“القوات” و”التيار”: مكمن أمنيّ ومكمن سياسيّ!

حسن الدّر
حسن الدّر

إذا كانت المصلحة في السياسة هي المبدأ، فمعنى ذلك أنّ عدم المبدأ هو في عينه مصلحة السياسة، هذا لمن يعتنق مبدأ المفكّر والفيلسوف الايطاليّ نيكولو ماكيافيلّي في العمل السياسيّ!

أمّا في لبنان فقد تخطّى بعض الساسة ماكيافيلّي نفسه، مع فارق أنّ غايات ماكيافيلّي نبيلة، ليتفوّقوا على جوزف غوبلز وزير الدعاية النّازي وصاحب العبارة الشهيرة: “اكذب ثمّ اكذب حتّى يصدّقك النّاس” مع فارق آخر، أنّ غوبلز كان يتقن فنّ “الكذب” احترامًا لنفسه أوّلًا ولعقول خصومه ومريديه ثانيًا.

ولأنّ الشيء بالشيء يذكر، فلا بدّ من الوقوف مليًّا أمام المشهد السياسيّ الذي أفرزته أحداث الطّيونة، والتي كشفت زيف ادّعاءات المدافعين عن استقلاليّة القضاء، والمطالبين بضرورة احتكام المتّهمين إلى مؤسّسات الدولة! وعند الامتحان سقطت الأقنعة وانقلبت المواقف رأسًا على عقب.

فمع رفض رئيس حزب “القوات اللبنانيّة” سمير جعجع المثول أمام مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي فادي عقيقي (قاضي “حزب الله” برأيه)، انطلقت حملة سياسيّة وإعلاميّة ممنهجة ضدّ “تسييس” القضاء “واستنسابيّة” المحكمة العسكريّة وعدم مراعاتها “حقوق الانسان” في ممارستها التّرهيب والتّرغيب للضغط على الموقوفين.

لوهلة، تظنّ أنّ المتكلّمين ينتمون إلى ثنائي حركة “أمل” و”حزب الله”، أو لـ”تيار المستقبل” أو “المردة”، عندما انتقدوا أداء قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار، والذين عِيْبَ عليهم ارتيابهم المشروع من أداء القاضي!

علمًا أنهم طالبوا، وما زالوا يطالبون، بمراعاة الأصول القانونيّة والدستوريّة وإحالة المتّهمين بالإهمال الوظيفيّ إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، على غرار القضاة الذين أحيلوا على مجلس القضاء الأعلى وفق ما ينصّ عليه الدستور اللبنانيّ.

في الموازاة، تولّى قياديون في “التيار الوطني الحر”، وعلى رأسهم رئيسه جبران باسيل، الترويج لأكذوبة مفضوحة بأنّ تنسيقًا بين حركة “أمل” و”القوات اللبنانية” سبق الدعوة إلى الاعتصام أمام المجلس العدلي في الطيونة، لجرّ “حزب الله” إلى اشتباك داخلي وتوريطه بحرب أهليّة!

الفارق بين كذبة “التيار” وأكاذيب غوبلز يكمن في سماجة الكذبة الأولى ووهنها، المردودة بدماء شهداء “أمل” في الطيونة، والمبنيّة على دليل مضحك. فقد اكتشف جهابذة “التيار” خيوط التّنسيق في المكمن من خلال تقاطع رأي “الحركة” مع رأي “القوات” حول بعض نقاط القانون الانتخابي، ورفض مقترحات باسيل، كأغلب الكتل النيابية، لتعديل، وربما تطيير الانتخابات!

ولكن، ماذا عن تطابق مواقف “التيار” و”القوات” حول أصل القانون الحالي، ورفض القانون النسبيّ على أساس لبنان دائرة انتخابيّة واحدة؟! وماذا عن تماهي “التيار” مع “القوات” في قضيّة تحقيقات المرفأ وتأمين حصانة “طائفيّة” للقاضي طارق البيطار، والتي وصلت إلى حدّ المزايدة على حساب حليفه الأوحد “حزب الله”؟!

لا نريد الدخول في النيات التي لا يعلمها إلّا الله، لكنّ اتّهام “التيار” لـ”أمل” ينطوي على خطورة كبيرة، ومخاطرة تصل إلى حدّ المجازفة بمحاولة تفخيخ البيئة الشيعية، ودسّ السمّ في جسد الحلف التكامليّ، وهو حلم عجزت دول كبرى عن تحقيقه.

فلماذا يتنطّح باسيل لتأدية دور “المعادي” لبيئة المقاومة؟ هل هي العقوبات الأميركيّة؟! ربما!

أمّا الردّ الأقوى على افتراءات ثنائي “اوعى خيّك”، فقد جاء من رأس الكنيسة المارونية، عندما بدأ البطريرك الراعي جولته على الرؤساء الثلاثة من نقطة الوسط التي تجتمع إليها كلّ التناقضات، حيث طرح الراعي في عين التينة عينَ الطّرح الذي كان قدّمة الرئيس برّي، بالتنسيق مع “حزب الله”، لحلّ مشكلة تحقيقات المرفأ، وعودة جلسات الحكومة إلى الانعقاد.

وبالمناسبة، فإنّ باسيل هو من عطّل هذا الطّرح، حسب مصادر مقرّبة من عين التّينة، بسبب “حرده” بعد جلسة مجلس النواب الأخيرة. وأكّدت المصادر عينها أنّ “لا صحّة لما يتمّ ترويجه عن مقايضة بين قضيّتي المرفأ والطيونة، فالدّم ما زال على الأرض، كما قال الرئيس برّي بحضور البطريرك الراعي، وكلّ ما نريده هو تحقيق العدالة ومعاقبة القتلة والمحرّضين”.

لقد أكّد الراعي، بالممارسة، محوريّة ووطنيّة الدور الذي يؤدّية الرئيس برّي لوأد الفتنة ورأب الصّدع، وأسقط تهمة “التيار” لـ”أمل” بالتّنسيق مع “القوات”، وتهمة “القوات” لبرّي بالضغط على القاضي فادي عقيقي بسبب صلة قرابة تربطهما!

الخلافات كبيرة وعميقة بين “القوات” و”التيار”، لكنّهما يتّفقان على ازدواجيّة المعايير، والمزايدة على بعضيهما بالخطاب الطائفي المقيت.

فليرحموا هذا البلد المتهالك، وكفى الله اللّبنانيين شرّ المكامن الأمنية والمكامن السياسية!

شارك المقال