“حكومة الوهم” بين حسابات ميقاتي والإملاءات الخليجية

ليندا مشلب
ليندا مشلب

صاحب شعار النأي بالنفس وجد تجربته الثالثة في سدة رئاسة الحكومة في عمق العاصفة، وكالروح الشيطانية عصفت المشكلات مرة واحدة داخل مجلسه الوزاري فشرعت النوافذ على أزمات حاول الرجل عند قراره خوض هذه المغامرة ان يرتبها وفق الأولويات، مستنداً إلى الدعم الفرنسي والابتسامة الاميركية الملتبسة وفتح ابواب بعض الدول العربية من دون ان يحسب حسابا لبروز ما هو أخطر خصوصا الازمة اللبنانية – السعودية التي استفاقت مجدداً.

ذهب الرئيس ميقاتي الى قمة التغير المناخي وهو يدرك تماماً ان مناخه في لبنان ملبد ومتغير على مقياس ملفات اقليمية ودولية متشعبة ومترابطة، محاولاً الاستفادة من لقاءات يجريها مع رؤساء دول طلباً للمساعدة ولتثبيت منطق أنه غير محاصر كسلفه ويستطيع أن يبرم العالم، لكنه يعلم ان الحصار على لبنان وليس على شخصه وفك هذا الحصار سيكون أصعب من فك السحر… لو اجتمع منجمو العالم.

يقول مصدر حكومي بارز لـ”لبنان الكبير” في اليوم الثاني من اندلاع معركة قرداحي انها “مش قصة رمانة قصة انو بمأرب ولعانة” ما يؤكد العلاقة الوطيدة بين ما يحصل على الساحة اللبنانية وتطورات الإقليم، وما هذا الملف الا حلقة من سلسلة ازمات سنواجهها في الآتي من الايام بالتوازي مع ارتفاع مستوى التفاوض في كل الأماكن من العراق الى فيينا واليمن وحتى العلاقة الفرنسية – الاميركية وما سيرافقها من رفع سقوف واحتدام الكباش الذي سينعكس سلباً على حكومتنا في ظل القرار الخليجي الاساسي بعدم دعم اي حكومة لبنانية قبل تغيير الهيكلية السياسية القائمة، وإلغاء او تخفيف بالحد الادنى قبضة “حزب الله” على البلد… من هنا قلنا اكثر من مرة، يقول المصدر، انه لن نتقدم قيد انملة من دون الدعم المادي السعودي والخليجي، الفرنسي لا يدفع ومعروف عنه انه يبحث عن مصادر يستفيد منها، والأميركي يطلب من غيره الدفع بضوء أخضر وصندوق النقد يقدم لنا الختم، اي الثقة، ليس إلا، والقطارة لم تعد تنفع مع عمق الانهيار.

وحول الزيارات الخارجية لميقاتي وتوافد المسؤولين الى بيروت يجيب المصدر: حراك لن ينفع فالدولار أصبح بـ 21 الفاً، الدعم رفع نهائياً من دون بدائل اجتماعية، والبنك الدولي يفرمل حالياً التمويل وصندوق النقد يوقع ولا يدفع الا بعد الانتخابات، ولا حلول قبل تحديد حجم ونفوذ كل طرف في لبنان والمنطقة… والسؤال في ظل هذا الجو القاتم: ما مدى مصلحة ميقاتي في ترك الأمور هكذا ومن دون اجتماعات لمجلس الوزراء الذي لن يستطيع فعل شيء واتخاذ قرارات إذ علم ان ميقاتي سيكتفي حالياً بتسيير الأمور من خارج مجلس الوزراء.

إن من توقع ان تشهد حكومة ميقاتي على مرحلة الانهيار الأسوأ لم يخطىء لأن التداعيات ستكون كبيرة وخطيرة جداً، لكون التصعيد الخليجي سيشتدّ بدعم أميركي، فواشنطن لا تكترث الا لأمرين في لبنان: معالجة ترقيعية لمشكلة الكهرباء لتأجيل اتخاذ قرارات بشأنها وإجراء الانتخابات لتحقيق خرق بعدد نواب جدد يـراوح بين الـ10 و15 نائباً من المجتمع الدولي وقوى المعارضة في الشارعين المسيحي والسني، والهدف إضعاف التيار الوطني الحر لكسر الغطاء على “حزب الله” فربما هي المرة الأخيرة التي نرى فيها جبران باسيل يخرج محاطا بـ25 نائباً من مجلس النواب والمطلوب ان يخرج معه نواب على عدد الاصابع وان لا يعود يملك التمثيل الاقوى على الساحة المسيحية، واضعاف خاصرة “حزب الله” المسيحية لأنهم يعلمون ان لا تغيير سيحصل داخل البيئة الشيعية الموزعة بين “حزب الله” وحركة “امل” لكون المعركة اصبحت بالنسبة إليهم معركة وجودية.

ويؤكد مصدر ديبلوماسي رفيع المستوى لـ”لبنان الكبير” أن الدولة اللبنانية تبلغت من قنوات ديبلوماسية نية دول الخليج التصعيد بشكل غير مسبوق خلال الأيام المقبلة من خلال خطوات ستشمل كل الوسائل التي تؤدي إلى قطع تدريجي للعلاقات في كافة القطاعات، تماماً كما حصل مع قطر في المرحلة السابقة. والأميركي، الذي أظهر بداية انه يلعب دور الوسيط ويضغط على المملكة لثنيها، تبين أن لا مشكلة لديه في التصعيد ضمن هندسة سياسة الفوضى الخلاقة وليس الشاملة.

وأوردت تقارير أمنية احتمالات عودة توترات امنية متنقلة ومنظمة عبر ايقاظ فتنة هنا أو هناك او خلايا ارهابية تعمل على ضرب الاستقرار وفق اللعبة العصبية والطائفية. ولا يخفي المصدر تخوفه من بدء فقدان ميقاتي الحاضنة السنية التي ربما تعيد فيه عقارب الزمن الى الوراء الى العام 2011 وما تلاها من فوضى امنية وتصعيد… وما قاله وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لم يكن مجرد تصريح عابر، فالرجل يشغل منصباً حساساً ويتمتع بحنكة ديبلوماسية عالية، وحديثه عن الهيكلة السياسية الجديدة يعني لا عودة الى لبنان قبل عقد سياسي جديد… فاستعدوا يا لبنانيين الى المرحلة الاصعب المفتوحة على كل السيناريوات من الان وحتى اجراء الانتخابات، اذا حصلت… والا الى ما بعد بعد هذا الاستحقاق.

شارك المقال