ما هي أسباب الانهيار السريع لأفغانستان؟

حسناء بو حرفوش

لماذا سقطت أفغانستان بهذه السرعة؟ سؤال يجيب عليه الحاكم السابق للبنك المركزي الأفغاني وأحد كبار الباحثين في كلية كينيدي بجامعة هارفرد، أجمل أحمدي، في مقال بموقع مجلة “فورين أفيرز” (Foreignaffairs) الأميركية. ويسرد أحمدي الأسباب الداخلية والخارجية التي أدت إلى الانهيار، ليصل إلى خلاصة ترابط العوامل التي حالت دون صمود البلاد أمام المد الطالباني مقابل الانسحاب الأميركي المفاجئ.

وبحسب أحمدي، “(…) عانت الحكومة الأفغانية على مدى سنوات طويلة من عواقب الاقتتال الداخلي والفساد وقلة أو انعدام الخبرة واستغلال مسؤولي الأمن القومي وقادة إنفاذ القانون لمناصبهم في السلطة. ومن ثم، ساعد اتفاق الدوحة في تهيئة الظروف لانهيار أفغانستان حيث تلقت الحكومة ضربة قاضية عندما وقعت واشنطن اتفاق سلام في الدوحة مع طالبان في شباط 2020. وعندما اتخذت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي القرار بالخروج من البلاد، بادر اللاعبون الإقليميون الآخرون، وتحديداً باكستان، باتخاذ خطوات إضافية من أجل تحويل ميزان القوى لمصلحة طالبان. ووسط هذه التغييرات التي تعصف بمستقبل البلاد، استمر الأطراف السياسيون الأفغان بالتنافس على السلطة بدلاً من التحضير لأسوأ السيناريوات.

(…) وإذ أعرب الرئيس أشرف غني عن إحباطه من عدم مناقشة الجنرال الأميركي أوستن ميلر، قائد القوات الأميركية في أفغانستان لتفاصيل الانسحاب حتى مغادرته في 12 تموز (…) مهد مزيج من الشعور بخيانة الولايات المتحدة وبعدم ثقة القادة الأفغان بهذا الطريق أمام الانهيار السريع للحكومة (…) أضف إلى ذلك العداوة المعروفة بين زلماي خليل زاد وغني (…) ومع ترك غني والحكومة الأفغانية على الهامش، ساهمت صفقة الدوحة بأسوأ نتيجة ممكنة، وكان من الأجدى لو خرجت القوى الأميركية ببساطة، بدلاً من توقيع اتفاق مع طالبان وهي في طريقها للخروج.

وزادت الأمور تعقيداً مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن بعيد وصوله إلى البيت الأبيض التزامه بتعهد دونالد ترامب بالانسحاب من أفغانستان (…) أما التنفيذ فأتى مخالفاً لنصائح الاستراتيجيين الأفغان والقيادة العسكرية الأميركية (…) ونظراً إلى اعتماد قوات الأمن الوطني الأفغانية على الدعم اللوجستي والجوي الدولي، أضعف قرار الانسحاب المفاجئ من قدراتها بشكل كبير. ومن جهة أخرى، تمتعت طالبان بدعم خارجي متواصل، وخصوصاً من باكستان (…) ولعل أهم مساهمة لباكستان كانت بتوفير الملاذ الآمن لطالبان (…) يضاف إلى ذلك الدور الذي اضطلعت به الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، فقد وافقت الصين على دعم باكستان لطالبان، بهدف مواجهة المصالح الهندية المتصورة في أفغانستان والمساعدة في ضرب موثوقية الولايات المتحدة. أما إيران فلطالما عبرت عن الاستياء من ضغوط الولايات المتحدة على البنك المركزي الأفغاني (…) ومن بناء السدود على طول الأنهار الأفغانية التي تتدفق إليها. كما دعمت روسيا حركة طالبان وشرعت الشرعية من خلال مجموعة موسكو، والمفاوضات التي جرت بين طالبان والحكومة الأفغانية باستضافة روسية، بهدف تقويض الحكومة الأفغانية.

وبسبب ضعفها، لم تتحمل الحكومة الأفغانية ممارسات القوى الخارجية. ولكن في الداخل أيضاً، شكل نهج غني للحكم جزءاً من المشكلة. فقد ركز على تنمية الدولة على المدى الطويل أكثر من اهتمامه بإرضاء الجهات السياسية المحلية (…) وبالنتيجة، تُرك مع عدد قليل جدًا من الحلفاء لأنه اعتمد من ضمن سياسات أخرى مركزية صنع القرار والقيادة الموحدة للجيش. ولو أن غني حظي بالمزيد من الدعم الخارجي ومن الوقت في منصبه، لكان نهجه المرتكز على الدولة هو النهج الصحيح للبلاد. لكنه أخطأ في حساباته وفي معارضة كل من الفاعلين السياسيين المحليين والدوليين لسياساته. كان بإمكانه التعلم من فشل استراتيجية الملك الأفغاني في العام 1919.

لكن الأمر لا يتعلق بغني فقط. فبينما تفاوضت الولايات المتحدة مع طالبان ومن ثم المد الطالباني في كل أنحاء البلاد وصولاً إلى كابول، لم يبادر السياسيون الأفغان الآخرون، مثل عبد الله عبد الله وكرزاي وعمر زخيلوال وغيرهم بتقوية الحكومة الأفغانية وركزوا بدلا من ذلك على مستقبلهم السياسي الخاص (…) معتقدين أن تقاسم السلطة مع طالبان سيؤدي لنتائج سياسية أفضل. لكنهم خسروا من الجهتين: أضعفوا البلاد ولم يحصلوا على أي منصب في حكومة طالبان الجديدة. وحدث كل هذا على خلفية الفساد، وهو محرك محلي رئيسي آخر لإضعاف الدولة (…) على الرغم من أن أفغانستان أحرزت تقدما تدريجيا بطيئا على هذه الجبهة (…) من الواضح أن إجراءات الإصلاح كانت قليلة جداً وأتت متأخرة للغاية. كما لا بد من التوقف عند الفشل القيادي بين مسؤولي الأمن. صحيح أن قوات الأمن الوطني الأفغانية قاتلت بشجاعة على مدى العقدين الماضيين، لكن مستشار الأمن القومي حمد الله محب، أحد المقربين من غني، لم يتمتع بخلفية عسكرية أو استخبارية (…) علاوة على ذلك، أدت التغييرات المتكررة على مستوى القادة العسكريين إلى المزيد من الارتباك والتحولات المستمرة في الاستراتيجية.

إخفاقات مترابطة

أخيراً، لا يمكن تحميل أي من العوامل المذكورة المسؤولية حصراً عن انهيار الدولة الأفغانية. فالحقيقة أنها تفاعلت جميعها بطرق قاتلة في نهاية المطاف. لقد تفاقم فشل القيادة في قطاع الأمن الأفغاني، على سبيل المثال، بسبب قرار بايدن الذي لم يقتصر على الانسحاب السريع لما تبقى من القوات الدولية، بل شمل أيضاً جميع المتعاقدين معها. وفي مثال آخر، توقفت الولايات المتحدة عن شراء طائرات هليكوبتر روسية الصنع من طراز Mi-17 للجيش الأفغاني قبل ثلاث سنوات فقط، وتحولت إلى طائرات “يو إتش-60 بلاك هوك” الأميركية الصنع. ولكن لم يتسنَّ للطيارين الأفغان وأطقم الصيانة الوقت للتدريب الكافي على تشغيل أسطول المروحيات الجديدة وهي أكثر تقدماً وتعقيداً. وبالتالي، مع انسحاب القوات الدولية، انخفضت قدرة الجيش الأفغاني على إبراز القوة من خلال سلاحه الجوي بشكل كبير (…) ويحتم هذا الوضع الاستمرار بمناقشة أسباب الانهيار السريع للدولة الأفغانية لأن فهم هذه الأسباب سيسمح في نهاية المطاف، للآخرين بالتعلم من هذه التجربة وبصوغ استجابات سياسية مناسبة. ولكن في غضون ذلك، سيتحتم على المواطنين الأفغان تحمل عواقب قرارات لا ناقة لهم فيها ولا جمل”.

شارك المقال