سنتان على ثورة 17 تشرين: هل ثمة ضوء في آخر النفق؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يصادف اليوم الأحد ذكرى اندلاع ثورة 17 تشرين الأول 2019. بحساب الأيام تكون مرت سنتان بالتمام والكمال، أما بحساب الإنجاز والحصيلة على الأرض فالتقويم لن يكتمل وسيظل متنازعاً عليه ومتدثراً بألوان الاختلاف. هو الاختلاف عينه الذي اعتلى أحياناً درجات كبرى من التعارض والحدة داخل مكونات الثورة، بل كان من أسباب خفوت صوت الثورة وتراجع نيرانها الحارقة التي يهدد لهيبها مواقع ورؤوس الفساد والاستبداد وزعامات الطائفية والمحاصصة والمافيات المسؤولة عن مآلات الانهيار والخراب الذي أصاب البلد وأطفأ منارته التي كانت تشع على المنطقة والعالم، قبل أن يتدثر لبنان بعباءة سوداء حالكة من الظلام والقتامة المرعبة، نتيجة ازمة الطاقة الكهربائية والبنزين والدواء وازمة الدولار والغلاء.

موقع “لبنان الكبير” يحاول تقديم وجهة نظر بعض شباب ثوار 17 تشرين: كيف يرون الحصيلة؟ وكيف يتطلعون إلى مستقبل الثورة؟

ترو: الرهان على الانتخابات

يقول جمال ترو من “ثوار برجا”: “عند بداية الثورة كانت المشاركة الشعبية واسعة، مما أعطاها الزخم والقوة، كان الجميع متفائلاً ويأمل أن يحدث التغيير، قبل أن تكشّر السلطة عن أنيابها بكل قواها، وتواجه المتظاهرين بكل السبل والطرق، لضرب التحركات وردعهم عن المشاركة، من عمليات تخوين الثوار وتهديدهم وجرهم إلى المحاكمات، حتى وصلت معهم إلى تفجير المرفأ من دون الأخذ بالاعتبار ما يمكن أن تؤدي له هذه الجريمة من تداعيات، بالتأكيد لا يهمهم الناس، ولو قتلوهم جميعاً، حتى يبقوا هم على كراسيهم، لا شيء يردعهم عن ارتكاب الجرائم، وليس لديهم أي مشكلة في ارتكاب الجرائم للحفاظ على مواقعهم”.

ويرى أن الناس خلال الأشهر الستة الماضية تراجعوا عن المشاركة، وتراجعت التحركات، “لأن الشعب اللبناني بدأ يعيش فترة صعبة من الاستنزاف المعيشي، والثوار منهم، فهم بشر ومعاناتهم هي معاناة الناس، لا يمكن لأحد أن يُنظّر عليهم ويسألهم ماذا فعلتم وماذا تفعلون، أو لماذا لم تفعلوا؟! اليوم إذا لم ينزل الجميع إلى الأرض، وكان توحيد للشعارات وألغيت من قاموسهم الكلمات، ومن عقولهم الأفكار التي تعبر عن الطائفية، وأن يتجمعوا تحت عنوان “لبنان سيد حر ومستقل” لن تمشي الأمور كما يجب، ولا يمكن لوم الثوار في شيء، لأنهم عملوا قدر إمكاناتهم ولم يقصروا”.

وعن الحل يقول: “الحل أن نسحب هؤلاء الفاسدين في السلطة من منازلهم ونسحلهم في الشارع من دون استثناء أحد أو فريق ما. لكن اليوم هناك فرصة للتغيير طالما هم قربوا موعد الانتخابات حتى “يزركوا” المعارضة والثوار ويفشلوا في تشكيل لوائح انتخابية ويحضروا ماكيناتهم الانتخابية خلال الأشهر الخمسة التي تفصلنا عن الانتخابات. ليس هناك مشكلة اليوم، الناس لديها طريق واحد للتغيير هو أن تنتخب بطريقة صحيحة، وأن تختار أشخاصا نظيفين وليست لهم علاقة بملوثات هذه المنظومة، كل واحد ضد هذه المنظومة قلباً وقالباً يجب أن يكون الناس معه، وأن يشجعوه حتى يحدث التغيير في الأطر القانونية”.

ويؤكد ترو أن “الثوار ضد القوانين الانتخابية المفصلة على مقاس قوى السلطة. لكن للأسف لم نستطع الضغط لتعديل قانون الانتخاب وتحديثه، ولم نستطع فرض تغيير”.

القارح: التغيير آت لا محالة

من جهته، يوضح الأستاذ الجامعي جورج القارح من حركة “لبنان المواطن” والذي يحب التعريف عن نفسه بـ “ثائر انساني”، انه في 17 تشرين الأول 2019 نزل الثوار إلى الأرض تحت شعار “كلن يعني كلن”، مطالبين بإسقاط الحكومة، فاستقال وزراء القوات اللبنانية بداية واستقالت الحكومة بعد فترة تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية. وبدأ الحديث عن تنظيم الثورة، وأصبح للثوار مجموعات ثورية لم تتفق على مسلمات أو نقاط محددة”.

ويشير إلى أن “الثوار نجحوا في كسر الخوف من السلطة ومن كل الزعامات والأحزاب. فشتموهم وهاجموهم. ونجحوا في تخطي الطائفية وفي إنزال الناس إلى الشارع. لكن أخطأ الثوار في عدم الاتفاق على مطالب محددة، وعندما أصبح بعضهم أسرى شعار “كلن يعني كلن” رفضوا الأحزاب والشخصيات التي أيدت الثورة. وأخطأ بعضهم بفكرة رفض الأحزاب المؤيدة للثورة بحجة أن تلك الأحزاب شاركت في الحرب وبدأوا مهاجمة كل الأحزاب… ليس لأنها كانت فاسدة عندما تسلمت السلطة، بل لأنها شاركت في الحرب، بعض الثوار حوّلوا الثورة إلى مطالب معيشية فقط متناسين أن السياسة وغياب السيادة ومؤسسات الدولة هي السبب في كل ما وصلنا إليه، وأخطأ البعض أيضا بالتركيز فقط على المصارف وبمهاجمة باقي الثوار، وبدوا كأنهم يتنافسون ضد بعضهم”.

وبرأيه “لن نصبح ثورة إلا بتعميم التوعية وبالاتفاق على مسلمات موحدة وبالتعالي فوق الأنانية الفردية وبالتعاون مع كل من يؤيد مطالب الثوار لنصبح أكثرية وبالتصويب على الموضوع السياسي، أي السبب وليس على النتائج. وسنصبح ثورة خلال السنوات المقبلة، والتغيير آتٍ لا محالة، وهو نتيجة نضال لسنوات، ونحن على الطريق الصحيح لبناء الوطن”.

حكيم: خمس سلطات تعدّوا على الثورة

بالنسبة إلى هيثم حكيم الثائر المستقل في 17 تشرين كما يعرف عن نفسه، فإن “الثورة تحققت، لكن أصيبت بنكسات. والسبب يعود إلى التناحر والخصومات داخلها. وللأسف الشديد، بدلا من توحيد الثورة انبثقت منها جبهات ومجموعات وائتلافات وأحزاب وتكتلات، وجميعها باسم الثورة من دون أن تتضمن أي برنامج يوحد الثورة. خمس سلطات تعدّوا على مبادئ الثورة؛ فبعد أن كانت ثورة شعبية أصبحت ثورة على 8 آذار وثورة على 14 آذار. وللأسف لم يستطع المستقلون داخل الثورة أن يتوحدوا لأسباب كل المجتمع اللبناني يعرفها، وأبرزها تغلغل الأحزاب والسلطات الإعلامية والأمنية والاقتصادية، أي المصارف وأصحاب النفوذ المالي، والسلطة الروحية والسلطة السياسية بكل أركانها الحزبية”.

وبحسب حكيم، “فإن مشكلة الثورة ليست واحدة. هناك مشاكل للثورة بحجم مشاكل الوطن. وبناء الثقة بين الأشخاص يتطلب وقتا، وهذه إحدى أهم العوامل التي لم تؤد إلى توحيد الثورة، ولا نريد الدخول هنا في الحديث عن الأنا والغرور. هناك أشخاص بالثورة يملكون من الوعي والثقافة والعلم ما يساعد في توحيد الثوار، والمشكلة أن الثورة ليس لديها “ميثاق شرف” يجمع الجميع، ثم هناك البيئة المنبثقة منها الثائر، سواء كانت بيئة حزبية أو مذهبية، أو بيئة تجمع البئيتين. الوطنيون كثر، لكنهم لا يجتمعون لأسباب عدة، يمكن حسب رأيي الشخصي أن الأمر يعود إلى تشعب المشاكل بمسار حياتنا كلبنانيين، بدأت بالحرب الأهلية وانتهت، ولكننا ما زلنا كأفراد لا ننتمي إلى الدولة، ولا نحمي مؤسساتها، وليست لدينا عدالة اجتماعية. وكل المشاكل التي نعاني منها ما زلنا حتى الآن لا ندرك كيفية حلها. مع أن الحل بسيط أكثر مما يتوقعه أي شخص. فبناء الدولة يحتاج إلى قرار واحد، وهو أن يصبح كل المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. وهذا يحتاج فقط إلى كبسة زر تتوافق عليها القيادات اللامذهبية، لان الزعماء المذهبيين الذين يتكلمون باسم الدين، بعيدون عن الإيمان. وفي هذا البلد يمكن خلال خمس دقائق أخذ قرار الاستقرار الأمني ليرجع الوضع إلى ما كان عليه، لا بل إلى أفضل مما كان”.

سكاف: الثورة كشفت الفساد والسرقات

أما سمير سكاف من “اتحاد ساحات الثورة”، فيعتبر أن “الثورة ساهمت في كشف المستور والفساد، ووضعت تحت المهجر كل تحركات الدولة التي لم يعد بإمكانها اليوم ارتكاب الجرائم عينها التي كانت تقوم بها في السابق، وإن كانت محاولاتها مستمرة. فمنذ سنتين وحتى اليوم، وجهت الثورة الأضواء الكاشفة على السرقات التي تمت من حسابات المودعين في لبنان وعلى الأموال المنهوبة التي هربت خارج لبنان. الثورة هزت عروش السياسيين. فهم يعرفون اليوم أن كل تحركاتهم مراقبة، وهذا ينعكس على تصرفاتهم وحتى على نوعية تشكيل الحكومات، ولم يعودوا قادرين على تشكيل حكومات بالطريقة السابقة، أي حكومات سياسية. يمكن أنهم استخدموا الأسلوب عينه هذه المرة لكن بشكل مقنَّع، لأنهم غير قادرين على الإتيان بنوعية السياسيين عينها”. ويرى سكاف أن الثورة تطالب بنموذج جديد، أي أن نخرج من المزرعة للوطن، ومن المساكنة إلى المواطنة، ومن الخيار الطائفي إلى دولة مدنية. ولو كانت الطائفية ما زالت متغلغلة، وزعماء الطوائف ما زالوا أقوياء، لكن خلال السنتين الماضيتين تغيرت الخريطة السياسية وبيّنت الثورة وجود خيارات أخرى غير 8 و14″. ويضيف: “بنتيجة تحركات الثورة، اليوم صار الشعب اللبناني رافضا للطبقة السياسية. وعلى الرغم من التيئيس، والتجويع، وأزمات كورونا والبنزين، وغيرها… فإن هناك خيارات للناس تترجم بكل الانتخابات النقابية والجامعية، ونشاهد كيف يصوت الناس باتجاه معاقبة الطبقة السياسية”.

ويشير إلى أن “الثورة لا تمتلك السلطة، وليس بيدها إدارات، ونحن ما زلنا نطالب بحكومة مستقلة من خارج الطبقة السياسية الحالية والمنظومة الفاسدة، لأننا على قناعة أنها لا تريد الإصلاح وليست لديها إرادة. هذه الطبقة السياسية توهم الناس بالإصلاح فقط، ويتبين أنه مجرد مزاعم غير صحيحة. من هنا نحن نواجه، وليس فقط نعترض على الدور الذي يضطلعون به، ولكن نحن أيضا لدينا خطط ونطرحها، لكن مشكلتنا أن السلطة قوية وممسكة بالإعلام، وليس صحيحا أنه ليس هناك قيادات بالثورة وغير متفقين مع بعضنا، هناك أشياء لم نتمكن من التوصل لإنجازها، لكن الإعلام لا يساعد، خصوصا الإعلام المحسوب على الثورة، لأن “الطلات” الإعلامية للثوار قليلة، وما زال الإعلام يعمل وفق 8 و14″.

ويوضح: “هناك تحركات على الأرض ومواجهات تحصل، منذ أيام كان الشباب أمام منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير. ومن فترة كانوا أمام منزل ميقاتي. وفي طرابلس هناك وقفات أمام منازل نواب ووزراء وأمام الإدارات العامة والوزارات. المواجهة مفتوحة، ولكن نحن ندرك أن هذه المواجهة لديها نقطة ضعف، وهو الموضوع المالي طبعاً. غير صحيح الكلام على سفارات تُحرك، لا بل أستطيع التأكيد أن التحركات تحصل بتمويل من الشباب أنفسهم، مثل تأمين النقل وغيره في التحركات المركزية التي ستستمر، والتصعيد موجود، لكن الإيقاع لن يكون على الوتيرة عينها. في ذكرى 4 آب رأينا جمهور الثورة، وصارت قضية تفجير المرفأ قضية كبرى. ونرى هذا التمازج بين الثوار والأهالي في كل التحركات، أمام قصر العدل ومنازل القضاة لإظهار الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن التفجير”.

ختاما، لا يمكن لأحد في الظلمة والعتمة تمييز الخيط الابيض من الأسود ولا القدرة على استكشاف حقيقي لقدوم الفجر وشكل الأفق المنتظر. تبقى هذه الآراء نموذجاً من بين آراء اخرى عديدة تستوجب الاهتمام والاستماع اليها لتكوين فكرة عما حصل وسيحصل.

شارك المقال