fbpx

“فورين أفيرز”: موسكو ليست قوة عظمى في المنطقة

حسناء بو حرفوش
طائرات روسية
تابعنا على الواتساب

بالتزامن مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، حشدت وزارة الدفاع الروسية لعرض الأسلحة السنوي الذي خصصته لمشاركة أحدث التقنيات والتدريبات بالذخيرة الحية وصولاً إلى رقص الباليه على الدبابات، أمام وزراء الدفاع وكبار الشخصيات من 41 دولة، وضمناً من الشرق الأوسط، بحسب ما نقل موقع مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، في مقال يدعو واشنطن لعدم المبالغة بتقدير تهديدات موسكو، باعتبار أن روسيا ليست قوة عظمى في الشرق الأوسط.

وبحسب المقال، سعت موسكو من خلال عروضها العسكرية للتأكيد على “عودتها الكبيرة إلى المسرح العالمي، وتحديداً من باب المنطقة. وفي الأصل، لطالما استغلت موسكو الزلات الأميركية وشكوك بعض حلفاء واشنطن القدامى بالخطط حول وجودها في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يرقى تهديدها للنظام الأمني ​​الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة لمستوى التحذيرات الأخيرة على لسان شخصيات من عهد ترامب مثل مستشاري الأمن القومي السابقين جون بولتون وإتش آر ماكماستر. وفي العالم العربي تحديداً، لا يناهز نفوذ موسكو الفعلي تطلعاتها.

“قوة بوتيمكين”

(…) ولا شك في أن روسيا تضطلع بدور هائل في المنطقة وفقاً لبعض المقاييس، فقد أكدت على تفوقها في ملء الفراغات التي خلفتها واشنطن من خلال نشر العسكر والمرتزقة في سوريا وليبيا. كما سعى الكرملين للاندماج في نسيج شمال أفريقيا والمشرق والخليج (…) من خلال بيع الأسلحة والتعاون في أسواق النفط العالمية (…) كما تدير موسكو الغزوات العسكرية والدبلوماسية بشكل سريع وبتكلفة منخفضة، خصوصاً أن نظام الرئيس فلاديمير بوتين لا يقلق بشأن أي رقابة من برلمان مستقل أو الصحافة الحرة، وبالتالي، لا تعيق السياسة الروسية مخاوف بشأن ردود الفعل أو انتهاكات حقوق الإنسان (…) مثلاً في ليبيا وسوريا.

إحباط في سوريا

(…) ومع ذلك ، ليس التأثير الاستراتيجي للنفوذ الروسي بهذه القوة في الشرق الأوسط، إذ يكفي النظر عن كثب إلى غزوات الكرملين في المنطقة، لتتضح خيبات الأمل والإخفاقات سريعاً. ويرجع ذلك للقيود التي تعيق سياسة موسكو، وتعقيدات المشهد السياسي في المنطقة تحديداً (…) وقد أظهرت الجهات الفاعلة الإقليمية قدرة خارقة على إحباط طموحات موسكو. ففي سوريا التي ينظر إليها، كحجر الزاوية لعودة موسكو إلى المنطقة (…) تحققت أهداف التدخل العسكري الروسي، وبقي نظام الرئيس بشار الأسد في السلطة واستعاد سيطرته على البلاد، إلى حد كبير قبل أكثر من أربع سنوات. ولكن منذ ذلك الحين، يصطدم الكرملين باستمرار بالقيود عند التقدم للمساعدة في استعادة الأراضي خارج سيطرة النظام (…) ناهيك بتقليص دول خارجية قوية مثل تركيا والولايات المتحدة لدوره شمال البلاد. كما تتعامل موسكو في أحيان كثيرة مع رغبة نظام الأسد بتأليب موسكو وطهران أحدهما ضد الآخر.

وفي ليبيا أيضاً، أخفق التدخل الروسي، فبعد أن نشرت موسكو في أواخر 2019 مرتزقة “فاغنر” للقتال نيابة عن أمير الحرب، خليفة حفتر (…)، اضطرت للتراجع في أوائل العام 2020، عن هجوم على العاصمة طرابلس والتحول للمسار الدبلوماسي، بعد وصول القوات العسكرية التركية لدعم الحكومة الليبية. وباءت الجهود الروسية لزيادة النفوذ في أماكن أخرى من المنطقة بفشل أسوأ، حيث لم تمنح الجزائر ولا مصر، اللتان تشتريان كميات كبيرة من الأسلحة الروسية، شراكات استراتيجية دائمة مع موسكو ولم تمنحها إمكانية الوصول الموثوق لها وعلى المدى الطويل إلى القواعد الجوية أو المنشآت البحرية (…) وعلى عكس الاتحاد السوفياتي، لا تدخل روسيا اليوم في مجال تمويل مشاريع التنمية والبنية التحتية الضخمة. وتقتصر أهداف الشركات الروسية على جني الأرباح علماً بأن ما تفاوض عليه لا يرقى دائمًا لمستوى منافسة الشركات الصينية أو الأميركية أو الأوروبية. ويعكس هذا التأثير المحدود عدم قدرة الأدوات السياسية الروسية على معالجة مشاكل المنطقة، مثل تداعيات جائحة كورونا والحكم الاستبدادي والفساد ومطالبات الشباب بالمزيد من الفرص الاقتصادية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تجد بدورها حلاً لهذه التحديات، إلا أن إطار عملها الأكثر شمولية والذي يركز على الحقوق، يجعلها أقرب إلى المنطقة. وهذا ما يترجم مثلاً بالتقدير الليبي لجهود واشنطن في فترة ما بعد الثورة، بعد رعايتها المجتمع المدني والتعليم والإعلام الحر والحكم المحلي. وتتناقض هذه النقاط الأخيرة مع التركيز الروسي الحاد على المكاسب والأسلحة والبنية التحتية والطاقة.

التهديد الروسي… لا أكثر ولا أقل

(…) وتقتضي الطريقة المثلى لحماية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط تقييماً رصيناً وواضحاً للتحديات التي يفرضها النشاط الروسي، بدلاً من رفع الصوت والتحذير اللاذع من قدرة موسكو. وعلى واشنطن أن تدرك بالتحديد، أن موسكو ستصطدم في كثير من الأحيان، بقدراتها المحدودة وبقدرة الجهات الفاعلة محلياً على إرباك خططها. ومع أخذ هذه القيود في عين الاعتبار، على واشنطن تجنب النظر إلى المنطقة من منظور الحرب الباردة. فلا يمكن تصنيف كل تطور في الشرق الأوسط كمكسب أو خسارة في معركة مفتوحة بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا. كما يجب على صانعي السياسة الأميركية الامتناع عن التنافس مع موسكو في إطار بيع الأسلحة لدول المنطقة، لأن الدول الاستبدادية أتقنت فن استغلال المبادرات الروسية للحصول على شروط أفضل من واشنطن. فلتحذر الولايات المتحدة من الوقوع في هذا الفخ.

علاوة على ذلك، ضرورة عدم تردد واشنطن بتحدي الأنشطة الروسية في الشرق الأوسط، سواء من خلال الوسائل الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو عبر المزيد من أشكال الضغط السرية (…) التي قد تحبط أو تبطئ الأشكال الأكثر خبثاً لفن الحكم الروسي على غرار ما حصل عندما شرعت موسكو بطباعة الأوراق النقدية الليبية المزيفة لمساعدة حكومة حفتر في تمويل نفسها (…) كما بإمكان واشنطن تسليط الانتباه العام على مخالفات روسيا (…) وتوفير أدلة على انتهاك هذه الأخيرة لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة. أخيراً، وعلى الرغم من أن موقف واشنطن في الشرق الأوسط تأثر دون شك بالفشل الذريع في أفغانستان، إلا أن الوجود الأميركي في المنطقة ما زال منقطع النظير، حيث تتخطى واشنطن منافسيها في التأثير السياسي والاقتصادي وأدوات “القوة الصلبة” و”القوة الناعمة” واحتضان الدبلوماسية متعددة الأطراف وقيادة نظام عالمي مرتكز على القواعد. وبالتالي، عوضاً من التهويل حول التهديد الذي تشكله موسكو، يجب على صانعي السياسة الأميركيين التركيز على تعزيز المزايا الأميركية القوية”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال