الفوضى العونية في خدمة الدويلة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كل ما نراه من مسرحيات عونية، من المواقف العجيبة الغريبة لجبران باسيل من بكركي وتشبيه نفسه بالمسيح!، ووضع نفسه في مقام مقدس، لتبرير تعنته في موضوع تشكيل الحكومة تحت عنوان حقوق المسيحيين وعدم التفريط بها، وهي رسالة واضحة أيضاً للعب على الوتر الطائفي والقول بأنه حامي المسيحيين، هي محاولة غير ناجحة للتشويش على لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري البابا في الفاتيكان، وهي ربما أيضاً الانتقام لنفسه ممن “صلبوه” بفرض العقوبات عليه. بالإضافة إلى تحريك القاضية غادة عون نحو عوكر بدعم “شعبي” وإيجاد بديل لثورة 17 تشرين الأول بالقول بثورة 16 نيسان، أي تاريخ مداهمة القاضية عون شركة مكتف المالية، والتي على ما يبدو أن فصولها لن تنتهي قريباً.

لا شك أن كل هذه المهازل العونية التي نراها اليوم مفضوحة الأهداف ولعب في الوقت الضائع. فلا أحد يصدق أن باسيل يريد أن يحمي المسيحيين، لا بل هو يدفع بهم نحو العزلة، ويحرك أصابع الفتنة في تعاليه على المسيحيين الآخرين ووضع نفسه فوق الجميع، في حين أنه يدخل في تحالف داخلي وإقليمي يريد الأخذ من المسيحيين، عبر فرض المثالثة وتغيير الدستور وإلغاء المناصفة التي اقرها اتفاق الطائف بين المسيحيين والمسلمين والتي يردد الرئيس الحريري تمسكه بها في كل زمان ومكان.

لا هم لدى باسيل إلا تأمين وصوله إلى قصر بعبدا، وهو مستعد لبيع الجميع من أجل تحقيق ذلك، يدخل في مغامرات كثيرة، من المفترض أن تحرج العهد وتضعفه، ولكن حاكم القصر لا يزال في غفوته، يقدم مصالح الصهر على مصالح اللبنانيين، لا بل يسمح لصهره بوضع مستشاريه أو لنقل “ميليشياته” في القصر لإدارة شؤون الرئاسة وكأنه الرئيس الفعلي.

ما يحصل حالياً هو صورة معبرة عن انهيار الدولة بالكامل، لصالح دويلة “حزب الله” التي يجري تعزيزها على الأرض، أمنياً واقتصادياً ومالياً وخدماتياً، وتوريط البلد في خدمة التحالفات الجهنمية في المنطقة.

تحفظ الذاكرة اللبنانية ذلك التاريخ في حياة انهيار الدولة سياسياً عام 1975 عندما حصل الاشتباك بالأيدي بين رئيس الحكومة رشيد الصلح والنائب أمين الجميل آنذاك، على خلفية أحداث “بوسطة” عين الرمانة، ورفض الصلح الاستقالة وإصراره على المثول أمام المجلس النيابي حيث ألقى خطاباً حمّل فيه الكتائب مسؤولية مجزرة عين الرمانة. حينها ركض الجميل خلف الصلح الذي كان يهم بمغادرة المجلس محاولاً إرجاعه بالقوة للعودة إلى القاعة لسماع رد الكتائب، وقد شكلت المشادة اللفظية والجسدية بينهما مرآة للمأزق وربما إحدى بوابات الدخول في الحرب الأهلية، فإن ما يحصل اليوم صورة معبرة عن انهيار القضاء اللبناني آخر معقل للدولة اللبنانية، تتجلى بالمسلسل اليومي لاقتحام القاضية عون لشركة مكتف وعدم الالتزام بقرارات مجلس القضاء الأعلى، ولخلط الأوراق وخدعة الرأي العام، وسط مشهد كاريكاتوري من مؤيدين عنصريين لا يهابون الاعتداء على الصحافيين ولا يأبهون لمصلحة البلاد، ويريدون تسخير القضاء في خدمة حربهم مع الخصوم السياسيين، لابتزازهم ودفعهم إلى تقديم تنازلات، ثم فجأة يتم ضبضبة الملفات ويبقى المواطن الطامح إلى محاربة الفساد والقضاء على الفاسدين حقاً والذي ثار من أجل تحصيل حقوقه في 17 تشرين أسير أحلام لن تتحقق.

والسؤال الذي يطرحه المواطن في الشارع ماذا لو حاولت القاضية عون تحريك ملفات فساد تخريب البيئة وفساد الكهرباء والأدوية والمخدرات والسدود؟ وماذا لو أردنا الثقة بهذا القضاء وشهدنا تحقيق العدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت وتم محاسبة المسؤولين عنه؟ لا بل ماذا لو نفذت عون اقتحامات في الضاحية الجنوبية أو غيرها للبحث والقبض على المجرم سليم عياش مثلاً أو الذهاب جنوباً للكشف عن جريمة اغتيال لقمان سليم؟ هذا القضاء الاستنسابي سيقضي على ما تبقى من مظاهر الدولة لصالح مشروع “حزب الله” بعد خلق الفوضى وبديلها، والسعي إلى الحلول مكانها مزوداً بإمكانيات الدولة نفسها المهربة من سلطات العهد إلى سلاطين الولي الفقيه وحلفائه.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً