تدرك بكين جيداً أن العالم ينتمي في هذا العصر الرقمي للمتفوقين تكنولوجياً. وعلى الرغم من سعيها الدائم لتعزيز علاقاتها في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في سياق دعم تنميتها الاقتصادية، عكفت في السنوات الأخيرة، بحسب تحليل في موقع “آسيا تايمز” (Asia Times)، على تأمين مورد آخر غاية في الأهمية في المنطقة: البيانات (الداتا).
ووفقاً للمقال، “تدرك القيادة الصينية أن البيانات تمثل نفط الثورة الصناعية الرابعة ومفتاح التفوق التكنولوجي ومصدر القوة في العصر الرقمي. وتركز خطة عمل الصين منذ العام 2015 على تعزيز تطوير البيانات الضخمة (…) وتسريع بناء بلد قوي بقاعدة بياناته. وتعمل الشركات الصينية تحت مظلة طريق الحرير الرقمي، في الشق التقني لمبادرة الحزام والطريق، على طرح بنية تحتية رقمية تسهّل جمع ونقل وتخزين ومعالجة كميات هائلة من البيانات من البلدان الشريكة. وتشمل هذه البنية التحتية منصات التجارة الإلكترونية وأنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول ومراكز البيانات الذكية وشبكات اتصالات الجيل الخامس (5G) والكابلات البحرية والأقمار الصناعية والتخزين السحابي والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي.
واكتسبت المبادرة الحزام والطريق زخماً كبيراً في منطقة الشرق الاوسط (…) إذ صدّرت الصين العام الماضي تكنولوجيا المدن الذكية إلى 15 دولة في الشرق الأوسط. ومن ضمن الأمثلة، تعمل شركة Huawei الصينية في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع وزارة الحج والعمرة لتطوير بنية تحتية رقمية مصممة لتبسيط أداء مناسك الحج، بما في ذلك غرف التحكم في مراكز الاستقبال في مكة والمدينة. وفي دبي، تبني الشركة مجمعاً لمراكز البيانات المعيارية في مطارها الدولي وتتعاون مع هيئة كهرباء ومياه دبي لدعم بناء البنية التحتية للألياف الضوئية والمراقبة بالفيديو. كما تخطط الشركة أيضًا لبناء أكبر مركز بيانات يعمل بالطاقة الشمسية في الشرق الأوسط وأفريقيا في الإمارات العربية المتحدة (…) وتعمل مع بلدية مدينة أبوظبي لبناء مركز بيانات البلدية للتعافي من الكوارث. كما تنشط الشركة في مصر حيث افتتحت عام 2019 أول مركز بيانات سحابي لها (…) وفي عمان، وقعت شركة “علي بابا” (Ali Baba) العالمية اتفاقية لإنشاء مركز للحوسبة السحابية، مع الإشارة إلى أن البيانات ستبقى مخزنة على خوادم Ali Baba. وتعمل هذه الأخيرة مع Jolly Chic كمركزين رقميين للتجارة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وسعت علي بابا، على وجه الخصوص، لتوسيع نفوذها من خلال الاستثمار في الشركات المحلية وزيادة حصتها في منصات التجارة الإلكترونية (…) وفي الوقت عينه، اكتسبت منصة “جولي شيك” شهرة في الإمارات وقطر والسعودية ومصر وسلطنة عمان والبحرين ولبنان والأردن، حيث قدمت خدمات إلى 50 مليون مستخدم في جميع أنحاء المنطقة.
(…) وفي السنوات الأخيرة، حققت منصات الدفع عبر الهاتف المحمول الصينية أيضا تقدما في المنطقة (…) وتعتمد الجهود المبذولة على طول طريق الحرير الرقمي في الصين إلى حد كبير على البيانات والبحث عنها، وتركّز بشكل مركزي على تجميع (وتفصيل) مجموعات البيانات الكبيرة التي تصب في سياق مبادرات التعلم الآلي الصينية (…) وفهم أبعاد المجتمعات في المدن الذكية. وفي الوقت عينه، تسمح بيانات المستخدم النهائي من منصات الدفع الرقمية والتجارة الإلكترونية بإنشاء خرائط غنية حول سلوك المستهلك يمكن استخدامها كمؤشرات اقتصادية رئيسية. كما يتيح جمع البيانات الشخصية بتدريب خوارزمية التعلم الآلي لتحسين جودة الخدمات المقدمة للآخرين. لكن قد تثير مثل هذه المعالجة للبيانات أيضًا مشاكل خطيرة تتعلق بالخصوصية (…) فمن خلال تسخير قوة البيانات، تستطيع الصين فهم الجوانب الخاصة بالسكان والجغرافيا السياسية للدول بشكل أفضل من حكومات تلك الدول عينها.
حماية البيانات في المنطقة
وحول حماية البيانات في دول الشرق الأوسط، تظهر هذه الأخيرة اهتمامًا أقل بقضية نقل البيانات مقارنة بأجزاء أخرى من العالم (…) كما لا تزال تشريعات حماية البيانات في مهدها ولا تزال تصنف ضمن الأولويات المنخفضة. ومع سعي العديد من دول المنطقة لتحديث وتنويع اقتصاداتها، رحّب المسؤولون بالتعاون مع نظرائهم الصينيين في المجال الرقمي (…) ولم تُبد الولايات المتحدة الحماسة عينها حيال هذه التطورات على غرار شركائها في الشرق الأوسط. ووسط التوترات المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم، حذرت واشنطن المسؤولين المصريين والإماراتيين والبحرينيين من أنHuawei 5G “حصان طروادة” قد يهدد علاقاتهم مع الولايات المتحدة. كما دعت واشنطن إسرائيل للحد من تعاونها التكنولوجي مع الصين (…) ومع ذلك، لم تفلح جهود واشنطن في تحقيق النتائج المرجوة.
دور كورونا
إلى ذلك، سرّعت جائحة كورونا من الحاجة لبنية تحتية رقمية ولتقنيات الرعاية الصحية، وتعمقت الكثير من العلاقات التقنية في المنطقة مع الصين بفضل مجموعة BGI أو معهد جينومكس بكين المتخصص في الذكاء الاصطناعي والذي حقق نجاحات في جميع أنحاء الشرق (…) ومع ذلك لم يفلت توسع المجموعة في الشرق الأوسط من تدقيق واشنطن (…) التي شاركت مع شركائها مخاوفها حول الشركة، محذرة من أن “بكين قد تجمع معلومات ذات قيمة استخبارية وتشاركها مع خصومها مثل إيران، أحد أكبر شركاء الصين التجاريين في المنطقة (…)
في المقابل، رفضت بكين انتقادات واشنطن وشددت على أن الاتهامات لا أساس لها من الصحة (…) وطبقت بكين قوانين بيانات جديدة لتنظيم كيفية استخدام شركات التكنولوجيا الكبرى للمعلومات الخاصة بالأفراد. لكن هذه القوانين لا تمنع بالضرورة الحكومة من الحصول على مثل هذه البيانات (…) وتنص المادة 28 من قانون الأمن السيبراني الصيني على ضرورة توفير مشغلي الشبكات للدعم الفني وللمساعدة لأجهزة الأمن العام والأجهزة المولجة بحماية الأمن القومي (…) ونظراً للتشابك في البنية التحتية الرقمية في دول الشرق الأوسط والتكامل الرقمي في ما بينها، لا بد من أن تشكل حماية البيانات أولوية كبرى”.