الحساب الغلط…

علي نون
علي نون

…حتى قواعد الحساب الابتدائية والبسيطة يمكن أن تكون غلطاً في نواحينا. إذ إن القول السارح على كل هدى ممكن في هذه الأيام يفيد (أو يضر!) بأن نحو خمسة وتسعين بالمئة من أسباب الإغلاق والإقفال في تشكيل الحكومة، مصدرها الداخل اللبناني، وأن الخمسة بالمئة الباقية تعود إلى أصول خارجية، أي إلى قرار طهران الواضح بمسك أوراقها واستخدامها على طاولة التفاوض مع الأميركيين أولاً وثانياً وثالثاً ثم مع الأوروبيين رابعاً.. وصورياً.

وهذا أمر سبق وأن كان وصار. ودفع لبنان واللبنانيون معه أغلى الأثمان ولا يزالون! حيث يعرف الكبير والصغير أن الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية بقي مستمراً على مدى سنتين ونصف السنة تقريباً، لأن إيران “قررت” وتابعها عندنا نفّذ قرارها الإمساك بالموقع الدستوري والسيادي الأول من خلال العمل لانتخاب (الرئيس اللاحق) ميشال عون رئيسًا… وإن ذلك الفراغ استمر واستشرى وكادت أضراره تفوق الأضرار الراهنة لو لم يحصل الاختراق التاريخي في المفاوضات مع إدارة السيئ باراك أوباما وما أنتجه ذلك من اتفاق بادل “شؤوناً نووية” برفع الجزء الأكبر من العقوبات المالية والاقتصادية والتجارية عن إيران .

بهذا المعنى، كان انتخاب عون جزءاً من ذلك الاتفاق – الاختراق الإيراني – الأوبامي. مثلما كان تصعيد طهران لسياساتها العدائية المشكو منها في دول الجوار والمحيط العربي والإسلامي… وفي واقع الحال، استشرست القيادة الإيرانية في سعيها الخارجي المحموم ذاك، ولم تسأل عن أحد طالما أنها كسبت الرهان وأعطت الأميركيين والغربيين ما يريدونه من أمور تتصل بما يسمى المشروع النووي في مقابل إطلاق يدها أينما شاءت وقدرت وتمكنت! أي أن السيئ أوباما (أولًا وأساساً) أعطى طهران من كيس غيره وهي أخذت ما لا تستحقه لا شرعاً ولا حقاً، على جاري القول المأثور والمنقول والمعلوك!

جاء ترامب وقلب عاليها سافلها لكنه راح قبل أن يصل قطاره إلى المحطة المرتجاة، أي إلى إجبار إيران على تغيير سياساتها الإقليمية والدولية والعودة إلى التزام المعايير الحاكمة للعلاقات بين الدول والبشر! والكف عن التدخل في شؤون الغير بحثاً عن نفوذ فوق حطام ذلك الغير… ثم الكف عن التنطح للعب أدوار الدول الكبرى، حيث لا يركب ذلك في خانة واحدة مع أوضاعها وقدراتها اقتصاديًّا وماليًّا وعلميًّا وعسكريًّا وفضائيًّا ونوويًّا بطبيعة الحال.

…عدنا مع إدارة جو بايدن إلى المربع الأول أو نكاد! وعادت طهران إلى سياساتها وأدائها “الأوبامي” مع بعض التغييرات الشكلية… وعاد الهم الأميركي والغربي المدعى ليركز على المشروع النووي الذي تفلتت طهران من بنود الاتفاق عليه! وعاد “الاستقرار” إلى منظومة التفاوض وفذلكته، أي إلى بدء الإيرانيين الضغط على الأرض خارج فيينا لإسماع دوي مواقفهم داخل فيينا: من تصعيد الجماعة الإرهابية الحوثية اعتداءاتها على السعودية، إلى عودة التفجيرات المتنقلة ضد التحالف الدولي في العراق… إلى “عودة” بعض الحكي عن داعش واستحضاره في أماكن عدة، وغير ذلك من متفرقات على النمط ذاته… وصولًا إلى لبنان! حيث الظن الكئيب (والله أعلم) هو أن حكومتنا كانت أبصرت النور بسرعة قياسية غداة تكليف الرئيس الحريري لو كانت نتيجة الانتخابات الأميركية غير ما ظهرت عليه.

وهذه حسبة تأخذها إيران كما هي ولا تعني (أعزّكم الله) أن جماعتنا الوطنية تابعة لمستر ترامب! لكن شئنا أو لم نشأ، كنا بالمعنى العام ولا نزال ورقة من بين رزمة أوراق تمسكها إيران في يدها وتستخدمها لصالحها على كيفها وحسب مقتضيات ذلك الصالح! وهي في المفاوضات الجارية حاليا ًفي فيينا، لا تتوقف ولا تسأل ولا تهتم بمعاناة أهل تلك الأوراق حتى لو كان من ضمنهم من هو تابع مطيع لها فكراً وعقيدة وسياسة ومالاً وتسليحاً ..الخ !

كثرة ضجيج الجماعة العونية الباسيلية وعلكها وجموحها وغلوائها، لا تغير في قناعة صاحب هذه القناعة! والحاصل هو أن هذه الجماعة تسرح في الوقت الفاصل عن معرفة الأخضر من الأحمر في فيينا! وقبل معرفة نتيجة ما يحصل بين إيران وإدارة بايدن… وذلك في جملته الإيراني والمحلي الخاص بثنائي “حزب الله” والجماعة العونية، يدل على أصل الموضوع وفصله والباقي هوامش للزينة حيث بناء النفوذ والتحكم والسيطرة والسلبطة لا يتم وفق أي معيار عادي وطبيعي وسلمي ومدني ومؤسساتي بل بتوسل العكس في كل النواحي، من التدمير المباشر للدول والمؤسسات والعمران إلى تشليع عناصرها البشرية وأخذها إلى القحط والإملاق والذل ومشتقاته الكثيرة… ولا يختلف الأمر كثيراً، إن كان صاحب السعي ولياً مقتدراً في طهران يسعى وراء رؤياه ومشروعه، أو رئيساً في لبنان يسعى وراء تحويل زويعيم صغير إلى قصة كبيرة!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً