لماذا تتساهل بعض الدول مع سوريا؟

حسناء بو حرفوش

لماذا قررت بعض الدول العربية إعطاء مساحة أكبر لسوريا؟ سؤال يجيب عليه المحلل مايكل يونغ في مقاله بموقع “ذا ناشيونال”، مشيراً إلى الاعتبارات الجيوسياسية خلف قناع المساعدات الاقتصادية. ويلفت المقال إلى “زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الأسبوع الماضي إلى لبنان، والتي ربطها كثيرون بمحاولة طهران الاستفادة من الأزمة الاقتصادية في البلاد من أجل إحكام قبضتها عليها (…) وعلى الرغم من التعهدات الإيرانية بالمساعدة الاقتصادية للبنان ووصولاً إلى اقتراح إعادة بناء المرفأ، تبقى الزيارة سياسية بشكل بارز. فقد لمست إيران ووكيلها اللبناني بوضوح سعي جهات إقليمية ودولية عدة مثل فرنسا والولايات المتحدة ودول عربية مثل مصر والأردن وقطر وحتى سوريا، في العام الماضي للعب دور في الشؤون اللبنانية. ويطمح الإيرانيون لاحتواء مثل هذه المساعي من أجل الحفاظ على سيطرتهم داخل البلاد.

ومع ذلك، تظهر المقاربة المعتمدة من بعض الدول العربية، ولا سيما مصر والأردن، أنها تتقبل على ما يبدو عدم إمكانية تهميش إيران في بلاد الشام. وتبنّت مصر والأردن في مواقفهما تجاه لبنان وسوريا، استراتيجية براغماتية تتمثل في مضاعفة الحضور في الدول التي تسيطر عليها إيران، من أجل كسب المزيد من النفوذ واستخدامه في المساومة مع الإيرانيين. وهذا هو المنطق الكامن على ما يبدو، وراء القرار المصري والأردني المتعلق باستغلال خط الغاز الطبيعي العربي الذي يعبر الأردن وسوريا ولبنان لنقل الغاز المصري إلى لبنان من أجل توليد الطاقة. وبيد أن القاهرة وعمان صورتا هذه العملية كوسيلة لمساعدة قطاع الطاقة اللبناني المنهار، إلا أن الترتيب يرتبط بشكل أكبر بالحسابات الجيوسياسية والإقليمية.

وسيتعين كما بات معروفاً لدى الجميع، مرور الغاز بسوريا قبل وصوله إلى لبنان. وتخضع سوريا حاليًا لعقوبات بموجب قانون “قيصر” الموجه ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد بسبب جرائمه التي ارتكبها في زمن الحرب. ولكن يبدو أن العاهل الأردني الملك عبدالله نجح، خلال رحلته إلى واشنطن في تموز، بإقناع إدارة بايدن بتقديم إعفاءات للأردن ولبنان من أجل المضي قدما في المشروع من دون المخاطرة بتحميل البلدين وزر العقوبات بموجب القانون. وفي الواقع، تولت سفيرة الولايات المتحدة في بيروت، دوروثي شيا، نفسها الإعلان عن الخطة في آب الماضي. فما الذي غير نظرة الأميركيين للوضع في المنطقة؟ بحسب تحليل يونغ، يعتقد الأميركيون، على غرار عدد متزايد من الدول العربية، أن تفكك لبنان لن يخدم إلا إيران و”حزب الله” وحدهما. ولهذا تغيرت نظرتهم للوضع.

وعلى الرغم من أن العديد من الدول العربية لا تبدي استعداداً كاملاً بعد لعودة العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنها تظهر تقبلاً لمنح سوريا مساحة أكبر من ذي قبل، على افتراض أن مكاسب سوريا، وتحديدا في لبنان، ستقلص من هامش المناورة الإيراني وتجبر طهران على أخذ المصالح العربية الأوسع في عين الاعتبار. ولعل هذا ما يبرر التقارب السريع بين الأردن وسوريا في الأسابيع الأخيرة، والذي بلغ ذروته بصورة محادثة هاتفية بين الملك عبدالله والأسد في 3 تشرين الأول، بعد إعادة فتح معبر جابر الحدودي بين البلدين في 27 أيلول. كما تجدر الإشارة إلى أن الملك تحدث عن تغيير سياسي وشيك في مقابلة مع الإعلامي فريد زكريا من قناة “سي إن إن”.

ومن الواضح أن سياسة عزل الدول العربية التي يبرز فيها نفوذ طهران، لم تأت إلا بنتائج محدودة. لا بل وأكثر من ذلك، سمح هذا العزل لطهران بتعزيز سلطتها داخل تلك البلدان، علماً بأن الوضع على الأرض مناسب لانتهاج سياسات عربية أكثر إبداعاً في ما يتعلق بالشؤون السياسية والمجتمعية. على سبيل المثال، هيمن “حزب الله” في لبنان لأن الدول العربية عزلت هذا الاخير والسنة الموجودين فيه بنسبة توازي وجود المواطنين الشيعة، لاعتقادها أن البلاد قضية خاسرة. لكن ذلك قد يكلف خسارة كبيرة لفرصة سياسية. ويعيد المصريون والأردنيون وسواهم، النظر في فوائد ممارسة الضغط الخارجي، خصوصا وأنهم يدركون أن النتائج لا تصب في خانة التغييرات المنشودة إلا نادرا. كما يستغلون في الوقت نفسه، حقيقة أن الولايات المتحدة لا تعتبر الشرق الأوسط أولوية كما في السابق، وبالتالي تبدي استعداداً أكبر للسماح للجهات الفاعلة الإقليمية بإقامة توازن القوى في ما بينها، وفقًا لشروطها الخاصة.

ولا شك في أن زيارة اللهيان تعكس فهم الإيرانيين لارتباط الطموحات الإقليمية بالدفاع عن مصالحهم في جميع أنحاء العالم العربي، في لبنان وسوريا والعراق وربما حتى اليمن. وقد أصبح الشرق الأوسط الذي يشهد عودة إلى السياسة، مجالا مفتوحا لتنافس الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. ومع أن هذا التنافس قد يبدو جديدا مقارنة بالثلاثين عاما الماضية، منذ نهاية الحرب الباردة وهيمنة الولايات المتحدة، إلا أنه متجذر في الأصل في تاريخ المنطقة، وبشكل خاص في بلاد الشام، التي لطالما شكلت ساحة معارك لإمبراطوريات المنطقة أو القوى الكبرى. وبالتالي، ليس من المستغرب أن تسعى القوى الديناميكية اليوم لملء الفراغ الذي خلفته إمبراطورية الولايات المتحدة من خلال انسحابها المتعمد”.

شارك المقال