اهتزاز أعمدة الهيكل!

رامي الريّس

ليست الحساسيّة الاجتماعيّة والطائفيّة لمحلة الطيونة- عين الرمانة وحدها مسؤولة عن إيقاظ مشاعر الرعب المقززة، بل أيضاً سرعة انتشار المظاهر المسلحة التي تسيطر على الأرض بسحر ساحر في خلال دقائق معدودة. بسرعة، تتمظهر الجماعات المسلحة وتكشّر عن أنيابها، وبسرعة يرتفع منسوب التوتر الطائفي بطبيعة الحال.

وليس التصادف المكاني والجغرافي في محلة عين الرمانة هو عنصر القلق الوحيد لتماثله مع حادثة الحافلة الشهيرة في المنطقة ذاتها التي كانت الشرارة الرسميّة لانطلاق الحرب الأهليّة سنة 1975. ثمّة ما هو أعمق من ذلك بكثير.

الاستيقاظ الجماعي السريع لذاكرة الحرب إنما يعكس الهشاشة التي طويت فيها صفحة الحرب الأهليّة سنة 1990 ويعكس أيضاً انعدام الثقة المواطنيّة بمشروع دولة غير مكتمل ينقصه الكثير من العناصر قبل أن يصبح دولة حقيقيّة تمارس وظائفها السياسيّة الطبيعيّة في السيادة وتثبيت الهويّة والعلاقات الخارجيّة وقرارت الحرب والسلم والخطة الدفاعيّة وسواها من العناوين الوطنيّة الكبرى.

ثمّة مبدأ لا يمكن إشاحة النظر عنه ألا وهو فصل السلطات وتوازنها وتعاونها. إنه مبدأ عام يُكرّس في الدساتير والمواثيق الديمقراطيّة وهو يرمي لمنع تدخل السلطات بعمل بعضها البعض. القضاء قضاء، الحكومة حكومة والبرلمان برلمان.

على رغم كل مشاكله المتراكمة تاريخيّاً، ثمّة طابع خاص للنظام اللبناني. من النواحي السلبيّة الأساسيّة هو تداخل العناصر الخاصة لدى بعض الفئات اللبنانيّة مع ما يُفترض أن يكون المصلحة الوطنيّة العليا. المثال الأخير الحي هو الطلب الذي وُجه من حزب سياسي إلى الحكومة لإطاحة محقق عدلي لمجرّد أنه قارب ملفات لا تعتبرها تتلاقى مع مصالحها.

إن الاستقواء على الدولة واستضعافها وتهميش دورها إنما ينذر بمزيد من الانهيارات إذ لم يبق من الدولة الكثير من السلطة والهيبة لتفرضها على الناس وعلى بعض مكونات المجتمع السياسي اللبناني التي ترتبط بمحاور إقليميّة وتنفّذ أجنداتها وسياساتها وأهدافها.

إن الاضمحلال التدريجي لمشروع الدولة سوف يولد المزيد من الفوضى والضعف، وسيؤدي إلى المزيد من التشرذم والانقسام بسبب الضعف والوهن الذي يتسبب به الأطراف الآخرون الأقوياء.

الأكيد أن مستوى الاحتقان السياسي لم ينخفض لا بل هو مرشح للمزيد من التفاقم والتعقيد على أكثر من صعيد. إن الإجراءات المرحليّة والموضعيّة لترميم الحلول للمشاكل المستعصية تحقق أهدافها بشكل غير دائم ومتواصل.

حذار أخذ لبنان إلى حيث لا يريد أهله، فهناك تسقط كل أعمدة الهيكل.

شارك المقال