التعاون العسكريّ بين تونس وواشنطن قيد الاختبار

حسناء بو حرفوش

تضع ممارسات الرئيس التونسي قيس سعيد التعاون العسكري بين تونس والولايات المتحدة الأميركية أمام اختبار قد يصل إلى حد تقويض اتفاق التعاون بين البلدين، بحسب مقال على موقع “أل مونيتور”. ووفقاً للمقال، “في حال استمر سعيد باستخدام الجيش لأغراض سياسية وإشراكه بانتهاكات حقوق الإنسان، على غرار محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية، فقد يقوّض اتفاق التعاون الذي يجمع لمدة عشر سنوات بين الولايات المتحدة والجيش التونسي”.

“ويعود التعاون العسكري بين البلدين إلى الحرب العالمية الثانية (…) التي صنّفت تونس من بعدها كحليف رئيسي من خارج الناتو في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما (…). أما اتفاق التعاون، فيعود إلى العام 2020 وتستند الشراكة العسكرية بين الولايات المتحدة وتونس إلى تعاون أمني قوي يركز على بناء القدرات العسكرية لتونس لمواجهة التهديدات ودعم جهود هذه الأخيرة لتصبح مركزاً تدريبياً إقليمياً. وتحاول تونس إعادة بناء جيشها وقواتها الجوية بعد نحو 60 عاماً من الإهمال والتهميش خوفاً من تفوّقه على السلطة (…). لكن ثورة 2011 مثّلت تغييراً مع وضع الرئيس المنصف المرزوقي منذ العام 2012 أسّس هيكل قيادة لامركزية وديموقراطية بشكل أكبر، مما أدّى إلى القضاء على النخب القديمة التي كانت قريبة من بن علي.

وأصبحت الولايات المتحدة منذ العام 2011، ثالث أكبر مانح للمساعدات الخارجية لتونس، بعد ألمانيا والاتحاد الأوروبي (…). وفي هذا السياق، يوضح رئيس مركز دراسة الإسلام والديموقراطية في واشنطن رضوان المصمودي، أنّ “ميزانية الجيش تضاعفت ثلاث مرات منذ الثورة، وتأتي نحو 60% من الميزانية من المساعدات العسكرية الأميركي، التي شملت طائرات مروحية أميركية الصنع من طراز “بلاك هوك” وتحديثات كبيرة في المدفعية. ومع ذلك، تركز الخبرات على مكافحة الإرهاب الداخلي ومراقبة الحدود البحرية، وليس على تطوير جيش قادر على خوض الحروب (…). ولعبت أميركا دور الداعم بشكل علني، على الرغم من ورود أنباء عن قيام الولايات المتحدة بتوسيع حربها ضد الإرهاب عبر منطقة الساحل والمغرب العربي.

وكانت إدارة بايدن انتقدت بشدة ما اعتبرته استيلاء الرئيس سعيد على السلطة في 25 تموز والانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان، بما في ذلك المحاكمات الأخيرة لأعضاء البرلمان ياسين العياري وزعيم “حزب الكرامة” سيف الدين مقلوف في المحاكم العسكرية. ويشير المصمودي إلى أنّ إدارة بايدن غير راضية عن إخضاع المدنيين للمحاكم العسكرية ولا عن الدبابات التي حول البرلمان ومكتب رئيس الوزراء. كما ينقل ضرورة عدم انخراط الجيش في السياسة أبدًا. ووفقاً للديبلوماسي السابق ويليام لورانس، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في واشنطن، فإنه بحسب قانون ليهي، يمكن أن يكون لدى الولايات المتحدة أسباب لسحب دعمها العسكري، لأنّ محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان (…).

وأشار لورانس إلى أنّ البنتاغون والجيش التونسي سيضغطان من أجل الحفاظ على [علاقة التعاون] هذه، على الرغم من ممارسات سعيد. ومع ذلك، قد يدعو الكونغرس إلى تخفيض المساعدات العسكرية. وبالقابل، يعتقد لورانس أنه على الولايات المتحدة زيادة المساعدات التي لا تدعم سعيد، مثل التبرعات باللقاحات؛ لأنها في حال قطعت المساعدات، فقد تقويه بدلاً من إضعافه”. وكان المتحدث باسم القيادة الأميركية في أفريقيا “أفريكوم”، أكد على عدم تغير الارتباطات العسكرية الأميركية مع تونس. فالولايات المتحدة ملتزمة بدعم الشعب التونسي وبالتنمية الديموقراطية والاقتصادية في تونس، فضلاً عن التعاون العسكري والأمني. وعقدت في أيلول سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى شارك فيها الجنرال ستيفن تاونسند من “أفريكوم” وقادة عسكريون تونسيون (…). ثم عاد تاونسند في زيارة إلى شمال أفريقيا لمدة يومين إلى شمال أفريقيا وتونس وليبيا في الفترة من 27 إلى 28 أيلول، حيث التقى برؤساء الأركان العسكرية لمناقشة رفع مستوى قدرات تونس في مكافحة الإرهاب. ويُعتقد أنّ تاونسند تحدّث عبر الهاتف مع سعيد قبل إعلان الرئيس عن رئيس وزرائه الجديد.

(…) وعارضت بعض الدول ما حصل في تونس، واشتعلت التوترات بين تونس وليبيا في ظل مزاعم السلطات التونسية حول تسلّل 100 مقاتل أجنبي إلى قاعدة الوطية الجوية التي تسيطر عليها تركيا، على بعد 19 ميلاً من الحدود التونسية، ومحاولتهم دخول تونس. وتصاعدت الأمور بعد نفي ليبيا الاتهامات بتصدير الإرهاب إلى تونس. ونقل عن رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة قوله أنه إذا أرادت تونس بناء علاقات حقيقية وصادقة مع ليبيا، فعليها احترام دول الجوار (…)، وهناك تساؤلات حول نوايا السلطات التونسية. كما أدى الخلاف مع ليبيا إلى تأخير إعادة فتح الحدود التونسية الليبية بحوارات مطولة (…) وحذّر لورانس من تأثير الألعاب السياسية الخارجية التي يمارسها سعيد والتي قد تضعف موقف تونس أكثر فأكثر وتخاطر بالأمن الذي يقع في صلب التعاون الأميركي التونسي. ووفقاً له، تلعب الجزائر أيضاً دوراً كبيراً في استقرار تونس. لكن لا يبدو أنّ قيس سعيد يحترم ذلك، وقد اتخذ بعض المواقف التي يصفها الجزائريون بالمقلقة. أخيراً، وعلى الرغم من أنّ البرلمانيين التونسيين طالبوا بعودة مجلس النواب، إلا أنّ العديد منهم أعربوا عن خوفهم من موجات العنف. فعلى الرغم من استبدال مدرعات الجيش في الغالب بعناصر الشرطة، إلا أنّ واحدة منها على الأقل تغيّر موقعها بشكل يبقيها داخل السياج الحدودي للبرلمان. وفي الفترة نفسها، أُمر النائب ماهر زيد من “حزب الكرامة” بالمثول أمام محكمة عسكرية. أما اليوم، وفي ظل قيادة سعيد العامة للقوات المسلحة، وسعيه إلى تشكيل حكومة تعكس رؤيته لمستقبل تونس، سيراقب المجتمع المدني والكونغرس كيفية استخدام الرئيس التونسي للجيش، للتأكد مما إذا كان سعيد سيستمر باستغلاله بغية تعزيز أهدافه السياسية”.

شارك المقال