معادلة الطيونة مقابل المرفأ ترفع منسوب الاستقطاب الطائفي

وليد شقير
وليد شقير

يراكم الصراع السياسي بأبعاده الإقليمية الأكلاف على اللبنانيين بحياتهم اليومية، وينتظر أن يزيدها ويضاعف تعاستهم في ظلّ الأجواء المحتدمة التي يتصاعد فيها الخطاب السياسي كل يوم. فالخلاف على مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ولّد خلافاً على أحداث الطيونة وأيقظ الهواجس من الحرب الأهلية، علماً أنّ ما من فريق يملك القدرة على افتعالها، حتى لو كانت لديه عشرات آلاف المقاتلين، فيما تستنفر سائر الدول المعنية سواء كان لها حلفاء محليون قريبون منها أم لا، من أجل منع توسّع الصدامات العسكرية مجدداً.

آخر المواقف اللافتة في هذا الصدد بعد بيانات الدعوة إلى التهدئة وخفض التوتر التي صدرت عن كل العواصم الغربية، ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تطرّق إلى التحقيق في انفجار المرفأ، وقال إنّ “حزب الله” قوة سياسية كبيرة في هذا البلد العربي، لكن من الضروري حلّ الخلافات عبر الحوار من دون سفك الدماء”.

وإذا كانت اشتباكات الطيونة وفّرت لـ”حزب الله” الفرصة من أجل وضع التحقيق في انفجار المرفأ مقابل التحقيق في تلك الاشتباكات من منظار اتهامه حزب “القوات اللبنانية” بأنه وراءها، مبرئاً نفسه من المسؤولية عنها، ويسعى إلى إدانتها من أجل أن يبني بناء على ذلك موقفاً سياسياً يستهدف هذا الفريق السياسي، فإنّ هذه المعادلة تذهب بالبلد نحو مزيد من التأزّم، مثلما ظهر في الساعات القليلة الماضية. بدا أنّ تسريب نبأ طلب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الاستماع لإفادة رئيس حزب “القوات” سمير جعجع في أحداث الطيونة يأتي في سياق المعركة السياسية حول التحقيق في انفجار المرفأ. وفي ظلّ هذا الصراع السياسي، بأبعاده المحلية والخارجية تنتج معادلة التحقيق في أحداث الطيونة مقابل التحقيق في انفجار المرفأ معادلة أخرى: مقابل الاستماع لجعجع يرتفع مطلب التحقيق مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. هكذا تتوالد المعادلات التي نشأت عن أحداث الطيونة، لتظهر على المسرح السياسي مطالب متقابلة ومتناقضة يستهدف كل لاعب فيه خصمه عبر وسائل نفوذه أو وسط الرأي العام.

النتيجة العملية لكل ما يجري هي أنه يتم استخدام القضاء في اللعبة السياسية المتعددة الأبعاد بطريقة تذهب بلبنان إلى مرحلة خطرة. وإذا كان “حزب الله” يبرّر موقفه ضدّ قاضي التحقيق في انفجار المرفأ بتدخّل أميركي لديه وبحماية واشنطن له وبتوجيهها مسار التحقيق الذي يسلكه كما يردّد نوابه وقياديوه، فإنّ من الطبيعي أن تنشأ في الجهة المقابلة الشكوك حول دور ضاغط للحزب في التأثير على التحقيق في أحداث الطيونة وتوجيهه ضدّ “القوات”. لكنّ الأخطر من ذلك، هو أنّ هذا الاستخدام للقضاء في اللعبة السياسية التي تأخذ منحى جهنمياً هو أنّ كل شيء في لبنان له انعكاس على العلاقات الطائفية المتوترة على الرغم من محاولات قادة الطوائف تهدئة الخواطر وإبقاء الصراع في دائرة التنافس المعقول على أبواب انتخابات نيابية مفترضة، يعمل كل فريق على استخدام كلّ الأسلحة فيها، نظراً إلى أنها ستحدّد موازين القوى السياسية والشعبية والنيابية وستؤثر في الانتخابات الرئاسية المقبلة في خريف 2022.

لا يكفي قول السيد نصرالله عن التحقيق في حادثة الطيونة أنه “تحقيق بحسب معطياتي جاد ودقيق ويتابع التفاصيل والتحقيق شجاع، وينبغي أن ننتظر الأمور بخواتيمها”، من أجل طمأنة جمهوره والإيحاء بأنه يركن إلى ما تقوم به أجهزة الدولة من أجل فكّ رموز ما حصل في الطيونة. فهو استلحق كلامه عن أنّ معطيات التحقيق لا تبررهم هذا بالقول إنه “يجب أن تستمر الإدانة السياسية ‏والشعبية والإعلامية لأولئك الذين اعتدوا وقتلوا وكادوا أن يجروا البلد إلى الفتنة وإلى التقاتل الداخلي وإلى ‏الحرب الأهلية”، قاصداً “القوات”. وعاد نائبه الشيخ نعيم قاسم أمس، فأدان “القوات وأمثالها من جماعات السفارات” في أحداث الطيونة، واعداً “بالاقتصاص من المرتكبين بحسب النظام اللبناني”.

النتيجة هي أنّ “الارتياب المشروع” سواء صح أم لم يصح، والذي كان حجة ضد القاضي بيطار، بات حجة حيال ما يمكن لـ”حزب الله” أن يهيئ له في مواجهة حزب “القوات” بعد تسريب نبأ طلب الاستماع إلى إفادة جعجع. وهو ما دفع الأخير إلى وصف القاضي عقيقي بأنه مفوّض “حزب الله”، وسط تسريبات بأن حليف الحزب “التيار الوطني الحر” يقف وراء هذا الإجراء في سياق المعركة الطاحنة بينه وبين “القوات”.

لم يكن عن عبث أن حذّر البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي “من محاولة إجراء مقايضة بين تفجير المرفأ وأحداث الطيونة-عين الرمانة”. وفضلاً عن أنّ الراعي يرفض معادلة هذا مقابل ذاك، بتشديده على أنّ “أحداث الطيونة- عين الرمانة على خطورتها لا يمكن أن تحجب التحقيق في تفجير مرفأ بيروت”، فإنّ ما ذهب إليه الحزب قد تسبّب باستنفار مسيحي ضدّ سياساته دفعت الراعي إلى المجاهرة بأن “لا نقبل، ونحن المؤمنين بالعدالة، أن يتحول من دافع عن كرامته وأمن بيئته لقمة سائغة ومكسر عصا”، متمنياً أن “يحترم التحقيق مع الموقوفين حقوق الإنسان بعيداً من الترهيب والترغيب وما شابه… وترك العدالة تأخذ مجراها في أجواء طبيعية ومحايدة ونزيهة، على أن تشمل التحقيقات جميع الأطراف، لا طرفاً واحداً كأنه هو المسؤول عن الأحداث”.

المعادلات التي أنتجها الحزب بعد موقعة الطيونة جراء موقفه العنيف من التحقيق العدلي في انفجار المرفأ رفعت درجة الاعتراض على دوره، وزادت الاستقطاب الطائفي والاستنفار المسيحي.

ترى من يقصد الراعي حين قال أمس السبت: “بعض القوى تهدّد مصلحة لبنان ووحدته، وتعطّل مسيرة الدولة ومؤسّساتها ودستورها واستحقاقاتها الديموقراطية وقضاءها”؟

حصيلة المعادلات التي تسود المسرح السياسي، هي إبقاء الحكومة التي أريد لها أن تخفف من أضرار الانهيار المالي الاقتصادي بمعزل عن الخلافات السياسية، معطلة، في وقت يستحيل عليها أن تستجيب لما يطلبه الحزب. فهي إذا استجابت تلغي نفسها بنفسها، لأنّ استكمال التحقيق في جريمة المرفأ بات شرطاً من شروط المجتمع الدولي، بالإضافة إلى شروط الإصلاحات وأولوية تلزيم الكهرباء بشفافية، والانتخابات النزيهة والابتعاد من الصراعات الإقليمية…

شارك المقال