هوس ماكرون ببريطانيا يعميه عن خصمه الحقيقي

حسناء بو حرفوش

انتقد تحليل في موقع “سبكتايتور” (Spectator) الإلكتروني البريطاني الموقف الفرنسي إزاء قرار المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي. وإذ صوّب على نهج وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، داعا الرئيس إيمانويل ماكرون للتركيز على خصم فرنسا الحقيقي وعلى تحالفها الوهمي مع ألمانيا.

ووفقاً للكاتب غافين مورتيمر، “اتبع وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمون بون نهج ماكرون، واكتسب شهرة سريعة في انتقاد كل ما يتعلق بالبريطانيين (…) وتحميل بريطانيا مسؤولية الفوضى معتبراً أن اختيارها وفشلها ليس إخفاق أوروبا. (…) ويستمر ماكرون باستثمار “البريكست” في خطاباته أمام الفرنسيين فاعتبر العام الماضي أن الحملة البريطانية تنطوي على الأكاذيب والمبالغات والتبسيط محذراً من تأثير الأكاذيب على الديمقراطيات، علما بأنه كذب في ما يتعلق بجواز سفر كورونا.

وليس من قبيل المصادفة أن ماكرون وبون من خريجي المدرسة الوطنية للإدارة (ENA)، وهي مدرسة التكنوقراط الفرنسيين والتي تخرج منها أيضا سلف ماكرون، فرنسوا هولاند. كما ارتادها رئيس الوزراء جان كاستكس، وكذلك فعل سلفه إدوارد فيليب ووزيرة الدفاع فلورنس بارلي ووزير المال برونو لو مير. أما بون وهو شاب نسبيا، فكان في العاشرة من عمره عندما انتقلت المدرسة الوطنية للإدارة في العام 1991 من باريس إلى ستراسبورغ، في لفتة رمزية من حكومة فرنسوا ميتران الاشتراكية. وساد شعور، بالتزامن مع سقوط جدار برلين وتقريب المسافات داخل الاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى، بأن نقل المدرسة قريبا من الحدود الفرنسية-الألمانية ومن برلمان الاتحاد الأوروبي، يبعث برسالة قوية مفادها أن عقول الجمهورية الفرنسية لن تتشكل فقط من منظور مستقبل فرنسا وإنما أيضا مستقبل أوروبا. ويبدو أن بون يستهدف بريطانيا مدفوعا بهذا المنظور الذي صاغته مدرسته. فهو لا يرى نفسه كرجل فرنسي فقط، ولكن كأوروبي متشوق لتوبيخ “ألبيون (الاسم البديل لجزيرة بريطانيا العظمى) الخائن” على خروجه الجريء من الاتحاد الأوروبي.

ومن سمات خريجي المدرسة المذكورة شعور لا يطاق بالغطرسة. ولهذا يواجه المسؤولون من الخريجين احتقاراً في كثير من الأحيان من قبل شعوبهم. وهم يدركون جيدا لهذه الكراهية. وفي الواقع، أعلن ماكرون في نيسان، إغلاق ENA  لكن تأكدوا من أنها ستظهر مجدداً بأشكال أخرى، لأن التكنوقراط هم في النهاية جوهر فرنسا، تماماً كالجبن والنبيذ (…) وبصرف النظر عن هذه المدرسة، لا شك في أن الفرنسيين يحبون البريطانيين على نطاق واسع”. في هذا السياق، يسرّ الكاتب البريطاني المقيم في فرنسا: “لم أشعر أبدًا بأي ردود فعل عدائية بخصوص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو مسألة صيد الأسماك أو قضية الغواصات. لم يسبق لي أن تعرضت لهجوم من سائق سيارة أجرة أو لملامة بائع أسماك. لقد سمعت بالفعل بعض الفرنسيين الذين عبروا عن أسفهم لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن الأمر بقي مؤطرا بالتفاهم والحسد في بعض الأحيان”.

ورقة انتخابية؟

ويردف المحلل: “إذا كان ماكرون يعتقد أن ضرب بريطانيا سيكسبه بعض الأصوات في الانتخابات المقبلة فهو على خطأ. فالشعب الفرنسي لا يشاركه رهاب الإنجليزية هذا. وعلى الأرجح أن هوسه ببريطانيا يعكس مدى ضآلة معرفته وحكومته (…) في ظل الاعتقاد أن استهداف بريطانيا سيسمح له بقطع أشواط كبيرة. مع ذلك، هناك دولة أوروبية قد تشكل خط هجوم للرئيس وهو يخوض الحملة الانتخابية قبل انتخابات العام المقبل: ألمانيا. فبينما تواصل بريطانيا إيهام نفسها بـ”العلاقة الخاصة” التي تجمعها بالولايات المتحدة، يمكن قول الشيء نفسه عن افتتان فرنسا بألمانيا؛ وفي الحالتين، تظهر الدولتان التزاماً تاماً ولكن الحلفاء يستغلون حاجاتهما بشدة منذ سنوات.

ولا يخفى هذا الخلل في العلاقة على وسائل الإعلام الفرنسية. وفي وقت سابق من هذا العام، كرست مجلة الشؤون الحالية، “ماريان” (Marianne) عدداً حول الاستغلال الاقتصادي الألماني لفرنسا على مدى عقود. وفي الشهر الماضي، نشرت أسبوعية “لو بوان” (Le Point ) مقالة افتتاحية تعلن فيها أن الوقت قد حان لاستعادة فرنسا السيطرة من ألمانيا وإنهاء وهم العلاقة بين فرنسا وألمانيا، (وهي علاقة لا تؤمن فيها إلا فرنسا وحدها) وافتتان النخبة الفرنسية بألمانيا. واستشهدت المقالة بالعديد من الأمثلة حول ما وصفته بـ “السياسات الأنانية الصارمة ” لألمانيا، بما في ذلك نسفها في العام 2012 لعملية اندماج بقيمة 45 مليار دولار بيEADS ، أكبر شركة طيران في أوروبا، وشركة BAE Systems البريطانية التي كانت ستؤسس مجالاً جوياً ودفاعياً ينافس عمل “بوينغ”. وفي حين أن فرنسا أيدت عملية الاندماج، رفضها الشريك المشارك في EADS لأن أنجيلا ميركل اعتبرت أنها ستضر بالصناعة الألمانية.

حرب اقتصادية

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن ماكرون عن خطة استثمارية بقيمة 30 مليار يورو  لتحويل فرنسا إلى الريادة العالمية في الابتكار بحلول العام 2030. بدا ماكرون نموذجياً: يفيض بوعود ورؤى جريئة ومطالبات واثقة. ولكن إذا كان جاداً بشأن هذا المشروع، سيتعين عليه أولاً إنهاء علاقة فرنسا الأحادية الجانب مع ألمانيا. وفي مقابلة إذاعية الأسبوع الماضي للترويج لكتابه الجديد، اتهم خبير الطاقة الفرنسي فابيان بوغلي، ألمانيا – الدولة الأوروبية الوحيدة على لائحة أكبر عشرة ملوثين للكربون- بشن حرب اقتصادية للسيطرة على نظام الطاقة الفرنسي. وتقضي الاستراتيجية الالمانية بتقليص اعتماد فرنسا على الطاقة النووية. وقامت ألمانيا بالفعل ببيع فرنسا عدد كبير من توربينات (عنفات) الرياح، والتي لا تحتاجها هذه الأخيرة حقًا، والآن تريد من فرنسا أن تمرر الغاز عبر خط أنابيب “نورد ستريم 2″ الروسي لتكملة النقص في طاقة الرياح غير الموثوق بها. فهل يستجمع ماكرون الشجاعة للوقوف بوجه ألمانيا؟ هذا غير محتمل. ولعل المشكلة تعود في الأصل، إلى التفكير الجماعي الذي تغذيه ENA حيث يعتقد الخريجون أن ألمانيا لا تخدم سوى خير أوروبا، بينما بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى، فستبقى دائما الشريرة”.

شارك المقال