التصعيد بين واشنطن وبكين… إلى ما لا تُحمد عقباه

حسناء بو حرفوش

إلامَ قد تؤول أي حرب مرتقبة بين الولايات المتحدة والصين؟ تساؤل شغل المواقع الإلكترونية الأجنبية كـ”ناشيونال انترست” (nationalinterest) و”نيوز ماكس” (newsmax) الأميركيين و”تيليغراف” (telegraph) البريطاني، والتي حذّرت من أي انجرار أميركي إلى حرب شاملة مع الصين، خصوصاً وأنه قد ينتهي بتبادل الضربات النووية. وتقاطعت القراءات حول تراجع أهمية التفوّق على مستوى حاملات الطائرات الأميركية مقارنة بالسابق، لأنّ حركة السفن أبطأ مقارنة بسرعة الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت.

وبحسب “نيوز ماكس”، تثير التجارب الصاروخية في الصين تساؤلات كبيرة داخل الولايات المتحدة. وفي حين أنه لم يتم تأكيد أحدث تجربة صاروخية صينية تفوق سرعة الصوت بشكل رسمي- من الصين أو الولايات المتحدة – يتّفق المحلّلون العسكريون من الجهتين على أنّ الاستثمار الهائل والتقدّم المذهل اللذين حققتهما بكين في ترسانة الأسلحة النووية المتقدّمة يجب أن يشكّلا مدعاة للقلق. وذكرت صحيفة “فايننشل تايمز” الأميركية للمرة الأولى، أنّ الصين أطلقت صاروخاً هذا الصيف يحمل مركبة تتخطّى سرعتها سرعة الصوت، ويزعم أنها حلّقت بشكل مخيف حول العالم قبل أن تهبط على بُعد نحو 25 ميلاً من هدفها المقصود.

خسارة أميركية

“ناشيونال انترست” ركزت بدورها على “توقّع بعض الخبراء حالياً، وفي ظل استمرار تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، أن تخسر واشنطن أي حرب محتملة مع الدولة الآسيوية في حال لم تستثمر القوات الجوية الأميركية في تحديث أسطولها واستعادة هيمنتها الجوّية في المنطقة. وهذا ما شدّد عليه الجنرال مارك دي كيلي من قيادة القتال الجوّي خلال خطابه في مؤتمر الشهر الماضي. ووفق دي كيلي، على الولايات المتحدة تركيز قوتها المقاتلة بما يتلاءم مع الحقائق الأساسية لبيئة التهديد الجديدة، وتالياً السعي إلى تحقيق التفوّق الجوّي.

سلاح الجوّ خارج المعادلة؟

كما ذكّر كيلي أنّ القوة الجوّية الأميركية تخاطر بالخروج بسرعة من المعادلة، حيث تصبح غير ذي صلة، لأنها لا تتّخذ إجراءات سريعة لتجديد الأنظمة القديمة. وتمتلك الصين مهارات محسّنة في عمليات الطيف الكهرومغناطيسي وهي أساسية في المعارك بالجوّ. وقد أعاد كيلي صوغ تحذير الجنرال البريطاني برنارد مونتغمري حول مخاطرة واشنطن بخسارة الحرب في الجوّ سريعاً، في حال خسرت الهيمنة على الطيف الكهرومغناطيسي. بالتالي، لا بدّ من تغيير خريطة القتال تحت طائلة الهزيمة الكارثية.

وشدّد خطاب كيلي على أنّ أنظمة الصين مصمّمة على إلحاق ضرر كبير وعدد هائل من الضحايا في الثلاثين ساعة الأولى من القتال، وهذا يعادل أكثر مما تحملته الولايات المتحدة خلال الثلاثين عاماً الماضية في الشرق الأوسط. كما كرّر التحذير من أنّ “الأمر لن ينتهي بشكل جيد”، خصوصاً إذا كانت الصين قادرة على امتلاك قدرات الجيل السادس قبل الولايات المتحدة. والحقيقة أنه في المجال الجوّي، ستعتبر نتيجة رهيبة إذا حصل أحدهم على المركز الثاني.

تشاؤم حيال الاقتتال النووي

وفي السياق عينه، أبدى العقيد السابق في سلاح البر الأميركي دانيال ديفيس، والذي نقلت عنه صحيفة “الغارديان” البريطانية بعض مواقفه أخيراً، تشاؤماً أكبر لأنّ أي حرب شاملة مع الصين قد تشهد انزلاقاً إلى “تبادل الضربات النووية”. ولذلك، على صانعي السياسة الأميركيين أخذ زمام المبادرة قبل أن تصل الحرب إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتواجه واشنطن ضغوطاً لخوض حرب وجودية مُحتملة. وعليهم مواجهة الحقيقة الباردة والصعبة، والتي مفادها أنّ محاربة الصين على خلفية التوترات مع تايوان قد تؤدي إلى هزيمة عسكرية شبه مؤكدة، وإلى مراهنات يخشى فيها التعثر في أتون حرب نووية.

وينصح ديفيس واشنطن صراحة بعدم الانجرار إلى حرب لا تربح فيها ضد بكين، لأنّ النتيجة الأكثر ترجيحاً ستكون هزيمة تقليدية لها. وستأتي هذه الخسارة مترافقة مع خسائر في أعداد كبيرة من الطائرات الأميركية. يتخيّل ديفيس في مقالته، غرق السفن وقتل الآلاف من العناصر المقاتلة. ويكمن أسوأ السيناريوات في خروج الحرب التقليدية عن السيطرة وتصعيدها إلى تبادل نووي.

أخيراً، وفي السياق عينه، عنونت صحيفة “تيليغراف” أنّ واشنطن قد تُمنى بهزيمة كبيرة أمام الصين وروسيا في إطار سيناريو حرب عالمية ثالثة. وإذ ذكّرت الصحيفة بالتجربة الصينية أعلاه، لفتت إلى أنّ الصواريخ التي أعلن عن اختبارها، قادرة على شلّ أنظمة الدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، وبالتالي جعلها غير قادرة على المواجهة. وتتميّز هذه الصواريخ، حسب المقال، بالقدرة على المناورة وخداع أنظمة التتبّع والدفاع الجوّي، بشكل يتناقض مع أداء الصواريخ البالستية. كما أنها، في حال أطلقت، لن تعطي الكثير من الوقت للطرف الآخر للردّ. من هنا أهمية الالتفات لدور الحرب السيبرانية والتي تظهر ملامحها بالفعل اليوم، حيث قد تستهلّ الصين أي هجوم بمحاولة تدمير أنظمة الاتصالات الأميركية.

شارك المقال