ميقاتي يزور طرابلس… بين التفاؤل والنقمة!

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يُمكن إغفال الشعبية التي يتمتّع بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مدينة طرابلس وهي ليست وليدة اليوم، بل هي كانت وتستمرّ منذ أعوام عديدة، وكان استقباله في دارته منذ ساعات لوفود مناصرة دليلًا على تمسّك داعميه بالثقة التي حصل عليها في مجلس النواب، ليُؤكّدوا له أنّ هذه الثقة تمتدّ إلى مناصريه في المدينة أيضًا.

وما شعار “كلّنا ثقة” المنتشر على لوحات إعلانية ولا سيما على مداخل المدينة إلّا إصرار من الفاعلين في “العزم” على تقديم دعمهم الكامل إلى الرئيس ميقاتي الذي يرون أنّه تولّى “مهمّة صعبة وحملًا ثقيلًا” في ظلّ الأزمات التي تُعكّر صفو الاقتصاد والقدرة على الاستمرار في هذه البلاد.

ولم تكن زيارة ميقاتي إلى طرابلس مفاجئة، إذ كان يتمّ التخطيط لها من دون الإعلان عن توقيتها منذ أيّام، ولا سيما مع تكرار الأقاويل والأحاديث التي كانت تُشير إلى عدم رغبة ميقاتي في زيارة المدينة في هذه الظروف بعد مرور أكثر من أسبوعين على عملية التشكيل، وكان يردّ المقرّبون من الرئيس عليها بأنّها أقاويل غير دقيقة، وما هي إلّا ساعات حتّى حُدّدت الزيارة التي وجّه فيها ميقاتي كلمة إلى طرابلس وأهلها قائلًا: “لأهلي في طرابلس أقول أينما ذهبنا وحللنا، تبقى طرابلس وأهلها البداية والنهاية، وسنسعى بكلّ قوة لتنال، كما كلّ المناطق، حقّها من الإنماء ومن رعاية الدولة، وندعوكم لمؤازرتنا في عملنا وأن نكون جميعًا العين الساهرة على الفيحاء الغالية وحمايتها من الشرور ودرء الأخطار عنها”.

مزاج الطرابلسيين يتغيّر

في الواقع، كان ينتظر المناصرون هذه الزيارة لدحض كلّ ما يُقال عن ميقاتي، لكن ليس خافيًا أنّ هذه الزيارة لم تُحرّك ساكنًا عند الشعب الطرابلسي الذي يعيش في حال سيئة للغاية في كلّ المجالات والميادين الحياتية، فالقهر الذي يُواجهه الطرابلسيّ يبقى غير مقبول على الإطلاق، فلا تشكيل الحكومة تمكّن من مسح دموع الفقراء والأطفال عن وجوههم، ولا هذه الزيارة ستُعطي طرابلس مشاريع استثمارية وتجارية تدفعها لتوظيف طاقاتها وكنوزها الاقتصادية بالشكل المطلوب وصولًا إلى الازدهار الاقتصادي الذي حُرمنا منه منذ أعوام. وما ينتظره اليوم الطرابلسيون فعليًا هو الثقة بالأفعال لا بالأقوال التي سمعوا منها الكثير من كلّ رجالاتها الذين خذلوها، حتّى حين حاولوا الاجتماع منذ أسابيع في بيروت لدرس معاناة طرابلس ولا سيما أزمة المحروقات، لم ينتج من هذا الاجتماع أيّ خطوة تنفيذية حتّى اللحظة، مع العلم أنّ الطرابلسيين لم ينتظر أيّ منهم أيّ سلوك جديد لأنّهم لم يعتادوا أبدًا على تنفيذ الوعود.

وما زالت الفيحاء تُحاول تخطّي كلّ هذه الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية… عبر اعتصامات بسيطة للتعبير عن نكبتها، أو عبر محاولات غير مجدية للعمل يوميًا على التأقلم مع الوضع الجديد والمستعصي الذي وصلت إليه طرابلس.

ويُمكن القول إنّ طرابلس اليوم لا تُشبه طرابلس 2005 أو 2011، أيّ أنّها لا تُشبه أبدًا المدينة التي استقبلت ميقاتي بفرح وبهجة بعد وصوله إلى سدّة رئاسة الحكومة، إذ كان الدعم واضحًا لشخص ميقاتي حينها، أمّا عام 2021 وبعد تشكيله حكومة للمرّة الثالثة، يرى أحد أوساط المدينة أنّ الرئيس اليوم بات يُواجه معضلتين أساسيتين: الأولى تكمن في تراجع المزاج الشعبي مع تراجع الدعم الذي كان يتلقاه من وفود شعبية محبّة، وذلك بسبب الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تُواجهها طرابلس وأهلها الذين لا يطلبون سوى ساعة من التغذية الكهربائية من مؤسسة الكهرباء، ويرغبون بالحصول على لقمة عيش كريمة لا تحوّجهم إلى أحد…

أمّا المعضلة الثانية، فهي شعور الطرابلسيين بخيبة أمل وعدم ثقة عمومًا برجال السياسة منهم ميقاتي وهو ليس الوحيد الذي يلمس هذه ” السقطة” الشعبية، أمّا عن ثقة مناصريه به، فهي مستمرّة لأنّه لا يزال يدعمهم في كلّ حدث أو حركة، لكن الحقيقة تقول إنّ الكثير من المواطنين الطرابلسيّين “العاديين” الذين لا ينتمون إلى أيّ تيّار سياسي، فقدوا ثقتهم بميقاتي لأنّهم لا يتلقون دعمًا ماديًا أو معنويًا منه ومن مناصريه، وفق ما يقول لـ”لبنان الكبير”.

أمّا متابع سياسي، فيُؤكّد لـ”لبنان الكبير” أنّه يجب أن لا يتوقّع أحد في طرابلس أن تقوم هذه الحكومة بإنجازات عظيمة، ويجب عدم مقارنة هذه الحكومة التي يرأسها ميقاتي الآن بحكوماته السابقة. ويقول: “لن تحمل هذه الحكومة عصا سحرية لتغيير ما تمّ بناؤه من فساد وإهمال منذ أعوام، وفي هذه الظروف لا دعم مادياً متاح لإصلاح كلّ ما تمّ إفساده، فهي حكومة أشهر ليس إلّا”.

وتقول فرح ب. لـ”لبنان الكبير”: “لا أصدّق كيف اجتمع رجال الدّين مع ميقاتي بهذه الفرحة والسرور، فرجل الدّين يجب أن يُمثل الشعب وهمومه، وهم لا يكترثون فعليًا إلّا بالمنافع المالية التي يحصلون عليها، فقد وقع انفجار عكار والناس باتت تموت أمام أبواب المستشفيات بلا مازوت أو دواء وهم يضحكون في الصور”.

أمّا هشام م. فيقول: “ننتظر من هذه الحكومة قيامها بوقف الحدّ من تجاوزات السوق السوداء لأنّها مصدر مأساتنا”، بينما يُشدّد أحمد د. على “ضرورة التمسك بهذه الحكومة فقد انتظرنا كثيرًا لتشكيلها ولا نريد فسادًا في البلاد، وهذا ما يقوله ميقاتي ونحن نثق به…”.

من جهتها، تعتبر عبير ف. أنّ ميقاتي يبقى الأمل الوحيد لإنقاذ البلاد من المأزق الذي انزلق إليه، وتقول لـ”لبنان الكبير”: “لا نقبل بإفشال هذه الحكومة ولا وقت لأحد بالانشغال في الاحتفالات والزيارات بل نريد العمل قدر الإمكان”.

شارك المقال