هل تفتح الانتخابات العراقية طريق التغيير في لبنان؟

راما الجراح

يبدو أننا أمام مشهد سياسي جديد في العراق، تتجسّد أحداثه بالنتائج الأولية للانتخابات التشريعية العراقية المبكرة، والتي حصدت فيها “الكتلة الصدرية” المركز الأول بـ73 مقعداً من 329، مقابل التراجع الملحوظ لمنافسها في تحالف “فتح” الذي تشير النتائج الأولى إلى خروجه خالي الوفاض تماماً، إلا من بعض المقاعد التي قد لا تزيد على 14 مقعداً بعدما كان يمتلك 47 مقعداً في الدورة البرلمانية الماضية، مقابل امتلاك الصدريين في الدورة عينها 54 مقعداً.

وشكلت النتائج مفاجأة وصدمة لدى الكتل الشيعية الموالية لإيران، وذلك بعد عامين من موجة احتجاجات مناهضة للحكومة اجتاحت العراق. وقد أدّلى العراقيون بأصواتهم لاختيار برلمان جديد يُحاكي طموحاتهم أملاً بالتغيير الذي طالب به الشعب في الساحات وبين الأحياء، مع العلم أن دماء مئات الشهداء المعارضين الذين سقطوا خلال الاحتجاجات في العراق منذ عام 2019 ما زالت شاهدة على قيامة شعب استنزف طاقته ليرفع الظلم عن نفسه، ويؤكد ذلك في صناديق الاقتراع.

يكاد يجزم كثير من المحللين والناشطين السياسيين أنّ لبنان والعراق يمضيان بخطى متساوية منذ سنوات، بدليل الانتفاضة الشعبية صيف 2019 التي ما كادت تندلع في بغداد حتى سُمع صداها في بيروت، ونزل الناس إلى الشوارع، رافعين شعارات “التغيير” عينها تقريباً، عدا عن نماذج الفساد المتشابهة، وأداء الحكومات، فهل النموذج العراقي الانتخابي سيُثمر في لبنان وينعكس على نتائج الانتخابات المُبكرة التي من المتوقع أن تجري في شهر آذار 2022؟

التغيير بمعالجة سلاح “حزب الله”

يصف نائب رئيس تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش واقع الحال الذي يعيشه لبنان بتجرد، بعيداً من المناكفات السياسية والمنافسة الإنتخابية المقبلة، ويقول لـ”لبنان الكبير” إن “الأمور ليست واضحة بشكل كامل حتى اليوم، لأنه عندما كنا نملك أكثر من 50% من الشعب اللبناني والبرلمان اللبناني معارض لطهران، كان وجود القوى المسلحة يطغى دائماً على المشهد وأدت إلى تغيير المعادلة الديموقراطية، وفي العراق أتخوف من عودة المعادلة المسلحة من الحشد الشعبي وغيره لضرب المعادلة الديموقراطية من جديد، لأن السلاح أقوى من الكلمة”.

وفي سياق الحديث عن الانتخابات المقبلة، يشير إلى أنه “لا أتوقع أي تغيير جذري داخل البيئة الشيعية، وإذا اعتبرنا أن التيار الوطني الحر محسوب على قوى 8 آذار فلا بُد من أن نلمس تغييراً، وأيضاً أتوقع أن يكسب “حزب الله” مقاعد وأصوات على حساب حركة أمل إلا إذا حصل توافق بين الطرفين على هذه النقطة تحديداً”. ويختم علوش حديثه: “في الانتخابات المقبلة لا مصلحة لأحد ببناء التحالفات بسبب النظام الانتخابي النسبي، وكُنت قد تأملت خيراً بالحراك المدني، وأدعو للتغيير الجذري منّا وجر، لكن في حال لم تعالج قضية سلاح المقاومة سنصل إلى نتيجة تغييرية هامشية وكأن شيئاً لم يكن”.

التغيير كبير وصناديق الاقتراع ستشهد!

تختلف النظرة إلى الانتخابات بالنسبة إلى حزب الكتائب اللبنانية، إذ توقع النائب السابق إيلي ماروني أن يشهد لبنان تغييراً كبيراً ولا يستبعد استنساخ التجربة العراقية في لبنان، ويقول: “منذ بداية 17 تشرين حتى اليوم رهاننا على التغيير في صناديق الاقتراع، فالثورة لا تعني فقط النزول إلى الطرقات، وإطلاق شعارات تُنادي بإسقاط النظام والتغيير الجذري، إنما تتجسد حقيقتها عندما نلمس هذا التغيير في صناديق الاقتراع من أجل بناء لبنان الجديد”.

ويضيف: “نتمنى تطبيق التجربة العراقية في لبنان وتعميمها، لأننا جميعاً لمسنا مدى تحكم حزب طهران بزمام أمور السلطة التي نعتبرها فاشلة، الأمر الذي أوصل البلاد إلى إرتفاع نسب الفقر فيها وهجرة مواطنيها، ونحن الذين ما زلنا متمسكين بأمل التغيير لم يبقَ أمامنا سوى بناء آمالنا على رهان التغيير في صناديق الاقتراع”.

ويختم ماروني: “اليوم تغير الواقع على الأرض، وأصبح هناك رفض لممارسات العديد من الأحزاب، وسنشهد تحجيما لأحزاب كبيرة في لبنان في حال كانت الإنتخابات حرّة ونزيهة، وتُقام بإشراف دولي، ونُشدد على أننا كحزب كتائب لن نتحالف مع أي حزب سياسي أو مؤسسة سياسية قديمة كان لها يد في الفساد، إنما سيكون تحالفنا مع المجتمع المدني مباشرة”.

لا تغيير!

بالنسبة إلى قوى 8 أذار، المشهد عينه لا يتغير مهما تغيرت الظروف وعصفت بهم الأحوال، بكل أسف يبقى تفكير الهيمنة والمؤامرة على إيران وحلفائها في المقدمة، وبرأي عضو كتلة الوفاء للمقاومة الوليد سكرية أن “أميركا تضع يدها على السلطة السياسية في العراق، وهي من أدارت الحراك في لبنان والعراق بهدف إحداث تغيير سياسي ضد طهران، وهدفها الدائم هو ضرب القوى الحليفة لإيران وكل من يُعادي إسرائيل، مستغلة الثغر الموجودة في الانقسام الذهبي والفساد”.

يناقض سكرية نفسه في سياق الحديث عن نتائج انتخابات العراق وتقدم الصدريين على حلفاء طهران، مُبرراً أسباب هذا التقدم بالثناء على تكتل الصدر بطريقة يمكن أن تكون عن غير قصد، فيقول إن “التيار الصدري يتصدر النتائج الأولية لأنه نادى بالعراق أولاً، غير مكترث لموضوع إيران وأميركا وغيرهما من التدخلات الخارجية للدول، وهمه الأول راحة الشعب العراقي وتأمين أساسيات العيش الكريم”! مما يؤكد خطورة المشروع الإيراني غير الهادف لقيام مجتمعات آمنة!”.

ويؤكد في الختام أن “مقاعد كتلة الوفاء للمقاومة ستتزايد، لأن التركيبة لدينا في الوسط الشيعي تندرج تحت مُسمّى الـ”لا تغيير”، فنحن مجتمع متماسك، والحصار الأميركي الذي أوصل الناس إلى المجاعة وتفاقم أزمة المحروقات، استطاع “حزب الله” حلّها، فالانتخابات تقرر ولا يوجد قوى تستطيع مواجهتنا”.

بين التغيير الجذري الموعود، وعوامل بقاء المنظومة المعروفة عينها، الوقت لا يزال مُبكراً لمثل هذه الاستنتاجات، وجميع السيناريوات تبقى واردة حتى اللحظات الأخيرة. يبقى أمام عيوننا نموذج العراق الحالي، إما أن نتمثل به طمعاً بالتغيير أولاً وهذا الاحتمال يبدو ضئيلاً، أو سنشهد بعض التغييرات الهامشية على مستوى تغيير بسيط في عدد مقاعد تيار معين وهو الاحتمال الأكبر، وفي أسوأ الأحوال قد لا يحصل الاستحقاق الانتخابي استجابة لمصالح حزب سياسي حاكم.

شارك المقال