إيران و”الدومينو النووي” في الشرق الأوسط

حسناء بو حرفوش

نشر موقع مجلة “ذا ويك” (The Week) الأميركية مقالا حول تداعيات اقتراب إيران من الحصول على قنبلة نووية، متسائلا عن المساحة التي قد يتركها سيناريو تطوير قنبلة من هذا النوع، للاتفاق النووي والمحادثات في فيينا. ويجيب المقال على جملة من الأسئلة التي تتمحور حول وضع إيران النووي، وتأثير العقوبات الأميركية على مدى السنوات وتداعيات إيران النووية تحديدا في منطقة الشرق الأوسط.

ووفقا للمقال، “على الرغم من قدرة إيران المتنامية في هذا المجال، إلا أن إيران لا تمتلك حتى الساعة أسلحة نووية. وقد زادت من وتيرة سعيها لامتلاك سلاح نووي منذ انسحاب إدارة ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي والذي ربط تخفيف العقوبات بعمليات التفتيش النووي للأمم المتحدة. وتقف إيران على بعد حوالي شهر من إنتاج وقود كافٍ لسلاحها المنشود، لكنها قد تحتاج لوقت أطول من ذلك بكثير لبناء رأس حربي وتركيبه على صاروخ. ويعتقد بعض الخبراء أن الدولة ربما تحاول أن تصبح “دولة عتبة”، أي على وشك اكتساب القدرة على بناء أسلحة نووية متى ما أرادت ذلك، بينما يعتقد البعض الآخر أنها تسعى فقط لزيادة نفوذها في المفاوضات لإجبار الولايات المتحدة على العودة إلى الصفقة النووية ورفع العقوبات. وبيدو أن الاتفاق الأصلي بين إيران ومجموعة من القوى العالمية، حصر تخصيبها لليورانيوم بنسبة لا تتعدى 4%، أي بما يكفي لتشغيل محطة للطاقة النووية لكن ما يبعدها عن نسبة 90% المطلوبة لصنع قنبلة، يقال أن نسبة التخصيب وصلت إلى 60%، بالتزامن مع إعلان الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي استعداد إدارته للتفاوض (…). والجدير بالذكر أن رئيسي معروف بموقفه المتشدد ضد الولايات المتحدة، إذ يعتبر أن “نظام الهيمنة الأميركية فاقد للمصداقية وأن العقوبات الأميركية ضد إيران ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية”.

العقوبات ضد إيران

ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة استهدفت منذ العام 1979 إيران بعقوبات اقتصادية مختلفة، مع إطاحة الشاه واتخاذ موظفي السفارة الأميركية في البلاد كرهائن. في ذلك الوقت، جمّدت الولايات المتحدة ما قيمته 12 مليار دولار من الأصول الإيرانية. وعلى مر السنوات، ضاعفت مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة العقوبات أكثر من مرة لمعاقبة طهران على سعيها لامتلاك تكنولوجيا الأسلحة النووية. وبحلول العام 2010، كان الاقتصاد الإيراني يرزح تحت وطأة المعاناة الشديدة. وفي عام 2015، وفي محاولة يائسة لرفع الحظر الدولي على بيع النفط الإيراني، توصلت إدارة الرئيس حسن روحاني إلى خطة العمل الشاملة المشتركة مع إدارة أوباما والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا. حينها، استنكر المحافظون الأميركيون الصفقة التي اعتبروها متساهلة للغاية، وعلى الرغم من أن مفتشي الأمم المتحدة أكدوا التزام إيران، قام الرئيس ترامب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق السداسي وفرض أكثر العقوبات إضعافا في إطار سياسة “الضغط الأقصى”. بالنتيجة، ارتفع معدل التضخم في إيران في غضون عامين فقط إلى 40٪ وتضاعف معدل الفقر إلى 30٪.

ما هو تأثير العقوبات؟

بعكس ما قد يتوقعه البعض، عززت العقوبات الأميركية في الواقع قوة الحرس الثوري الإسلامي، الخاضع مباشرة للمرشد الأعلى والذي يؤيد البرنامج النووي. وعلى مر العقود، لم يتوافق الحرس الثوري مع الإصلاحيين المؤيدين للديموقراطية في إيران، لكن الإصلاحيين حصلوا على دعم شعبي كاف لتأمين الفوز بمقاعد في البرلمان وحتى بالرئاسة، ومارسوا دور الضابط لتطرف المرشد الأعلى. لكن عقوبات ترامب قوّضت هؤلاء الإصلاحيين من خلال إثباتها أن الولايات المتحدة ليست مفاوضًا موثوقًا به ودفع إيران للتسليم بغياب المنافذ المالية الدولية. ودفع ذلك الحرس الثوري شراء العقود المالية والنفطية التي استُخدمت للتهرب من العقوبات من خلال شركاته الوهمية. ثم سيطر الحرس الثوري على قدرة إيران على بيع النفط، مما عزز قوته ومكانته. وهذا ما مهد لوصول مرشح مناهض للولايات المتحدة إلى سدة الرئاسة.

ماذا عن بايدن؟

أما الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن فيسعى لإحياء الاتفاقية النووية، ووعد بـ”الامتثال الكامل” للولايات المتحدة في حال التزمت ايران بالصفقة. لكنه صعّد أيضًا التوترات من خلال فرض قيود جديدة ومنع إيران من استخدام أصولها الموجودة في البنوك الكورية الجنوبية واليابانية لشراء لقاحات كورونا، والضغط على المملكة المتحدة لوقف سداد الديون الإيرانية القديمة. في هذه المرحلة، فقد الإيرانيون ثقتهم بواشنطن. كما أضر الانسحاب الفوضوي من أفغانستان بصورة الولايات المتحدة كدولة تمتلك جيشا مهيبا، وخلق الشكوك حول استعدادها للتدخل في الخارج.

ما هي الخطوة التالية؟

يصر الرئيس الإيراني على أن بلاده ستستأنف المحادثات النووية المتعددة الأطراف في فيينا “قريبا”، لكنه لم يحدد موعدا دقيقا لذلك. ومع ذلك، تقترب البلاد مع مرور كل شهر، من تحقيق خرق نووي. وفي هذا السياق، يحلّل البعض أن طهران تماطل بانتظار اكتسابها القدرة على صنع قنبلة. وفي الجانب الأميركي، يخشى البعض فقدان واشنطن لقوتها.

وفي هذا السياق، شرح الديبلوماسي الأميركي دينيس روس في حديث لمجلة “فورين بوليسي” أن أميركا لا تمتلك حقا مستوى الردع الذي تحتاجه، سواء في القضية النووية أو في المنطقة، مشيرا إلى أنه “من الواضح أن الإيرانيين لم يعودوا يخافون منا”.

تداعيات إيران “النووية”

أخيرا، يمكن لإيران، في حال أصبحت دولة نووية، أو اقتربت حتى من تعريفها كدولة عتبة نووية، زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله. ويعتقد بعض المحللين أن امتلاك إيران لأسلحة نووية سيدفع دولا عربية أخرى وخصوصا تلك التي تنظر لإيران بعين المنافسة، للسعي المحتمل للحصول على النووي بدورها. لكن يجادل آخرون بأن “نظرية الدومينو النووية” هذه ليست معقولة، لأنها تتطلب من بعض الدول العربية تحدي أو حتى عزل حلفائها، كما ستتردد روسيا بالتفرج على سباق تسلح نووي في المنطقة. يضاف إلى ذلك التوتر بين إسرائيل وإيران والذي يترجم بدعوات آية الله خامنئي المتكررة لإبادة (الدولة) اليهودية على مدى العقد الماضي، وهجمات إسرائيل السيبرانية المتكررة ضد أنظمة الكومبيوتر الإيرانية واغتيال العلماء النوويين الإيرانيين. أما إن سجلت إيران تقدما أكبر هذه المرة، فقد تقوم إسرائيل بهجوم استباقي للمواقع التي يجري فيها تخصيب اليورانيوم وتطوير القنابل النووية”.

شارك المقال