فيينا: إيران لن تتراجع ولا حلّ وسطاً!

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة وإيران لإدارة عجلة المحادثات في فيينا، تعكف طهران على وضع الأسس لسياسة خارجية جديدة أكثر حزماً، حسب مقال في موقع “فورين أفيرز” (Foreign Affairs). وينبع هذا الموقف “من اعتقاد إيران أنّ واشنطن تعاملت مع الجمهورية الإسلامية من منظور الخداع وعدم الاحترام، ولذلك تركّز على بناء نفوذ اقتصادي وعسكري بمواجهة خصمها القديم”.

“وعلى الرغم من إعلان كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين أخيراً عن نية طهران استئناف المحادثات حول خطة العمل الشاملة المشتركة قبل نهاية تشرين الثاني (…)، إلا أنّ هذه المفاوضات لا تشكّل ركيزة أساسية لسياستها الخارجية. فقد طوّرت إيران في عهد إبراهيم رئيسي، موقفاً نووياً جديداً يتمحور حول مبدأ تعزيز القدرة على الانتقام السريع من واشنطن في حال تراجعت عن التزاماتها وفصل الاقتصاد الإيراني عن الصفقة، من خلال الاكتفاء الذاتي والتركيز على العلاقات مع آسيا. ومع اقتراب البرنامج النووي الإيراني من نقطة حرجة، يدعو البعض في واشنطن بالفعل إلى انتهاج خطة “ب” على المستوى الاقتصادي، وصولاً إلى التهديد باستخدام القوة في حال رفضت طهران العودة إلى الامتثال الكامل. ويواجه رئيسي بالفعل ضغوطاً اقتصادية هائلة (…)، ومع ذلك، من غير المرجّح أن تستسلم إيران لمحاولات الإكراه. فقد أرهق قادة طهران المحافظين بالحديث عن الفوائد التي يفترض أنّ إيران حصلت عليها بموجب الصفقة، وهم يسعون الآن إلى رعاية اقتصاد مقاوم للعقوبات من خلال تعزيز الصناعات المحلية وإقامة علاقات جديدة مع القوى الصاعدة في آسيا. كما أنّ رئيسي على قناعة بأنّ الولايات المتحدة ملتزمة بإبقاء إيران تحت الحصار، حتى ولو أعيد إحياء الصفقة. وبالتالي، يركز على تضخيم النفوذ العسكري والاقتصادي لإيران، ليس فقط لحماية الجمهورية الإسلامية، لكن أيضاً الأمة الفارسية الشيعية الأوسع مما يراه كتهديد وجودي.

وبينما يكتسب الحديث حول خطة (ب) ضد إيران زخماً في واشنطن، تشكل الخطة (ب) بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، في الواقع الخطة (أ) منذ البداية (…) خصوصاً في غياب صيغة تحدّد الفوائد الاقتصادية التي ستحصل عليها إيران مقابل تخفيف العقوبات، وهي تخشى أن تفقد نفوذها النووي من دون الحصول على الفوائد الموعودة، على غرار ما حدث عام 2015 (…). وبالتالي، تنتهج سياسة أكثر تصعيداً، إذ تشير بالفعل إلى استعدادها للرد الفوري على أي ضغط أو هجوم. وعلى سبيل المثال، خفّضت تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية احتجاجاً على رفض هذه الأخيرة إدانة اغتيال عالم نووي إيراني وعمليات التخريب ضد المنشآت الخاضعة للمراقبة الإيرانية، على الرغم من توجيه أصابع الاتهام لإسرائيل (…)، مع الإشارة إلى أنّ المبدأ الأول لسياسة رئيسي الخارجية ينص على توليد النفوذ والحفاظ عليه لثني واشنطن عن التراجع عن أي صفقة، وبالتالي إغراق ملايين الإيرانيين في الفقر في صدمة اقتصادية جديدة.

كما تركّز إيران على دعم حلفائها وعملائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وكان الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي أعلن قبل ثلاثة أشهر من اغتياله، عن إنشائه ستة جيوش إيديولوجية وشعبية هائلة في جميع أنحاء المنطقة لحماية إيران من أي هجمات من الخصوم (…). وتشمل هذه القوات “حزب الله” اللبناني وحركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيين والحوثيين اليمنيين والقوات السورية الموالية لإيران وقوات الحشد الشعبي العراقية. وهي تشكل سوياً ما تعرّفه طهران بـ”محور المقاومة”. ونظراً لأنّ إيران تتوقّع المزيد من الضغط الأميركي، مع أو من دون اتفاق، تشير هذه التحرّكات إلى عزمها على الاستمرار في هذا المسار.

أما المبدأ الثاني لإدارة رئيسي، فهو فصل اقتصاد البلاد عن مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة (…). إذ يصمم فريق رئيسي على تعزيز علاقات بلاده الاقتصادية مع الصين وروسيا وجيرانها. وتزعم الحكومة الجديدة تخصيص 40% من أنشطتها للسياسة الخارجية للديبلوماسية الاقتصادية والتجارة الخارجية، في ما يمثّل خروجاً عن سياسة إدارة روحاني (…). كما تلتزم إدارة رئيسي بتعزيز قدرة الصناعات المحلية في البلاد والتحرّك نحو اقتصاد مكتفٍ ذاتياً (…)، وربط مصير إيران الاقتصادي بآسيا والشرق الأوسط مع أو من دون خطة العمل الشاملة المشتركة.

وتتطلع إيران حالياً لممارسة نفوذ اقتصادي أكبر في الشرق الأوسط، ولا سيما في البلدان التي تتمتع فيها بنفوذ سياسي بالفعل (…). وتسعى حكومة رئيسي إلى الإفادة من النفوذ العسكري للحرس الثوري الإيراني من خلال “إضفاء الطابع المؤسساتي على إنجازات محور المقاومة” في العراق ولبنان وسوريا وخارجها، حسب وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان. وخير مثال هو التعامل الاقتصادي مع لبنان وسوريا (…). وبينما من غير الواضح كيف يمكن لإيران الإتفادة من التجارة مع دول تعاني ضائقة مالية (…)، وتحديداً تلك التي تخشى من فرض عقوبات أميركية إذا تعاملت مع إيران، تسعى طهران إقليمياً وعلى المدى الطويل، إلى تشكيل منطقة اقتصادية خالية من الدولار يمكنها مقاومة الحرب الاقتصادية الأميركية.

وبالتزامن، يعمل فريق السياسة الخارجية لرئيسي أيضاً على تحسين سمعة روحاني “اللا إيديولوجية”، من خلال عبارات عبد اللهيان الطنانة عن “البراغماتية” و”المصلحة الوطنية” والاستعداد للعمل مع أي دولة. وعليه، تحرص الإدارة على عدم قطع الطريق أمام أي تعاون مستقبلي مع أي طرف (…). وتستند استراتيجية إدارة رئيسي إلى الافتراض الأساسي (…) بأنّ حجم إيران وتاريخها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي ومواردها الاقتصادية تجعلها قوة مهيمنة إقليمية طبيعية وتهديداً محتملاً لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. من هذا المنطلق، تصمّم واشنطن برأي طهران على إبقاء إيران تحت الضغط الاقتصادي والعسكري. وبالتالي، ستستمر واشنطن بالبحث عن طرق أخرى لإضعاف إيران وعزلها حتى ولو حصل اتفاق في فيينا. ووفق مسؤولين إيرانيين، ينعكس ذلك في طريقة التفاوض بين الديبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين ونظرائهم الإيرانيين.

(…) وتتوقع إدارة رئيسي أن تؤدّي الاتفاقية الجديدة لزيادة كبيرة في حملة الضغط الأميركية من أجل حرمان إيران من أي فوائد ملموسة من تخفيف العقوبات (…). ويعبّر المسؤولون الإيرانيون الذين يزعمون أنهم مستعدون لمناقشة قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، عن قناعتهم بأنّ واشنطن غير مستعدّة لقبول أي اتفاق من شأنه تمكين الجمهورية الإسلامية. لذلك، تعتمد طهران استراتيجية مقاومة النفوذ الأميركي والردّ على الضغط بالضغط. وفي الوقت عينه الذي تستعد فيه طهران لاستئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، لا تتوانى عن تمهيد الطريق أمام جميع الاحتمالات، بما في ذلك المواجهة مع الولايات المتحدة”.

شارك المقال