الانتخابات النّيابيّة، الثّورة والطّائف

حسان الرفاعي

ستَجري انتخابات نيابيّة في لبنان عاجلًا أم آجلًا

يعقد اللّبنانيون آمالًا مصيريّة حول ضرورة إحداث تغييرات كبرى تساعدهم في التّخلّص مِنَ الكثير منْ الآفات الّتي حكمت حياتهم السّياسيّة والمعيشيّة حتّى اليوم.

ولكن رغم التّنوّع في الآراء الّتي جمعتها الثّورة نرى أنّ غالبيّتها لم تذهب أبعد من المطالبة بإجراء انتخابات نيابيّة وفقَ “قانون عادل” وهذه تسمية عامّة بعيدة عن أيّ تعريف علميّ. إذ يُخشى أنّ يسعى النّواب الحاليّون كما الحكومة، إلى تفصيل ثوبٍ على مقاس مصالحهم بحيث تبقى المحاصصة وتبادل المصالح تمامًا كما فعلَتْ غالبيّة الكُتل عبر اتّفاقها على قانون انتخابات 2018 الأخير.

وقد استفادت أحزاب السّلطة ولو بدرجاتٍ متفاوتةٍ من شعار ديمقراطيّة وعدالة الانتخابات وفق النّظام “النّسبيّ” الّذي نادتْ به الثّورة سنة 2015، فأتت الـ”نسبيّة” المشوهة لتقضي على آمال الثّورة بتحقيق أيّ خرقٍ يُذكر.

وقد زاد الطّين بلّةً، اعتقاد غالبيّة الثّوّار أنّ “بيروت مدينتي” واللّائحة المدعومة من قبل اللّواء “أشرف ريفي” في الانتخابات البلديّة في طرابلس سنة 2016 هي أمثلة لا بُدَّ أنْ تتكرَّر في الانتخابات النّيابيّة لصالح مرشحي مجموعات الثّورة، فتقدّم هؤلاء بترشيحاتٍ كثيرةٍ وعشوائيّةٍ أنهكتهم وشتّتْ أصواتهم بشكلٍ أمّن عودة أحزاب السّلطة إلى المجلس.

وقتها قلنا إنّ تجربة الانتخابات البلديّة في بيروت وطرابلس كانت مشجعّةٌ وناجحةٌ لأنّ النّاخب وجد نفسه أمام خيار انتخاب تجمّع أحزاب السّلطة والزعامات المحليّة، أو انتخاب لائحة موحدة للمعارضة. هكذا ذهب صوت كلّ مواطنٍ غاضبٍ من الحالة المتردّية في اتجاهٍ واحد، فاتّحد صوتُ المعارضين سنة 2016 بخلاف ما حصل سنة 2018.

تهدف هذه المقدّمة وهذا التّذكير إلى دعوة الثّوّار اليوم وعلى مختلف توجّهاتهم وتجمّعاتهم إلى محاولة الاجتماع حول قانون انتخابيٍّ يسمح بإعادة إنتاج وجوهٍ جديدة وسلطة جديدة. وعليه إنّ الاكتفاء بالمطالبة بالانتخابات النّيابيّة المبكرة، أو في مواعيدها، وفق “قانونٍ عادلٍ” يشكّل وصفةً للفشل ولتكرار تجربة 2018.

لذلك، يجب تحديد قواسم مشتركة من قِبَل الثّوّار تهدف إلى تمكينهم من إيصال الصّوت المعترض الّذي يؤمل منه التّغيير الضّروري والحيويّ.

كما أنّه، وبغياب أحزاب سياسيّة بالمفهوم الدّيمقراطيّ في لبنان، يجب أنّ يُؤجّل كلّيًّا البحث في الدّوائر الكبرى مهما كانت، وكذلك وضع فكرة “النسبيّة” جانبًا خاصةً بعدما أظهرتْ، خلافًا لما روّج له دعاتها، تراجعًا في نسبة المقترعين. لذلك وحدها الدّوائر الصّغرى على أساس الانتخاب الأكثريّ تسمح اليوم بإحداث تغيير مهمٍّ وتؤمّن تمثيلًا جيدًا.

ولقائلٍ أنّ الّدوائر الكبرى تُؤمّن الانصهار الوطنيّ نجيب أنّ الوطن لم يكن يومًا مخلّع الأبواب أكثرَ مما هو عليه اليوم مع ارتفاع الخطاب الفئويّ المتعصّب وتقدّم مفهوم “القوّيّ في طائفته” وانتشار بدعة “الميثاقيّة” الّتي أصبحت تخدم الاصطفاف المذهبي بدل أنّ تكون عنوانًا للتلاقي في بوتقة الوطن الّذي يؤمّن تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات.

فالدّائرة الصّغرى من نائبين إلى أربعة نواب، بانتظار التوصّل إلى تشريع الدّائرة الفرديّة، تحفّز المشاركة والاقتراع، وتسهّل الاختيار وتجنّب تعليب اللّوائح وتجيير الأصوات. إذ لا يجتمع في لائحةٍ واحدةٍ إلّا المرشّحون المنسجمون في أفكارهم وطروحاتهم تحت طائلة أنّ يضرب المرشّح السيئ مصداقيّة رفاقه في اللّائحة.

هذا الطّرح، كان طرحًا مسيحيًّا معتدلًا نادى به غبطة البطريرك صفير، كما حزب الكتلة الوطنيّة أيّام العميدين ريمون وكارلوس إدّه وكذلك حزبي الكتائب والوطنيين الأحرار، كما لا نعتقد أنّ قانون الدّوائر الصغرى يزعج أيٍّ من الزّعيمين سليمان فرنجيّة وميشال معوّض. أمّا حزب القوّات اللّبنانيّة فإنّه ولعلمه باعتراض الثّنائيّ الشّيعيّ على قانونٍ كهذا يبقى متمسّكًا بالقانون الحاليّ الّذي يسمح له إلى ردّ الصّاع صاعين للتّيار العونيّ عبر “تشليحه” غالبيّة المقاعد المسيحيّة بحيث يتصدّر التمثيل المسيحي ويرفع بدوره شعار “الأكثر تمثيلًا في طائفته”.

إنّ قانون الدّوائر الصغرى يسمح أيضًا للدّروز أن يبنوا تحالفات صلبة مع مسيحيي الجبل، تحالفات تدوم وتستمرّ وتكون المدخل الفعلي لعودة الجبل إلى سابق ازدهاره وتعايشه ولو أدى الأمر إلى تصغير كتلة الزّعيم وليد جنبلاط.

يبقى أنّ الثنائيّة الشيعيّة لن تقبل بأيّ قانونٍ يعيد بعض التّنوع إلى باقة الـ 27 نائبًا شيعيًّا في مجلس النّواب. أمّا بالنسبة للطائفة السنّيّة فإنّ نتائج انتخابات 2018 مرجّحٌ أنْ تتكرّر مهما كانت طبيعة قانون الانتخاب، سوى أنّ الدّوائر الصغرى كفيلةٌ بايصال نوعيّة نواب أفضل وسترفع نسبة الإقتراع، خاصةً في مدينة بيروت.

أمّا فيما يعود لاتّفاق الطّائف فنؤكّد أوّلًا أنّ الأفكار الّتي لم ترد في متن التّعديلات الدّستوريّة لسنة 1990 هي أفكار غير ملزمة خاصّة لأنّها لم تُصغ بوضوح بل هدفت غالبًا إلى تأجيل البحث بها، والاتّفاق على تفاصيلها، إلى حين عودة النّواب إلى لبنان. إذ نصّت الوثيقة فيما يعود لقانون الانتخابات النّيابيّة على الآتي:

“تجري الانتخابات النّيابيّة وفقًا لقانون انتخاب جديد على أساس المحافظة، يراعي القواعد الّتي تضمن العيش المشترك بين اللّبنانيّين وتؤمّن صحّة التمثيل السّياسيّ لشتّى فئات الشعب وأجياله وفعاليّة ذلك التّمثيل، بعد إعادة النّظر في التّقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات”.

وقد كتب النّائب السّابق منيف الخطيب الّذي شارك في اجتماعات الطّائف مقالة بتاريخ 9 نيسان 2021 في جريدة النّهار بعنوان “لا حلّ للمعضلة اللّبنانيّة إلّا باعادة تكوين السلطة وفق الأسُس الدّستوريّة السليمة” حيث نقرأ: “…إعادة النّظر في التّقسيمات الإدارية انسجامًا مع أحكام الدّستور وإنشاء محافظات جديدة بدل الأقضية الحاليّة الّتي تفوقها عددًا بعد تقسيم الأقضية الكبری، إذ تكون المحافظة الجديدة في حجم القضاء أو أصغر وهي الّتي تشكّل الدائرة الانتخابية، لا كما حصل في السابق حيث اعتمدتْ دوائر متفاوتة الأتساع والحجم وعدد المقاعد كأنّها عمليّة فرز وضمّ. لا يقل عدد المقاعد في الدائرة الواحدة عن اثنين ولا يزيد عن أربعة، ويراوح عدد الدوائر مابين33 و 36 دائرة وعدد النّواب 108، في حال ابقاء عدد المقاعد 128 يمكن زيادة عدد الدوائر لتبقى منسجمة بعضها مع بعض. إنّ المجلس النیابي المنتخب وفق هذه الأحكام الدّستورية هو المؤهل لإنتاج سلطة دستورية جديدة وفق إرادة الشعب، تعيد الثّقة بالدولة وتحقّق العدالة بین الجميع وللجميع وهي خشبة الخلاص الوحيدة.”

ولدى اتصالي بكاتب المقالة شرح لي كيف إنّ فكرة هذا التّقسيم أخبره بها النّائب الرّاحل الدّكتور “جورج سعادة” في الطّائف وقد كان الرّاحل من المفاوضين الأساسيّين عن الفريق المسيحي وخاصّة عن الجبهة اللّبنانيّة.

إنّ في كلّ ما تقدّم ربحاٌ للثورة والثّوّار يؤمل أنْ يوصلنا إلى إنتاج طبقة سياسيّة أفضل.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً