نواب طرابلس قبل الانتخابات: العدّ العكسيّ بدأ!

إسراء ديب
إسراء ديب

اعتاد أهالي مدينة طرابلس، كغيرهم من اللبنانيين، انتظار موعد حلول الانتخابات النيابية والحركة السياسية التي تسبقها من مساعدات ودعم مالي وإغاثي، للحصول على جزء ضئيل جدًا يكاد لا يُذكر من حقوقهم الرئيسية التي عمل النواب لسنوات على إهمالها وغضّ النظر عن أهميتها ووجودها، وذلك عبر تطبيق حكام لبنان مبدأ سياسة “التجويع”، التي يبدو أنّها دائمًا ما تكون “صائبة” وتؤتي بنتائجها وثمارها حتّى بعد مواجهة الفيحاء أصعب لحظات وظروف اقتصادية ومعيشية.

مَن يجول في المناطق الشعبية الطرابلسية، يُدرك تمامًا مدى الظلم والغبن اللذين تمّت مواجهتهما طوال السنوات الماضية، ولا يُصدّق أحد أنّ امرأة أكّدت لـ”لبنان الكبير” في منطقة شعبية وهي حارة البرانية، أنّها تنتخب فقط من يُقدّم لها “كرتونة بيض وبندورة”، لإطعام عائلتها المحرومة من لقمة العيش الكريمة.

قد لا تكون حال هذه السيّدة هي الوحيدة في طرابلس التي تطلب حاجتها ولا تجدها، بل هي حال الآلاف من المواطنين الذين شتموا السياسيين لسنوات، ومع قرب زمن الانتخابات، تراجعت بشكلٍ مفاجئ حدّة هذه الشتائم والغضب عند الكثير منهم. وما إن تبحث في تفاصيل هذا التراجع، سترصد مباشرة تدخّلاً (ولو بشكلٍ غير مباشر) للسياسيين الطرابلسيين في هذه المناطق الشعبية والضعيفة التي كانت توجّه الكثير من النداءات المختلفة لإغاثتهم، لكن لم يلبِّ أحد من القيادات السياسية الطرابلسية هذه الدعوات أبدًا.

وكانت المبادرة الأولى سجّلها منذ أيام النائب فيصل كرامي، الذي شارك في مهرجان أقيم في منطقة حارة البرانية، وكان لقاءً شعبيًا شهد حضورًا كثيفًا من المواطنين الذين “اجتمعوا لشكر كرامي على تقديمه مادة المازوت لهم منذ فترة لصاحب المولّدات الكهربائية في الحارة بعد حرمانهم من الاشتراك لأشهر”، وفق ما يقول أهالي المنطقة.

في الواقع، عاشت منطقة حارة البرانية كغيرها من المناطق الشعبية عتمة شاملة قبل أن تعلن مؤسسة كهرباء لبنان ذلك حتّى، فمع ارتفاع أسعار الاشتراك الكهربائي وتوقّف صاحب أحد المولّدات عن تقديم خدماته الكهربائية، عمد بعض الأشخاص إلى العيش على “الشمعة”، فيما حاول البعض الآخر العيش على البطاريات أو شراء مولّدات استخدمتها بعض العائلات والجيران بالاشتراك مع بعضهم البعض، تخفيفًا من حدّة الأزمة. ولجأ آخرون أيضًا إلى أحد أصحاب المولّدات في السوق أيّ خارج الحارة للحصول على التيّار.

الانتخابات الطرابلسية: التحدّي بدأ

ليست المرّة الأولى يقوم النواب الطرابلسيون بزيارات مفاجئة أو منظمة قبل الانتخابات النيابية للمناطق الشعبية، لكن يُؤكّد أحد الأوساط الطرابلسية أنّ هذه الزيارة التي قام بها كرامي لن تكون الأخيرة تحضيرًا لهذه الانتخابات، وأنّ زيارته للبرانية كانت قد “غُلّفت” على أنّها زيارة لشكره على تقديم مادّة المازوت، لكنه ضرب عصفورين في حجر واحد، فمع حاجة الأهالي الماسّة، كان كرامي هو الملبّي الوحيد لهذه الدعوة التي لم يكن المجتمعون لتلبيتها من المنطقة فحسب، إذ حضر أناس من القبّة وغيرهم من الميناء، أيّ أنّها زيارة تمّت دعوة مختلف المواطنين إليها، كما أنّ هذا المازوت لم يكن مجانيًا، بل دفع ثمنه صاحب المولّدات في المنطقة”، وفق ما يقول لـ”لبنان الكبير”.

وإذ يعتبر أنّ منطقة حارة البرانية فيها العديد من الانتماءات السياسية مما يجعلها نقطة جاذبة للسياسيين في هذه المرحلة الحساسة، يُشدّد على أنّ بعض الداعين إلى هذا المهرجان كانوا ينتمون إلى تيّارات سياسية تختلف عن “تيّار الكرامة”، لكن منذ فترة وجيزة عادوا واختاروا السير مع هذا التيّار الذي يعتبر، ولو بشكلٍ غير مباشر، أنّ عودته السليمة إلى هذه المناطق ستكون ضربة لـ”تيّار المستقبل” في طرابلس من جهة، وضربة أخرى لكلّ نواب وقيادات طرابلس الآخرين الذين يُسجّلون غيابهم أيضًا في ظلّ استمرار غموض بعض التيارات والشخصيات السياسية حول مشاركتها في الانتخابات، من جهة ثانية”.

يُمكن القول، أنّ مشاركة كرامي في هذا المهرجان حصدت أكثر من ردّ فعل سلبية وأخرى متناقضة، لا سيما مع رفض الكثير من أبناء المدينة تقبّل إتمام هكذا استقبالات زُيّنت من أجلها المنطقة بصور وزينة مختلفة مع تشغيل الأغاني المناصرة له، في ظلّ الأزمة التي يعيشها الطرابلسيون في الآونة الأخيرة، كما اعتبر البعض أنّ الشعب بمعظمه بات “مبرمجًا” على تقبّل هذه التحرّكات “على الرّغم من معرفتهم بأهدافها خطوة بخطوة”، وفق ما يقول بعض الأهالي في منطقة البرانية لـ”لبنان الكبير”.

لكن مع حال الغضب الشعبية التي ظهرت مع استقبال أهالي الحارة كرامي، ظهر عدد من الناشطين إعلاميًا، ليُؤكّدوا أنّ أهالي البرانية يدعمون بعضهم بعضًا حتّى لو كانت آراؤهم مختلفة سياسيًا، لكنّهم يعتبرون أنّ ضيوفهم لهم قيمة كبيرة وسيستقبلونهم بحفاوة مهما كلّفهم الأمر، معتبرين أنّ أهالي البرانية يُعانون الإهمال الكبير من القوى الرسمية، وبالتالي إنّهم لن يُمانعوا دعمهم من أيّ قوى سياسية قد تُساعدهم قليلًا على مواجهة أزماتهم ولو بـ”ربطة خبز”!

عروس الثورة استسلمت؟

يعتبر مراقبون أنّ التحرّكات الشعبية لم تنتهِ بعد، والتوجه إلى بيوت النواب والوزراء سيكون قريبًا للغاية، وذلك بعد الغلاء المعيشي الكبير الذي تشهده البلاد. ويقول أحد المتابعين لـ”لبنان الكبير”: “إنّ زيارات النواب التي سيقومون بها ستقتصر على المناطق والأحياء التي سيستفيدون منها مباشرة انتخابيًا، أيّ أنّها كلّها تصبّ لمصلحة مهرجاناتهم الانتخابية موقتًا، لكن في ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء مع غلاء مختلف أنواع المحروقات والمواد الغذائية، يُمكن التأكيد أنّ تحضيرات لاحتجاجات شعبية ستحصل قريبًا، لكن ليس أمام منزل كرامي كما كان يحصل في السابق، بل أمام منزل الرئيس نجيب ميقاتي، لا سيما بعد اختياره رئيسًا للحكومة، وأنّ أيّ نشاط أو قرار يُتّخذ سيُحمّلون مسؤوليته مباشرة لحكومته، وقد تُشارك تيارات سياسية في المدينة بطريقة غير مباشرة بهذه الاحتجاجات لتنفيذ ضربة ضدّ حكومة ميقاتي”.

ويضيف: “لقد استسلمت طرابلس منذ زمن وتخلّى أهلها عن ثورتهم، ليس بسبب ارتياحهم لهذه الظروف المُهينة، بل بسبب انشغالهم بنتائجها القاسية”.

شارك المقال