بين الصين وتايوان… ما هي خيارات واشنطن؟

حسناء بو حرفوش

يشير المزاج السائد في الولايات المتحدة حول التطورات بين الصين وتايوان، إلى ميل أميركي لخوض معركة في حال قررت الصين التصعيد. ولن يمثل هذا الميل الخيار الأميركي الأفضل، بحسب الباحث في أولويات الدفاع اللفتنانت كولونيل المتقاعد، دانيال إل ديفيس، في مقال بموقع صحيفة “الغارديان” (The Guardian) البريطانية. فما الذي ينبغي على واشنطن فعله في هذه الحالة؟ هل تنخرط بعمل عسكري ضد الصين أم تكتفي بموقف المتفرج؟

يلحظ إل ديفيس بناء على المعطيات الحديثة، “قيام جمهورية الصين الشعبية بإطلاق ما مجموعه 155 طائرة حربية، منذ الجمعة الماضي، وهو عدد يفوق أكثر مما سجل في أي وقت مضى على مدى أربعة أيام متوالية، في منطقة تحديد الدفاع الجوي في تايوان؛ وهذا ما دفع المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس للتعبير عن “قلق بالغ”. كما سجلت أكثر من 500 رحلة تحليق من هذا النوع خلال تسعة أشهر هذا العام، مقابل 300 تحرك فقط طوال العام الماضي.

ولنضع الأمور في نصابها قبل أن تقرع طبول الحرب في المحيطين الهندي والهادي وتجد واشنطن نفسها بمواجهة ضغوط لخوض حرب وجودية محتملة. يتوجب على صانعي السياسة الأميركيين مواجهة الحقيقة القاسية والباردة. فالواقع أن الولايات المتحدة تخاطر في حال قررت محاربة الصين، على خلفية التوتر مع تايوان، بهزيمة عسكرية شبه مؤكدة، وتراهن على الاستدراج إلى حرب نووية. لذلك، عليها أن ترفض صراحة الانجرار إلى حرب مع بكين، خصوصاً وأن النتيجة المؤكدة لا تبشر بالانتصار. كما يجب التوضيح مسبقاً: في حال نجحت الصين أخيرًا في تنفيذ تهديدها المستمر منذ عقود وفرضت سلطتها على تايوان، لن تمتلك واشنطن أي خيار. فإما أن ترضى بالنتيجة المريرة وإما أن تتمسك بخيار التدمير الذاتي مع تعريض الوجود الأميركي للخطر.

أما كفة المزاج السائد بين المسؤولين وقادة الرأي في واشنطن، فترجح للقتال إذا حاولت الصين غزو تايوان بالقوة. وخير دليل خطاب نائبة وزير الدفاع، كاثلين هيكس، الذي ألقته في مركز الدراسات الاستراتيجية الجمعة الماضي، والذي قالت فيه إن بلادها تمتلك في حال غزت بكين تايوان، إمكانية كبيرة لمنع أي احتمال من هذا القبيل في المنطقة. وهذا الخطاب قد يعني إما أن هيكس غير مدركة لمدى ضآلة الإمكانات الأميركية التي نشرت بالفعل في منطقة المحيطين الهندي والهادي أو أنها غير مدركة لمدى أهمية قدرات الصين على شواطئها، لكن في كل الأحوال، لا يمكن لأميركا منع الصينيين من غزو ​​تايوان.

وفي وقت سابق من هذا العام، قدم السيناتور ريك سكوت والنائب في الكونغرس غاي ريشينثالر قانون الدفاع ومنع غزو تايوان والذي من شأنه أن يمنح الرئيس الإذن باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن تايوان ضد هجوم مباشر، على حد قول النائب ريشينثالر. وبالتالي، في حال وقوع هجوم فعلي، سيسجل ضغط هائل لتسريع مثل هذا القانون لتفويض بايدن بالتصرف. ويجب على واشنطن مقاومة هذه النزعة. فكما أوضحت (أي الكاتب إل ديفيس) سابقًا، لا يوجد سيناريو منطقي قد تجد فيه الولايات المتحدة نفسها في النهاية في موقع أفضل وأكثر أماناً بعد الحرب مع الصين. إن أفضل سيناريو يمكن للأميركيين أن يأملوه هو انتصار باهظ الثمن تحمل من بعده البلاد عبء التحول لقوة دفاعية دائمة لتايوان (وهذا ما سيكلف مئات المليارات من الدولارات سنوياً، إضافة إلى الحاجة الدائمة للبقاء على جهوزية لمواجهة أي هجوم صيني حتمي مضاد).

لكن الكفة الأكبر ترجّح بالنتيجة لهزيمة تقليدية للقوات الأميركية التي تتدخل مقابل فوز الصين. وقد يحصل ذلك على حساب أعداد كبيرة من الطائرات والسفن الأميركية التي ستتعرض للقصف والإغراق، علاوة على قتل الآلاف من الجنود. وفي أسوأ الحالات، تخاطر الولايات المتحدة بخروج الحرب التقليدية عن السيطرة وتصاعدها لتتحول إلى احتكاك نووي. وهذا يتركها أمام الخيار الأفضل والذي قد لا يجده معظم الأميركيين مرضياً: رفض الخوض في قتال مباشر ضد الصين نيابة عن تايوان. وسيسمح ذلك للولايات المتحدة بالوقوف على الجانب الآخر من حرب الصين/ تايوان مع الحفاظ على قوتها العسكرية والاقتصادية العالمية.

“ربّ ضارة نافعة”

ومع ذلك، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستعتمد موقف المتفرج السلبي أمام محاولة الصين دهس تايوان وفرارها من دون عقاب. في هذه الحالة، سيقضي المسار الأكثر فعالية لواشنطن بإدانة الصين بأشد العبارات وبقيادة حملة عالمية بهدف سنّ عقوبات تعيق الصين وتعزلها كدولة منبوذة دولياً. عندها، لن تقتصر معاناة الصين على الاقتصاد. وسوف يتطلب الأمر أصلاً من بكين عقوداً للتغلب على الخسائر التي ستتكبدها في حربها للاستيلاء على تايوان، حتى ولو انتهت بالنصر.

من ناحية أخرى، ستحافظ الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على كامل قوتهم العسكرية، وسيهيمنون على الأسواق التجارية الدولية، كما ستتوافر لهم أرضية أخلاقية لإبقاء الصين محاصرة (…) حتى من الأنظمة الآسيوية الأخرى، وقد تعيد هذه التداعيات الصين عقودًا إلى الوراء. وفي المقابل، سيتحسن الأمن الأميركي بشكل كبير مقارنة بما هو عليه اليوم، وأفضل بكثير مما لو حاولت أميركا بحماقة خوض حرب مع الصين.

أما بالنسبة للاستراتيجية، فيجب على واشنطن أن تستمر في العلن بتبني الغموض الاستراتيجي، لكن عليها أن توضح للقادة التايوانيين بشكل خاص أنها لن تخوض حرباً مع الصين. ومن شأن ذلك أن يحفز تايوان بشكل كبير على اتخاذ الخطوات السياسية التي تضمن الانخراط في المفاوضات الضرورية لضمان استمرار الوضع الراهن. وذلك، لأن الحقيقة القاسية والصريحة هي أن وضع تايوان الراهن أفضل بكثير من تحولها لحطام جزيرة خاضعة لاحتلال بكين.

أما الطريقة المثلى التي يمكن فيها للولايات المتحدة إلحاق الضرر بأمنها فهي بالسماح لنفسها بالانجرار إلى حرب قد تنتهي بالخسارة بسبب قضية تعتبر هامشية لأمن الولايات المتحدة. أما في حال وضعت الصين يدها على تايوان بالقوة، يفضّل أن تبقى واشنطن بعيدة من المعركة وتقود عوضاً من ذلك جهداً لنبذ الصين على المستوى العالمي، مما يساعد في ضمان تعزيز الأمن الأميركي للأجيال القادمة”.

شارك المقال