“الدوري” عن غادة عون: ليلى أكلت الذئب

الدوري
الدوري

“الدوري” الحربوق الحشّور يتسلى مع رفيقه. قال له: هل سمعت قصة ليلى والذئب؟ حدجه الرفيق بسخرية: ومن لم يسمعها؟ أليست قصة البنت الصغيرة والذئب الذي أكل جدة ليلى وأراد أكلها؟… قهقهه الحربوق: نوعاً ما لكن هذه قصة حدثت في غابة طبيعية. لكن هنا حيث نعيش أنا وأنت، في لبنان الغابة، القصة تختلف وتصير: ليلى أكلت الذئب…

رد الرفيق متوتراً: كأنك تسخر مني… اعتذر الحربوق منه وهدأه قائلاً: تعالَ نسمع القصة التالية التي سيقرأها اللبنانيون في زمن غير بعيد:

كان يا ما كان قاضية اسمها غادة عون همها الوحيد دق المسمار الأخير في نعش الدولة، المتلاشية أصلاً ولم يبق منها سوى مؤسسات تجهد للبقاء.

تلك كانت أيام كورونا وأوبئة اقتصادية ومالية وسياسية. أرادت تلك القاضية أن تصلح بقعة أرض صغيرة، كرمى يرضى الهدهد الكبير. ربما كانت تلك الأرض بحاجة فعلاً للإصلاح، لكنها لم تطلب إذنا أو دستوراً، بل داست حدوداً شاسعة لتصل الى البقعة الصغيرة.

كثيرون من اللبنانيين لم يكونوا يوماً من الأيام من المدافعين عن المصارف، على الرغم من أهمية القطاع وحيويته في حياتهم الاقتصادية والمالية وأيضا للدول العربية، ومعظمهم لم يملكوا في هذا القطاع سوى مجموعة ديون لهذه المصارف عجزوا عن تسديدها، قبل أن تعجز هذه المصارف عن سداد ديونها للناس.

كثيرون لم يفهمواً يوماً موضوع شحن الأموال من لبنان وإلى لبنان التي يجيزها القانون، فلا أموال لديهم لشحنها إلى الخارج ولا أموال في الخارج يريد أحد شحنها لهم.

لكنهم كمواطنين دفعوا واجباتهم للدولة. ومن موقع المتابع لم يخف البعض إعجابهم بالقاضية، فصاروا يتابعون ما تقوم به من تحقيقات وما تأخذه من قرارات عن كثب عبر وسائل الإعلام. بل وهلّل لها البعض.

تصوير حسام شبارو

فجأة صارت هذه القاضية تتصرف مثل “رامبو” تكسر أبواباً وتخلع خزائن، والأخطر تمزق قوانين. ماذا يحصل؟ سأل اللبنانيون بعدما بات فتح الملفات استنسابياً، بناء على طلب مرجعية سياسية تتوزع بين بعبدا وميرنا الشالوحي.

قاض بارز قال: “مع احترامي لجميع وزراء العدل، إلا أن وزير العدل الحقيقي منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية هو سليم جريصاتي”. في إشارة معبرة عن تحكم القصر الجمهوري عبر جريصاتي بكل مفاصل وزارة العدل.

في كل ما حصل في تلك الأيام سترسخ حقيقة واحدة هي أن القاضية عون استقوت بمرجعيتها السياسية على مرجعيتها القضائية، واعتمدت شريعة الغاب بدلاً من القوانين التي تنظم عملها، واستقوت على القوى الرسمية المولجة إنفاذ القانون بعناصر حزبية.

هذا الاستقواء فاض بها طيشاً فقال لسان حالها: “أنا القضاء والقدر… والقضاء أنا”. عرّابها في السلطة قال قبلاً: “انا رئيس الجمهورية… أنا الجنرال”.

إن كانت تدري القاضية عون ماذا فعلت فتلك مصيبة، وإن كانت لا تدري فالمصيبة أكبر. فخروجها على القانون وعدم احترام قرارات أرفع هيئة قضائية والالتزام بالقانون، يؤدي عملياً إلى تطيير التحقيق بالتدقيق الجنائي، في ظل سيناريوات تتحدث عن أن من يقف خلف عون هدفه منع التدقيق الجنائي في وزارات الاتصالات والتربية والطاقة التي صرفت في السنوات الأخيرة ما يقارب الخمسين مليار دولار، أي لوحدها تكون نصف الدين العام. وبهذا يكون منع التدقيق الجنائي فعلياً وبالوقت نفسه تحت حجة “ما خلّونا” لأننا كنا نريد محاربة الفساد والفاسدين.

ليس بالضرورة أن يكون القاضي الفاسد هو القاضي المرتشي فحسب. ماذا عمن يخالف القوانين ويفتح ملفات استنسابية لغايات شخصية أو سياسية، ويجيّر القضاء لمصالح حزبية، ويستبدل قوى إنفاذ القانون بعناصر حزبية، ويعتدي على الأملاك الخاصة ويخلع الأبواب من دون مسوّغ قانوني، أليس هو قاضياً فاسداً؟

فمن كان خصمه القاضي لمن يشتكي؟

مع غادة عون ردد اللبنانيون مثلاً روسياً يقول: “لا تخف من العدالة بل من القاضي”!

*******

الدوري الرفيق هز رأسه مبدياً أساه من وجع القصة ومن عذاب اللبنانيين. وقال للحربوق: فهمت فهمت… قصدك أن غادة هي ليلى وأن الدستور هو الذئب… وأن غادة أكلت الدستور.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً