيضًا أن رفض إيران السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول إلى موقع كرج ينتهك الاتفاق الأخير، حتى ولو سمحت إيران لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى جميع المواقع النووية الأخرى.

موقف أكثر تشدداً؟

وتندرج تكتيكات إيران الأخيرة ضمن التشدد المتوقع في الاستراتيجية بعد الانتخابات الأخيرة في البلاد التي وصل بنتيجتها إبراهيم رئيسي إلى السلطة كرئيس من الأكثر تحفظاً. وعيّن رئيسي مسؤولين أكثر تشككًا بالاتفاق النووي (…) بدوره، قال دبلوماسي كبير ثان لـ “بوليتيكو” أن “العديد من الدلائل تشير نحو المزيد من التعقيد خصوصاً مع تعيين علي باقري كاني كبير المفاوضين النوويين الجديد، (…) خصوصا وأن باقري كاني من أشد المنتقدين إن لم يكن من أشد المعارضين للاتفاق النووي لعام 2015.

ولاحظ الدبلوماسي الثاني تغييراً محتملاً في نهج إيران وصفه “بالانحراف الكبير”، حيث أعربت في السابق عن انفتاحها على العودة التدريجية إلى اتفاقية 2015. ولكنها الآن على ما يبدو، تريد من الولايات المتحدة الإيفاء أولاً بجميع واجباتها، وهذا يعني التراجع الكامل عن العقوبات قبل أن تفرمل طهران عن طموحاتها النووية. كما تعكس التصريحات الأخيرة من القادة الإيرانيين نهجاً أكثر تشدداً، مما يشير إلى أن إيران قد تطالب بتخفيف العقوبات بدرجة أكبر مما وعدت به بموجب اتفاق 2015 الأصلي. وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتقد رئيسي “نظام الهيمنة” الأميركية وطالب برفع جميع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، معتبراً أنها “قمعية”.

وفي غضون ذلك، تركز إيران على تعزيز قدرتها النووية. ويفترض إريك بروير، المتخصص في الانتشار النووي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن لدى البلاد ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية خلال “بضعة أشهر”. ومع ذلك، سيتطلب تحويل المواد إلى النواة النووية وحزمها بالمتفجرات والمكونات الأخرى لصنع جهاز نووي، وقتاً أطول. أما إيران فتصر من جانبها الإصرار على أن برنامجها النووي سلمي. ومع ذلك، يشعر الخبراء بالقلق بشكل أكبر إزاء المعرفة العلمية التي اكتسبتها إيران على مدى السنوات القليلة الماضية خلال توسيعها لبرنامجها النووي، على سبيل المثال في ما يتعلق بكيفية تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة أو كيفية إنتاج اليورانيوم. ويمكن لهذه المعرفة أن تساعد إيران في بناء قنبلة ذرية بشكل أسرع في المستقبل. لذلك حذرت الولايات المتحدة إيران في عدة مناسبات من نفاد صبرها (…) وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في حديث إلى الصحافيين بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن إمكان “العودة إلى الامتثال المتبادل ليست لأجل غير مسمى”.

ويشدد الدبلوماسيون الأميركيون على عدم وجود خط أحمر معين، ولكن قد يشعر المفاوضون الأميركيون في لحظة ما بعدم إمكانية استعادة فوائد الاتفاق النووي الافتراضي مع إيران وفقدان الثقة. ولكن أخيرا، وعلى الرغم من الشكوك التي تحوم، تبقى هناك حوافز قوية تدفع إيران للعودة في نهاية المطاف إلى المفاوضات في فيينا. فالاقتصاد الإيراني المهتز يحتاج إلى تخفيف العقوبات وإمكان تصدير المزيد من النفط واستعادة الاحتياطيات الأجنبية المجمدة والتي قد تؤمن للبلاد نحو 100 مليار دولار، بحسب تقديرات مجموعة أوراسيا. لذلك، يراهن الدبلوماسي الثاني على عودة إيران في النهاية وربما هذا الشهر، إلى طاولة المفاوضات في فيينا، متوقعاً مع ذلك مفاوضات صعبة”.

شارك المقال