أذربيجان: رسالة تحدٍ لطهران ونصيحة لواشنطن

حسناء بو حرفوش

تستمر التوترات التي اشتعلت على الحدود بين إيران وأذربيجان بالتبلور بأشكال مختلفة وآخرها من خلال رسائل الترهيب والتحدي بين البلدين. ووفقاً لمقال في موقع “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) الأميركي، قامت أذربيجان أخيراً بتوجيه رسالة تحد لطهران.

وبحسب المقال، “لا شك في أن تموضع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إلى جانب طائرة مسيّرة من طراز “هاروب” يحمل رسالة لإيران. وفي الصورة التي جذبت عدسات المصورين، وضع علييف يدا بحنو على المسيّرة التي تصنع في إسرئيل والتي تصنف تقنيًا من ضمن “الذخائر المتسكعة”. وتقوم هذه المسيرة في المراحل الأخيرة من مهمتها، على غرار صواريخ “كروز”، بالاصطدام بأهدافها والانفجار لحظة الارتطام بها. أما في المراحل المبكرة من مهامها، تظهر كطائرة مسيّرة تتولى التحليق بشكل مفرط فوق ساحة المعركة بانتظار ظهور الأهداف. وتشتهر المسيّرات من هذا الطراز تحديداً في أذربيجان، على خلفية دورها في النصر خلال المعارك مع أرمينيا.

ويتزامن نشر صورة علييف الفوتوغرافية، مع انخراط طهران في الأسابيع الجارية، في حملة تسويقية ضخمة بهدف الترهيب، والتي تشتمل على تدريبات روتينية للبحرية الإيرانية على حدود أذربيجان. ولاقت هذه التدريبات ردود فعل مستاءة من الرئيس علييف الذي وضع بشكل علني نقاط استفهام حول توقيتها وموقعها. كما تساءل علييف لماذا لم تقع مثل هذه الحوادث خلال الثلاثين عاماً من استقلال أذربيجان. أما الضباط الإيرانيون فردوا بمطالبة أذربيجان بإنهاء تحالفها مع إسرائيل، ونقل عن وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان رفض التسامح مع أي وجود أو تمرين قد يتخطى الحدود ويستهدف من خلاله النظام الصهيوني أو (إسرائيل) الأمن الوطني الإيراني. كما هدد بالقيام بأي إجراء ضروري في هذا الصدد”.

“خوف إيراني مبرر”

وتعليقاً على الموقف الإيراني، يكمل كاتب المقال والباحث في معهد “هادسن”، مايكل دوران بالقول إن “خوف إيران من التطورات مع أذربيجان مبرر. فنظامها المالي في حالة من الفوضى والبطالة متفشية في البلاد. بينما تتمتع أذربيجان على النقيض من ذلك، بنظام مالي قوي وبجيش أقوى، ويمكن ربط ذلك جزئياً بالمساعدات التي تحصل عليها من (إسرائيل)، التي أمنت لها جسر إمدادات جوياً وبحرياً خلال المعركة التي نشبت في العام 2020 مع أرمينيا. أما في طهران، فينظر للتأثير الإسرائيلي في باكو بشكل متشائم وتحديداً بسبب الدور الاستثنائي الذي تتمتع به أذربيجان داخل المجتمع الإيراني. ويشكل الأذربيجانيون العرقيون، وهم أتراك أذربيجان الشيعيون، جزءاً كبيراً من سكان إيران، حيث تراوح نسبتهم بين 20% و 30%. ويتركز وجودهم في الجزء الشمالي الغربي من البلاد، على الحدود مع أذربيجان. وعلى الرغم من عدم تطور حركة انفصالية كبيرة في صفوفهم، إلا أن السخط منتشر، إضافة إلى مشاعر التضامن القوية مع أذربيجان والتي قد تطفو من حين لآخر إلى السطح.

أضف إلى ذلك أن السلطات الإيرانية افترضت منذ فترة طويلة أن (إسرائيل) تدين بالنجاحات التي حققتها في معركتها السرية ضد البرنامج النووي الإيراني، لشبكات أذربيجانية سرية. وفي العام 2012، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير الأذربيجاني واحتجت على المساعدة التي يعتقد أن أذربيجان قدمتها للمخابرات الإسرائيلية بعد قيام رجلين على متن دراجة نارية بتثبيت قنبلة مغناطيسية في باب سيارة العالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشان. وصحيح أن موضوع تلقي (إسرائيل)، سواء أكان حقيقياً أو لا، مساعدة مباشرة في عملياتها السرية يندرج في خانة التخمينات، لكن الإسرائيليين يعترفون بوضوح وبغض النظر عن السياق، بأن صعود أذربيجان يزعزع من استقرار الجمهورية الإسلامية. وعندما أدرك أفراد الأقلية الأذربيجانية في إيران أن طهران تعمل لصالح روسيا لإعادة إمداد الجيش الأرميني خلال المعركة، خرّبوا سيارات النقل وأطلقوا احتجاجات عامة. علاوة على ذلك، أبعد الانتصار التالي للجيش الأذربيجاني طهران عن دبلوماسية ما بعد الحرب داخل منطقة جنوب القوقاز. وبالتالي، لا تشعر إيران بهذا القدر من العجز على أي من مناطقها الحدودية الأخرى.

أما في ما يتعلق بالولايات المتحدة، فلا يمكن التغاضي عن الدور الذي قد تضطلع به بالنسبة لأذربيجان التي لا يتخطى عدد سكانها الـ 10 ملايين نسمة. وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن لعبت دوراً معيقاً في بعض الأحيان. على سبيل المثال، في العام 2012، عندما كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تغازل إيران، أطلع كبار الضباط الأميركيين الصحافة على التعاون البحري بين أذربيجان وإسرائيل بهدف إفشال هذا التعاون بشكل واضح. والآن تقوم واشنطن بمغازلة طهران مرة أخرى، وعلى الرغم من أنها لا تفعل شيئاً لعرقلة التعاون بين باكو وإسرائيل، إلا أن موقفها الهادئ بمواجهة العدوان الإيراني خلق بيئة ملائمة لاستمرار أعمال الترهيب التي تتعرض لها أذربيجان.

ومع ذلك، قد تحظى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بفائدة أكبر من خلال اتباع مثال (إسرائيل)، فالمزايا التي تعود على الولايات المتحدة من أذربيجان الصاعدة تفوق بكثير المتاعب بمواجهة إيران. فأذربيجان هي الدولة الوحيدة التي تؤطر كل من إيران وروسيا. وبإمكان باكو القوية والواثقة أن تشكل قوة بموازاة موسكو. ويوضح الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان أنه إذا أرادت الولايات المتحدة أن تبقى القوة الرئيسية في السياسة العالمية، فعليها أن تكتشف طريقة لردع الجهات الفاعلة السيئة في جميع أنحاء العالم ولكن مع إيلاء الحذر للتحالفات في الوقت عينه. وتتمثل إحدى أفضل الطرق لتحقيق الاستقرار في صياغة تفاهمات مثمرة تضم المواقع الدولية حيث تعمل الجيوش الناجحة، والتي لا تخشى الاستفادة منها.

أخيراً، لقد تعمد الرئيس علييف في اللحظة التي تموضع فيها وعانق مسيّرة “هاروب”، توجيه رسالة تحدٍ لإيران، لكنه بعث مع ذلك وعن غير قصد، برسالة إضافية تحمل توصيات حكيمة لواشنطن: التحديات المستجدة تقتضي تحالفات جديدة”.

شارك المقال