سلطت صحيفة “نيويورك تايمز” (NY times) الضوء على قضية أكثر من 3 آلاف إيزيدي ما زالوا في عداد المفقودين على الرغم من معرفة عائلاتهم بمكان البعض منهم. وذلك، وسط تخوف كبير من تغييب قضيتهم ونسيان الأحياء منهم بسبب عدم إمكان دفع الفدية للخاطفين. وحسب المقال، “لا يزال البعض من أفراد هذه الأقلية الدينية العراقية محتجزين في سوريا حتى بعد مرور سبع سنوات على أسرهم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، بينما يختبئ البعض الآخر مع عائلات مقاتلي داعش الذين قضوا في المعارك.
رسائل تفجع القلوب
الرسائل الصوتية التي وصلت من بعض الأسرى تفجع القلوب. يسأل نجل عباس حسين، وهو مراهق محتجز لدى مقاتلي داعش منذ سنوات رهن فدية مالية، في رسالة صوتية، عن والدته، متسائلا عن سبب عدم اتصال والده به. وفي رسائل أخرى من الصيف الماضي، يخبر الفتى الذي لم يخشوشن صوته بعد، والده العاطل عن العمل، أن خاطفه لن يسمح له بإرسال المزيد من الرسائل لأن أهله لم يسلموا الدفعات المالية المطلوبة. ثم يقول له: “أبي، أخبرني إن كنت لا تمتلك النقود. سأعمل وسأوفر المال وأعطيه إياه أقله فقط ليسمح لي بالإتصال بك”.
وكان حسين قد اكتشف منذ أكثر من عام أن مقاتلا سابقا في داعش يحتجز ابنه وخمسة من أقاربه الآخرين في منطقة شمالي سوريا الخاضعة للسيطرة التركية (…) لكنه يتألم من عدم القدرة على الوصول إليهم. والحقيقة أنه أثناء استيلاء داعش على أجزاء من العراق وسوريا، فقد زهاء 3 آلاف من الإيزيديين. وبينما يُفترض بشكل عام أن معظم المفقودين قد لقوا حتفهم، يُعتقد أن المئات ما زالوا على قيد الحياة وهم إما في سوريا وإما في تركيا. ومع ذلك، وفي بعض الحالات حيث تعرف الأسَر مكان وجود أقاربهم المفقودين (…) تتعثر جهود إعادتهم بسبب التناقص في الاهتمام والدعم المالي الذي توفره الحكومات والجهات المانحة الخاصة لهذه القضية.
نسيان الهوية
(…) ويُعتقد أن العديد من الناجين الذين نجحوا في الفرار من الأسر يقيمون أو يختبئون مع عائلات مقاتلي داعش المتوفين أو ما زالوا مخفيين في معسكرات الاعتقال أو محتجزين لدى مجموعات متطرفة مختلفة في سوريا أو تركيا. حتى أن بعض الأطفال نسوا أنهم إيزيديون. ويعرف حسين من ابنه أنه مجبر على العمل كبنّاء مقابل دولار واحد في اليوم. لكن مع استحالة توفير مبلغ 9000 دولار الذي يطلبه الخاطفون مقابل أقاربه الستة، لا يعرف حسين كيفية إعادة أحبائه إلى المنزل. وهو لم يستطع إلا تأمين دفعة أولى بقيمة 600 دولار للآسر وثانية بقيمة 1200 دولار أميركي مقابل دفعة أخرى. لكن ذلك لم يكف لتحرير الصبي.
(…) وإذ يروي أن داعش أسر ثلاثة من أبنائه عام 2014، يقول أنه تمكن بعد عام، من اقتراض المال لشراء حرية ابنه الأصغر، الذي وقع في الأسر وهو رضيع، ثم نقل مع خمسة من أقاربه الآخرين إلى سوريا ثم إلى تركيا المجاورة. حينها دفعت عائلة حسين 30 ألف دولار لإعادة ستة من الأسرى واصطحبتهم الى الحدود العراقية التركية. أما ابنه الأكبر فقتل عام 2017، عندما كان في الـ13 من عمره في غارة جوية استهدفت مدرسة دينية في الرقّة.
“نحال سنجار”
قصة ثانية يرويها عبد الله شريم، المنقذ الإيزيدي والنحال الذي كُتب عنه الكثير ووردت قصته في كتاب “نحّال سنجار” (The Beekeeper of Sinjar). نجح شريم في ضمان عودة نحو 400 أسير من الإيزيديين ما بين عامي 2014 و2019، وكان على اتصال حتى بالمقاتل الذي يحتجز ابن حسين… واستخدم شريم الصلات التي بناها كتاجر وبائع عسل لبناء شبكة إنقاذ بعد أسر 56 من أقاربه (…) وعلى الرغم من أن الإيزيديين مواطنون عراقيون، إلا أن الحكومة العراقية في بغداد لم تشارك أبدا في إنقاذهم، بحجة افتقارها للأموال والقدرة اللازمة.
(…) ويستعين شريم في عملياته بخرائط ومخططات من كل عملية إنقاذ سابقة لامرأة أو طفل إيزيدي مستعبد في سوريا. وتظهر المخططات، التي رسمها ابنه وهو مهندس، المعالم القريبة من المنازل التي يُعتقد أن الأسرى محتجزون فيها. كما زودته منظمة إغاثة أميركية بخرائط تفصيلية للمدن السورية لمساعدته على البحث عن ناجين من الإيزيديين. وفي غضون خمس سنوات من إدارته لشبكة الإنقاذ، استخدم شريم أموالاً تلقاها من حكومة إقليم كردستان وتبرعات وأموال خاصة. واضطر أقارب المفقودين الفقراء الإيزيديون للاستدانة من أي مكان من أجل إنقاذ أحبائهم.
وعلى الرغم من أن أحد المعابر الحدودية لا يبعد أكثر من ساعة واحدة بالسيارة عن قرية شريم، إلا أن السلطات الكردية والعراقية تمنع بشكل عام الإيزيديين العراقيين من العبور إلى الداخل السوري. ولم تبذل الحكومة العراقية أي جهد منهجي للعثور على الإيزيديين المستعبدين داخل المعسكرات في العراق حيث تحتجز زوجات وأطفال مقاتلي داعش في ظل التحكم الصارم بإمكان الوصول إليهم. وبعد أربع سنوات من خسارة داعش لآخر الأراضي التي سيطر عليها في العراق، لا يزال عشرات الآلاف من الإيزيديين يقيمون في مخيمات للنازحين، بانتظار المساعدات المالية لإعادة بناء منازلهم المدمرة.
يضيف شريم: “المال ليس الأهم بالنسبة لنا. نحن بحاجة لأن تسمح لنا الحكومة العراقية بالذهاب إلى سوريا للبحث في المخيمات وفي أماكن أخرى. يجب أن تتيح لنا الدخول إلى المخيمات العراقية للبحث هناك”. ويعتقد شريم أن بعض المفقودين لا يزالون على قيد الحياة وأن المراهقين الذين أسروا حين كانوا أطفالا، موجودون في الغالب في تركيا، بينما الشابات والفتيات أسيرات إلى حد كبير في شمال سوريا، حيث يحتجزهن مرتزقة أو مقاتلون تابعون لداعش. وعلى الرغم من جفاف مصادر الأخبار، إلا أن شريم يحصل بين الفينة والأخرى على معلومات حول الناجين الإيزيديين الذين ما زالوا في الأسر. لكن بغياب الدعم، ليس بمقدوره وغيره من المنقذين التصرف بناء على هذه المعلومات وحدها”.