منافسة للسيطرة على موانئ الشرق الأوسط

حسناء بو حرفوش

من المتوقّع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط استمراراً في تدفّق الاستثمارات الضخمة إلى موانئها، بالتزامن مع تنافس الجيران على الصدارة وسعي القوى العالمية إلى السيطرة على الطرق التجارية، وذلك وفق قراءة في موقع “إنفستمنت مونيتور” (Investment Monitor) المتخصّص في البيانات والرؤى والتحليلات حول الاستثمار الأجنبي المباشر.

جاذبية مرفأ بيروت

ووفق المقال، للبنان حصته من هذه المنافسة التي اجتذبت في العقود الأخيرة، استثمارات بمبالغ ضخمة في المنطقة. فـ”على الرغم من أنّ الوضع في البلاد التي تختبر حالياً انهيار الخدمات العامة وأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، قد لا يشكّل مصدر جذب للاستثمارات الأجنبية الكبرى، لم يمنع ذلك العديد من الشركات العالمية من التنافس بشدّة للفوز بعقد إعادة إعمار مرفأ بيروت، الذي دمرته كارثة 4 آب 2020. ويؤكد ارتفاع مستوى اهتمام المستثمرين بمرفأ بيروت، إضافة إلى مشاريع الموانئ الأخرى في عمان والأردن و(إسرائيل) مدى جاذبية هذه الأصول. ولعبت مبادرة الحزام والطريق الصينية دوراً في دفع الاستثمار الخاص بشكل متزايد بعد حصر ملكية الموانئ حتى وقت قريب للدولة في الغالب. وبينما ترى الصين ودول أخرى مكاسب سياسية للسيطرة على الموانئ على طول طرق التجارة الرئيسية، ما مدى جاذبية موانئ المنطقة من منظور الأعمال التجارية خصوصاً في ظل الانخفاض في الإنتاجية وصعوبة التنبؤ في قطاع الشحن في ظل جائحة كورونا؟

لا شك أنّ شحن الحاويات نشاط حيوي للمنطقة بجغرافيتها كجسر بين أوروبا وآسيا، وتتعامل موانئ الشرق الأوسط مع كمية كبيرة من السلع المتداولة عالمياً (…) وشهدت موانئ شرق البحر المتوسط ​​والخليج العربي والبحر الأحمر استثمارات كبيرة على مدار العقد الماضي، تحديداً لناحية زيادة الطاقة الاستيعابية (…) من خلال تطوير محطات جديدة والبنية التحتية المرتبطة بها، بدلاً من الاكتفاء بتوسيع المرافق الحالية، وفقاً لتقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) (…). وليس من المفاجئ أن يستمر الاهتمام بهذا الاستثمار طوال فترة الوباء. في هذا الإطار، شدّد مسؤول برنامج “Train For Trade” خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية مارك عساف، على أنّ الاستثمار في الموانئ نادراً ما يتضاءل، حتى في أوقات الاضطرابات. 

إنتاجية الموانئ

ولكن ما الذي تظهره الأرقام عن إنتاجية الموانئ؟ يعدّ جبل علي في دبي من بين أفضل 20 ميناء في العالم لحركة مرور البيانات. ومع ذلك (…) شهدت الأرقام نتيجة لزيادة المنافسة المحلية، انخفاضاً في تصنيف هذا الميناء. وعلى الرغم من تدفّق الاستثمارات ما بين عامي 2010 و2016، لم تزد إنتاجية الحاويات إلا بنسبة 4% فقط سنوياً خلال تلك الفترة حسب BCG وانخفضت معدلات الاستخدام من 75% إلى 66%. ونظراً إلى أنّ الموانئ في المنطقة بدت غير منتجة، تضرّرت التجارة العالمية من آثار جائحة كورونا، التي لا تزال تعوق طرق التجارة العالمية. ولم يتسبّب تخفيف قيود السفر في أجزاء كثيرة من العالم وتزايد الطلب على إعادة التخزين، إلا بتراكم وتأخير العمل في العديد من الموانئ على مستوى العالم.

كما أبرز تحديث “DHL” للأسواق، أنّ الخدمات بين آسيا والشرق الأوسط كانت الأكثر تضرراً من التحوّل العالمي إلى أكثر الطرق ازدحاماً بين الشرق والغرب والتي وصلت فيها أسعار الشحن الفورية إلى مستويات قياسية. وتبلغ طاقة الحاويات التي تسافر بين وسط الصين والشرق الأوسط 40% فقط، ومع ذلك كانت هناك حاجة لسفن إضافية في المسار لأنّ ازدحام الميناء يجعل الرحلة ذهاباً وإياباً غير ممكنة خلال سبعة أسابيع. بالإضافة إلى ذلك، لم يتحقّق بعد أي انتعاش اقتصادي عالمي واضح ومستدام.

موانئ للبيع

ومع ذلك، لم تكبح التحدّيات أعلاه اهتمام المستثمرين، وخصوصاً الصين، بمجموعة واسعة من مشاريع الموانئ في جميع أنحاء المنطقة، حيث افتتحت محطة ميناء جديدة في خليج حيفا في أيلول 2021، بتطوير من شركة “Shanghai International Port Group” الصينية المملوكة للدولة (…) والتي ستشغلها بامتياز لمدة 25 عاماً. كما تتم خصخصة ميناء حيفا الحالي (…)، وسيكون المشغل الجديد للميناء في منافسة مباشرة مع المحطة الجديدة التي تديرها الصين والتي تقع في مكان قريب. أما إذا فاز العرض الصيني في بيروت، فسيضيف إلى جعبة الصين عمليات الموانئ الحالية في طرابلس وأشدود المجاورة في (إسرائيل)، عدا عن المحطات في مصر.

وتخلق هذه الموانئ سلسلة من العمليات للشركات الصينية على طول شرق البحر المتوسط​​، كما توفر بوابة إلى سوريا التي ترى فيها الصين فرصاً استثمارية في إعادة إعمار البلاد (…)، كما لا يقتصر مصدر الجذب على موانئ الحاويات فقط. ففي الأردن، وقّعت مجموعة “موانئ أبوظبي” في أيلول الماضي اتفاقية تطوير محطة السفن السياحية في ميناء العقبة، بقيمة 10 مليارات دولار بدعم من الإمارات العربية المتحدة. وأعلن ميناء صحار في عمان، عن مشروع مشترك بين الحكومة العمانية وميناء روتردام الهولندي، عام 2021 بهدف توسيع خدمات تزويد السفن بالوقود في محاولة للتنافس مع جبل علي، الرائد الإقليمي لهذه الخدمة. 

الاستثمار التكنولوجي

ومع تركز الاستثمارات في السنوات الأخيرة بشكل أساسي على زيادة القدرة التنافسية مع الموانئ الأخرى في المنطقة، تتطلّب الطبيعة المتغيرة للشحن استثمارات أكبر في التكنولوجيا (…). في هذا السياق، توصي شركة “ستراتيجي أند كريايتس” (Strategy & Creates) للاستشارات، مشغلي الموانئ في المنطقة بالاستثمار بكثافة في التقنيات الرقمية مثل تقنيات “البلوكتشين” (blockchain) والمركبات ذاتية القيادة والطائرات المسيرة وأجهزة الاستشعار الذكية والطباعة ثلاثية الأبعاد والمنصات السحابية (…)، وهذا يتطلّب بدوره، كما يلفت عساف، تطويراً في مهارات القوى العاملة لتتمرّس أكثر في التكنولوجيا.

أخيراً، لا شك أنّ انتقال العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري، سيترك تأثيراً كبيراً في تشغيل الموانئ في المنطقة، والتي تركز عملها على حصص كبيرة من السلع المشتقّة من الوقود الأحفوري في العالم. لكن مع ذلك، لا تنجح أي من الرياح المعاكسة المحتملة، على الأقل في الوقت الحالي، في تخفيف شهية المستثمرين للموانئ في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.

شارك المقال