بين “تطيير” الانتخابات و”تطويقها”.. المطالبة بإشراف عربيّ – دوليّ!

راما الجراح

الماكينات الانتخابية بدأت تستعد شيئاً فشيئاً للاستحقاق الانتخابي المُنتظر في ربيع عامنا المقبل. فبين 27 آذار و8 أيار، أيام معدودة لا تستدعي بتاتاً حصول أي خلافات واضطرابات بين الأفرقاء السياسيين داخل المجلس وخارجه، إلا في حالة واحدة متوقّعة ومرجّحة وهي إطاحة بالانتخابات. فعلى الرغم من معارضة “التيار الوطني الحر” على تقديم موعد إجراء الانتخابات، إلا أنّ مصادرَ من داخل “التيار” عينه تشير إلى أنّ تحضيراتهم للاستحقاق قائمة على قدمٍ وساق، مع تخصيصهم ميزانية كبيرة للقياديين للعمل في جهاز الانتخابات، بالإضافة إلى تكثيف العمل على المستوى الطالبي والشبابي التي يمكن أن يعانوا معهم، بعدما اكتشفوا وجود خلل كبير على هذا الصعيد إثر كل الأحداث والمواقف السياسية التى واجهها “التيار” والتي لم تصبّ لمصلحته منذ الانتخابات الماضية حتى اليوم.

بالعودة إلى الجو الانتخابي بشكل عام، وما إذا كنا سنلمس تغييراً جذرياً طمعاً بالجو الديموقراطي الذي تراهن عليه أغلبية الشعب اللبناني باختلاف طوائفه ومذاهبه، والذي لا يزال يعاني الخضات الأمنية والسياسية التي افتعلتها الدولة والدويلة، تشرح منسّقة البرامج في “الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات” (“LADE”) ديانا البابا لـ”لبنان الكبير” عن تأثير هذه الأجواء في انتخابات العام المقبل، وتقول إنّ “ديموقراطية الانتخابات في خطر، فالأجواء المرافقة للعملية الانتخابية يعتريها العديد من الشوائب، والخطاب المذهبي والطائفي الذي نشهده بشكل شبه يومي، بالإضافة إلى التقاصف الإعلامي بين جميع الأفرقاء السياسيين، يجعل من هذه المرحلة دقيقة جداً. وبهذه الطريقة يتم تفريغ الانتخابات من مضمونها، وبدلاً من أن نلمس ونسمع خطابات مبنية على برامج معينة لحل المشاكل الاقتصادية التي يعانيها لبنان، نعود للمُربّع الطائفي والمذهبي الذي يؤدي أيضاً إلى العنف، ويمكن أن يتكرر مع تكرار الخطاب الطائفي الفئوي، وبالتالي هذا يشكل خطراً على إمكان إجراء الانتخابات من جهة، وعلى خيارات الناس من جهة أخرى”.

بالنسبة إلى مسألة تحديد موعد الانتخابات في 27 آذار 2022، توضح البابا: “نحن لا نقول أنهم في هذه الفترة يتخطّون المهلة القانونية، لكن هذا التاريخ محدّد قبل شهرين من نهاية المجلس، لذا نرى أنه سيؤثر في تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين والمرشحات. فمن جهة، نرى أحزاباً سياسية وتقليدية لديها ماكينتها الانتخابية وتلعب على الوتر الطائفي وشدّ العصب. في المقابل، هناك مرشحون آخرون يهمهم قيامة البلد ويطمحون إلى مستقبل خالٍ من هذه النعرات. لذلك تهمنا العدالة بين المرشحين، ونرى أنه لو تم تعيين الانتخابات في أيار، لكان أفضل للجميع”.

وتعتبر أنّ “تعيين هيئة الإشراف يُعتبر أساسياً لضمان صحة الانتخابات، وبالتالي عدم تعيينه حتى اليوم والاصرار على إجراء الانتخابات في 27 آذار يشلّ عمل هذه الهيئة وتدور الشكوك حول طريقة إجراء الانتخابات ونتائجها، بالإضافة إلى أننا نشدّد على قرار عدم حصر اللبنانيين غير المقيمين في لبنان بانتخاب نواب محددين”.

ويرى المدير التنفيذي لـ “ملتقى” التأثير المدني” زياد الصائغ أنّ “الاستحقاق الانتخابي هو استحقاق دستوري يجب احترام مواعيده وإجراءاته التنفيذية، على أن يكون حراً ونزيهاً تحت سقف القوانين، لكن من الواضح أنّ منظومة التحالف القائمة بين المافيا والميليشيا تشعر بأنها خسرت الكثير من قواعدها وبدأت عملية تلاعب بكل مندرجات هذا الاستحقاق الدستوري، ولن نُفاجأ بذلك، لأننا نستذكر كيف تم التمديد لمجلس النواب في المرحلة السابقة، وهذه الخسارة المرتقبة للمنظومة أياً يكن شكلها ونسبتها، وعلى الرغم من عدم قدرة أحد على تخيلها، لكن من الواضح حتماً أنّ المنظومة بدأت تضع الانتخابات في خطر انطلاقاً من تبادل أدوار من تحديد موعد الانتخابات، إلى افتعال أحداث أتخوّف من استعادتها، لمحاولة الاستثمار في البعد الأمني إما لتطيير الانتخابات أو لتطويق الانتخابات ونتائجها”.

ويركّز في معرض حديثه على أنّ “هناك عملية تهجير منهجي للبنانيين، فالعامل النفسي مهم جداً، ويتم العمل على إحباط اللبنانيين وجرّهم إلى اليأس، وهذه الطريقة هي بجزء منها تفريغ قدرتهم على التأثير، وعلى اللبنانيين جميعاً الانتباه لهذه النقطة، مما يعني البقاء على المقاومة والصمود على الرغم من أنّ مقوماتها غير متوافرة. ويبقى التحدّي الأساسي لدى القوى المجتمعية الحقيقية في لبنان هو أن تستعد بشكل موحّد في الرؤية، والبرنامج، والقيادة، لتستطيع مواجهة هذه المنظومة في الاستحقاق النيابي المقبل، مع ضرورة الانتباه إلى أنّ هذه الانتخابات قد تفخّخ بتطييرها أو تزوير نتائجها عبر مؤشّري الترهيب والترغيب”.

ويتمنى الصائغ على “كل هيئات المجتمع المدني أن يكونوا معنيين بالعمل الجدّي على تكوين أوسع تحالف لخوض الانتخابات بشكل موحّد بعيداً من الأنانيات والمزاجيات والأجندات الشخصية، لأنّ القضية لا تتعلّق بمواقع نفوذ بل تتعلّق بمواجهة الخطر الوجودي الذي يعانيه لبنان”.

ويختم الصائغ أنّ “الانتخابات هي المحطة الأولى للتغيير في لبنان، والتي يجب أن نعمل ونضغط لتكون تحت إشراف عربي ودولي، لأنه حتى تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات ستكون مفخخة، والمعركة مع هذه المنظومة أبعد من الانتخابات، وهي على المديين المتوسّط والبعيد، ولا تتمثّل فقط بتغيير المنظومة، بل بتغيير كل مفهوم العمل السياسي في لبنان، وهذا يقتضي عملية تنظيف منهجية لكل الوباء الذي أصيبت به السياسة اللبنانية من فنّ الإفادة من الشأن العام لمصالح خاصة، عدا عن استعمال آليات القتل والترهيب بحقّ كل الأحرار في لبنان والتي كانت ولا تزال جزءا من الأداة السياسية”.

شارك المقال