كي لا تصبح إيران لقمة سائغة للصقور…

حسناء بو حرفوش

لا موعد دقيق بعد للعودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا… وعلى الرغم من أن النظام الإيراني أعلن أن المناقشات ستستأنف “قريبا”، ترجم رد الفعل الإسرائيلي بالتصعيد من خلال الإعلان عن “تسريع خطط العمل العسكري بشكل كبير”. فما الذي سيحدث إن استمرت إيران بـ”المماطلة” كما يتهمها البعض؟ الإجابة في مقال لسيمون تيسدال الكاتب المتخصص في الشؤون الخارجية ومساعد رئيس التحرير في صحيفة “ذا غارديان” (The Guardian) البريطانية.

وحسب المقال، “تطرح التحذيرات الأميركية والأوروبية والإسرائيلية المنسقة حول ضيق الوقت أمام إحياء اتفاق يحد من أنشطة إيران النووية، سؤالا مزعجا: ما الذي ستفعله حكومات البلدان المعارضة إذا ما استمر نظام طهران المتشدد، وهذا ما سيفعله على الأرجح، بالمماطلة بانتظار تجميع الأموال اللازمة لبناء سلاح نووي؟ بالنسبة للإسرائيليين، الوقت غير مناسب للاستطراد في الكلام لأن كل تأخير في المفاوضات يقرّب إيران أكثر من القنبلة النووية. وهذا ما أوضحه وزير الخارجية يائير لابيد في خطابه الأخير (…) أما نظيره الأميركي أنطوني بلينكين، فبدا أكثر حذرا وأعرب عن استعداد بلاده للجوء إلى خيارات أخرى إذا لم تغيّر إيران مسارها. كما جدّد التمسك بالديبلوماسية بصفتها الطريقة الأكثر فعالية. أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فرأت أن المفاوضات المجمدة تقترب من لحظة “حاسمة”.

بايدن لا يطيق حربا جديدة

وفي ظل هذه المواقف وبالتزامن مع محاولة الرئيس الأميركي جو بايدن فك الارتباط مع الشرق الأوسط للتركيز على الصين، آخر ما تريده واشنطن هو عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران، يهدد بإشعال النار في المنطقة. ومع ذلك، لا يستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي القلق من تطوير إيران لأجهزة الطرد المركزي، هذا السيناريو. وهذا ما يؤكده استطلاع إسرائيلي جديد للرأي، خلص إلى أن 51٪ من الإسرائيليين يعتقدون أنه كان لا بد من مهاجمة إيران قبل سنوات خلال المراحل الأولى من تطويرها للنووي، بدلا من انتظار التسوية التفاوضية. هذا وأعلن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال أفيف كوخافي، الشهر الماضي، تسريع خطط العمل العسكري ضد إيران بشكل كبير.

ولكن ماذا عن الرئيس الإيراني؟ كيف سيرد على الضغط الغربي؟ منذ فوز ابراهيم رئيسي في الانتخابات في حزيران الماضي، رفض الانضمام مرة أخرى إلى محادثات فيينا لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة التي أقرت عام 2015 والتي دمرها دونالد ترامب بشكل تعسفي، كما حدّ من عمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة وعزز الأنشطة المتعلقة بالطاقة النووية. ويقول حلفاء رئيسي المتشددون والذين يسيطرون على جميع مراكز القوة الإيرانية إن المحادثات ستستأنف “قريبا” من دون أن يحددوا موعدا لها. ويضاف إلى ذلك مع الأسف، استبدال المفاوض النووي الرئيسي عباس عراقجي بمنافس أكثر تشكيكا هو علي باقري كاني. وتعرف عن باقري حسب المحلل صائب صادقي (…) معارضته الشديدة لخطة العمل الشاملة المشتركة، والتي يعتبر أنها تنتهك الحقوق الوطنية لإيران وتقوض استقلال البلاد.

رئيسي غير مستعجل

وتواجه الحكومات الغربية التي تدفع باتجاه العودة إلى فيينا عقبة أكثر جوهرية. بالنسبة إلى رئيسي ووزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، لا يقع تخفيف العقوبات على رأس الأولويات، وإذا لزم الأمر، يمكن لإيران أن تصمد من دونه. ولذلك، ركزت إدارة رئيسي وفقا لتحليل صادقي على استراتيجية تسمح بتحييد تأثير العقوبات من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الجيران ودول مثل روسيا والصين. كما أنها تعتقد أن الولايات المتحدة ستجد دائما تبريرا للإبقاء على العقوبات لأنها مصممة على احتواء إيران، حتى ولو تم تلبية جميع مطالبها. ويتوقع مراقبون أن يواصل رئيسي المضي قدما في شراكة استراتيجية مع بكين المتعطشة للنفط والغاز الإيراني.

كما أن إيران بحاجة ماسة لشركاء تجاريين جدد. وقد سمح الارتفاع الهائل بأسعار النفط العالمية، ببعض الانتعاش في اقتصادها المنعزل والذي ما زال تحت تأثير جائحة كورونا. وتزداد بعض الدول الإقليمية مثل لبنان، الذي يعاني من نقص مدمر في الطاقة، اعتمادا على إيران. وتشير هذه النقطة تحديدا إلى نهج ثانٍ في استراتيجية رئيسي: محاولة إصلاح أو تعزيز العلاقات في جميع أنحاء العالم العربي. وفي هذا الإطار، تُذكر زيارة أمير عبد اللهيان مؤخرا إلى مصر وسوريا ولبنان ولقاؤه بقادة الإمارات العربية المتحدة. كما قد تستأنف العلاقات الديبلوماسية المحدودة مع المملكة العربية السعودية بعد أشهر من المحادثات السرية باستضافة العراق. وهذا سيشكل، إن حدث خطوة كبيرة باتجاه إعادة تأهيل إيران. وبالتالي، قد ينهار التحالف الإقليمي المناهض لإيران (…) لكن، يشير مركز أبحاث مركز الإمارات للسياسات في أبو ظبي، إلى أنه في حين تتشارك الرياض وطهران المصالح في أمن الممرات البحرية وتخفيف حدة الصراع اليمني، يُمثل إصرار رئيسي على الدعم المستمر لما يعرف بـ”حركات المقاومة” في المنطقة، عقبة كبيرة أمام أي تقارب.

ومن ثم، من المستبعد أن يتخلى رئيسي عن عملية فيينا من جانب واحد، لأن ذلك يصب لمصلحة أعدائه. وعوضا عن ذلك، سيحمل المفاوضون الإيرانيون عند العودة إلى فيينا في نهاية المطاف، شروطا أكثر صرامة مقابل الامتثال، مثل الفوائد الاقتصادية على المدى القريب والقابلة للقياس. كما سيصرون على فصل الملف النووي عن الصواريخ الباليستية والأمن الإقليمي. في غضون ذلك، وبالتوازي مع استمرار المحادثات، ستستمر قدرات إيران النووية بالتطور بلا هوادة. مما قد يستدعي في مرحلة ما، توقف القادة الغربيين المحبطين ولجوئهم إلى خطة بديلة. فما التالي؟ ربما لن تكون أخبارا محمودة.

أخيرا، وبالنظر للعداء العميق والمتبادل بين إيران وإسرائيل والازدواجية الأميركية السابقة والتردد الأوروبي، (…) يتجاهل نهج رئيسي محنة المواطنين الإيرانيين الذين يرزحون تحت نير الفقر بسبب العقوبات، ويغض النظر عن المخاوف المتعلقة بالانتشار النووي، كما يهدد بخصومة دائمة مع الديموقراطيات الغربية. والأسوأ من ذلك، يفتح هذا النهج الباب على مصراعيه أمام الصقور المتهورين من جميع الأطراف، والذين يروّجون للحلول العسكرية بينما، في الواقع، لا يمكن اعتبارها “حلولا” في الأصل. حرب مع إيران؟ بمجرد أنها لم تندلع في السابق فهذا لا يعني أن احتمال حدوثها مستحيل!”.

شارك المقال