الحزب والقوات في “كمين الطيونة”

محمد نمر
محمد نمر

لم تنفِ “القوات اللبنانية” في بيانها علاقتها بمسلحي عين الرمانة بل رفضت اتهامها بـ”القتل المتعمد”، ووضع قياديوها ما حصل في إطار “الدفاع عن النفس” ضد “اجتياح حزب الله” للمنطقة. في المقابل، روّج “حزب الله” فكرة “كمين القناصين”، فغالبية الضحايا سقطوا جراء استهداف الرأس والقلب.

في كل الأحوال، وبعيداً من تحديد المسؤوليات، ثمّة طرفان مسلحان أعادا للبنانيين مشاهد الحرب الأهلية. ومهما كانت المطالعات الدفاعية فإن 14 تشرين الأول هو يوم سقوط الدولة والقانون وإحياء منطق الميليشيات.

وإذا ثبت ارتباط “القوات” بقناصي عين الرمانة، فيكون “حزب الله” قد نجح باستدراج “القوات” إلى ملعبه، وبإدخال طرف آخر مسلّح في لعبة تطيير تحقيق المرفأ… نجح في لعبة “الرصاصة الأولى”. فما تضمّنه بيان قيادة الجيش الأول وكلام وزير الداخلية بسام المولوي كان واضحاً في تحميل الجهة الاخرى (القنّاصين) مسؤولية اطلاق الرصاصة الأولى على “متظاهرين سلميين”، إضافة إلى تصريح “جريء” من المولوي يشير فيه إلى أن الضحايا من طرف واحد (“حزب الله” و”أمل”). 

نجح “حزب الله” في ايجاد قضية تواجه المرفأ. شهداء هناك وشهداء هنا. تريدون العدالة ونريد العدالة. نجح في جرّ أحد الأطراف السياديين إلى منطق الميليشيا، إلى اللادولة واللاقانون، إلى منطق لطالما واجهناه، منطق “إذا لم تدافع عنا الدولة فسندافع عن أنفسنا”. جرّ القوات إلى ملعبه وهو الشارع، وأدواته وهي الـ”بي كا سي” و”القناصات” و”الرشاشات” وقذائف الـ “ار بي جي”.

قبل الطيونة بالنسبة إلى “حزب الله” ليس كما بعدها، ففي شويا دفع ثمناً معنوياً كبيراً بمعاقبة “مقاوميه” وفي خلدة دفع دماء بردت (للاشارة لم يكن في خلدة قصر عدل)، وفي الطيونة فإن الامر مختلف. ورغم الدماء ومنطق الخاسر والرابح عسكرياً، فإن “حزب الله” لن تمنعه معارك الطيونة – عين الرمانة من “قبع بيطار من مكانه”.

قبل الطيونة كان “حزب الله” محشوراً في الزاوية التي نعرفها. ميليشيا لا تحترم القانون ولا تعترف بقضاء (محلي أو دولي). كان مكشوفاً أمام الرأي العام بأنه يهدد قضاة ويرفع إصبع الشروط ويعطّل مجلس الوزراء من دون “ثلث معطّل” لتحقيق هدفه. 

بعد الطيونة امتزج الدم مع السياسة والسلاح من جهة، وامتزج الدم مع السلاح والشعبوية من جهة اخرى. أما ملف تفجير المرفأ فامتزج مع الأسيد وإلى الذوبان. سقطت ضحايا ودماء العدل وتأججت الطائفية، وعشنا مظاهر الحرب الاهلية، فيما أنظار الطرفين نحو عدّاد أصوات الانتخابات. كم صوت مسيحي وكم صوت شيعي؟

إنها لحظة حقيقية، لتكرار الحاجة إلى نزع “ترسانة حزب الله العسكرية” ونزع السلاح غير الشرعي من يد الأحزاب… كل الأحزاب.

وفي صلب القضية، تأخّر رئيس “القوات” في الحديث عن رفع كل الحصانات، فلو كان القاضي بيطار قد بدأ الاستدعاءات والتوقيفات برئيس الجمهورية حتى اصغر موظف لما وصلنا إلى هذه الحال. ولو اتجه لبنان إلى تحقيق دولي لما اغرق القضاء المحلي لبنان بهذا الانقسام. 

البيطار ليس بطلاً ما دام أنه لم يستدعِ رئيس الجمهورية. و”حزب الله” ليس ضحية ما دام أنه ميليشيا وفوق القانون ويهدد القضاء. و”القوات” ليست “أم الصبي” ما دامت استعادت سلاحها ووقعت في فخ “السلاح بوجه السلاح”، وميشال عون ليس رئيس جمهورية ما دام أنه يرفض تحمّل المسؤولية.

البطل الوحيد في هذه البقعة الجغرافية هو المواطن اللبناني الذي يدفع الثمن دماءً وذلاّ وحرماناً وفقراً، هو الخاسر الأكبر إلى جانب الدولة والقانون والقضاء والسيادة.

شارك المقال