نعي الحريات في بلد الحريات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

“إنهم يقتلون الأمل”. هكذا بدا “حزب الله” وهو يحاول ضرب معقل الحريات في لبنان، من خلال تدخله في القضاء، وهندسة القرارات بما يتوافق مع سياساته في تهريب المجرمين من العدالة ورفض المحاسبة والتغطية على كل مرتكب يخدم وليه الفقيه.

الواضح أن لعبة الظهور بعباءة الديموقراطية انتهت من قاموس هذا الحزب وحلفائه في السلطة، ورجعوا لمحاولات إخافة الكتاب والصحافيين ورجال السياسة، ورفع الدعاوى على صحف ووسائل إعلامية وشخصيات سياسية معارضة. يستخدم الحزب جيشه الإلكتروني لتهديد فلان أو علّان نشر تدوينة، أو أبدى وجهة نظر، أو أبدع نصاً أو رسماً وصورة، لا بل إن الاغتيال أيضاً كان وسيلة من وسائله لإسكات الرأي الآخر، والناشط السياسي والإعلامي لقمان سليم الدليل الأبرز الآخر وليس الأخير.

طاولت دعاوى “حزب الله” في الفترة الأخيرة النائب السابق فارس سعيد، وجريدة “نداء الوطن”، وسابقاً لم يسلم موقع القوات اللبنانية، مع كتاب صحافيين لبنانيين، إضافة إلى صحف خليجية لم تسلم من “سهام وقذائف” هذا الحزب، في إطار معركته للاشتباك معها، على خلفية دعم السياسات التي تخدمه وتخدم المشروع الإيراني في المنطقة. فأضحت معه حرية الرأي والتعبير في لبنان في خطر، كيف لا وكل يوم يلاحق ناشط سياسي أو يتم تخويف صحافي، أو ترفع قضية على جريدة أو موقع إلكتروني بسبب عنوان ومانشيت. إنهم بصدد خنق آخر أنفاس اللبنانيين… فهل سينجحون؟

سليمان: التغني بالحريات خداع

يقول المحامي شريف سليمان لــ “لبنان الكبير”: “يوصف لبنان بكونه واحة حريات وديموقراطية في هذا الشرق التعس، لكن من الواضح اليوم أن التغني بالحريات في لبنان هو نوع من المخادعة، إطار ظاهري من الحرية ومضمون مقفل، لأنه من غير المسموح لحرية الرأي والتعبير أن تنتقد “المقدسين” والمقدسات أي ما ينعت بتجاوز الخطوط الحمر”.

ويشرح: “عندما نُصوِّب على مكامن الفساد أو على الخيارات السياسية المؤذية للبنان، تبدأ مرجعيات دينية عالية من كل الطوائف، ثم مرجعيات سياسية من الرئاسات الثلاث، وصولاً إلى كل الزعامات السياسية، وحتى أدوات المنظومة من قضاء وأمن وما إلى ذلك. ونجد أن المدوّنين أو مطلقي الرأي السياسي الحر على وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحافيين، يُلاحقون أمام القضاء وأمام أجهزة غير متخصصة، من أجل تفعيل الدولة الأمنية البوليسية، والتضييق على الثوار وأصحاب الرأي الحر”.

ويشير إلى أنه “كان من الأشخاص الذين بسبب تدوينة في فيسبوك تعرض لملاحقة من النيابة العامة التمييزية، وصدر قرار ظني من قاضي التحقيق وإحالة على المحاكمة على الرغم من انني محامٍ ولدي حصانة”.

ويجد أن “الحل هو أن نستمر في قيمنا في 17 تشرين الموجهة عبر القضاء، والمحافظة على إعلاء الرأي الحر، وعبر تحقيق استقلالية السلطة القضائية وخوض غمار معركة الحريات السياسية وحرية التعبير أمام القضاء، وإن خسرنا جولة أو اثنتين أو ثلاث بعد ذلك نبدأ بالربح وتتكاتف كل القوى الاجتماعية والنقابات في دعم معركة الحريات. إنه أمر مطلوب، ونقابة المحامين في بيروت اضطلعت بأدوار بارزة في هذا الموضوع، والمأمول من كل نقابات المهن الحرة لعب دور في هذا المجال”.

شحرور: “حزب الله” يعطل العدالة

ويرى المسؤول الإعلامي في “مؤسسة سمير قصير” الصحافي جاد شحرور أن “لبنان لا يتمتع بالحريات التي كان يتمتع فيها في المرحلة الماضية، خصوصا مع ارتفاع عدد الانتهاكات عبر السنوات، هذا الرقم الذي يزداد، ليس فقط لأن له علاقة برصد الانتهاكات من منظمات حقوقية من داخل لبنان، إنما حتى من مؤسسات عالمية، مثل منظمة “مراسلون بلا حدود”، التي صنفت في بداية العام لبنان في المرتبة 107 من 180 بمعدل الحريات، علما أنه عام 2016 كان لبنان في المرتبة 98 بحسب المنظمة عينها، على الأقل لبنان تراجع وفق مرصد الحريات 9 درجات، أضف إلى ذلك أن الأحزاب السياسية تحاول تجريب كل الأدوات لقمع أي صحافي أو ناشط ينتقدها، وهذا الأمر كان موجودا بأرقام عالية قبل 2019، أي أن استدعاءات وتحقيقات بعضهم تمت خارج الأطر القانونية. لكنه بعد 2019 تطور هذا المشهد الى الضرب المباشر، ورأينا بأم العين الاعتداء الذي تعرض له البعض من الميليشيات، وطاول صحافيين وناشطين ومتظاهرين من بعد الــ 2019”.

ويضيف: “الفكرة ليست فكرة “حزب الله” أو حركة أمل أو المردة أو غيرها من القوى السياسية في الحكم، برأيي إن المنظومة واحدة وفي كل فترة يتبرع واحد من المنظومة ليكون هو الحامي، في هذه الفترة يحمي واحد من هؤلاء الطبقة الحاكمة ويأخذ البلد إلى الخراب، طبعا هناك أحزاب تستخدم العسكر، وقد رأينا ماذا حصل في الطيونة لاقصاء ملف المرفأ، الذي يعتبر أهم ملف حقوقي منذ 2020 حتى اليوم، لأن هناك أكثر من 200 ضحية، وحتى الآن ليس هناك تحقيق يجعلنا نصل إلى كشف الحقيقة بسبب التدخلات السياسية في التحقيق. “حزب الله” يعطل التحقيق عبر خطاباته وجيشه الالكتروني، وعبر إعلامييه وناشطيه في مواقع التواصل، ويقوم بالتهكّم على كل من يتحدث عن ملف المرفأ، خصوصا في المسار القضائي”.

ويشير شحرور أيضاً إلى أن “الحكومة تشكلت وفق نظام المحاصصة وهذا النظام هو ما أنتج جورج قرداحي وزيراً للإعلام، ومن بداية دخوله إلى الوزارة ألقى أكثر من تصريح له علاقة بضبط المحتوى على التلفزيونات، وهذا يدل على القمع. وطبعا آراؤه ومنها الأخيرة، وحتى إن لم يكن وزيرا حينها، وطالما الحكومة ارتأت أن عليه تقديم استقالته ولم يقدمها، والواضح أن من جعله وزيرا يتحكم به، وليس هو من يقرر الاستقالة، إضافة الى ذلك التدخل السياسي في مجال الاعلام فيه قمع، لأن المؤسسات الإعلامية محكومة من النظام ورجال الأعمال هم المستثمرون بالتلفزيونات”.

ختاما: “لا يوجد شيء اسمه حرية تعبير في العام 2021”.

مخايل: يجب عدم تجريم الرأي

من جهتها، تعتبر الرئيسة التنفيذية لـمؤسسة “مهارات” رلى مخايل أن موضوع حرية الرأي والتعبير في لبنان في حال تراجع”. وتعيد الأسباب إلى “عدم فاعلية حماية الصحافيين وفشل تأمين منظومة لها القدرة على حماية حرية التعبير، شارحة أن الذي يحصل اليوم مؤشر الى أن قيم حرية التعبير لم تعد موجودة، في ظل الانهيار الحاصل في البلد على كل الصعد، قضائياً وإدارياً والظاهر في أداء المسؤولين وتراجع عمل النقابات في الدفاع عن قضايا حرية الرأي والتعبير”.

وتضيف: “موضوع حرية الرأي والتعبير لا يمكن لنا قياسه إلا بمعرفة مدى فعاليته، أي في قدرة التعبير عن الرأي على كسر “التابو”، وإعلاء الصوت، كنا وما زلنا حتى الآن بحاجة لربط حرية الرأي بالقدرة على التأثير وإحداث تغيير. فإذا كانت هناك حرية تعبير من دون تأثير لهذا الراي، أي إذا لم يؤخذ بالاعتبار، لا يمكن لنا القول إننا في بلد يحترم الحرية، فحرية الرأي والدفاع عنها كلفت بعض الناس الذين جاهروا برأيهم بشجاعة ضد هيمنة معينة، مبالغ مالية نتيجة دعاوى قضائية، وثمّة من دفع حياته ثمناً. وكم من واقعة تمت فيها عرقلة التحقيقات، وكان هنك المزيد من الاستدعاءات لناشطين. بالتأكيد اليوم منظومة حرية الرأي والتعبير لا تعمل مثلما يجب”.

وتلفت مخايل النظر إلى مطالبة منظمة “مهارات” “بعدم تجريم الرأي في لبنان، وتقول: “حاربنا منظومة القدح والذم وطالبنا بأن لا تكون جزائية، بل تذهب إلى المحاكم المدنية، وإذا تبين أن هناك ضررا من رأي معين، تقوّم المحكمة ذلك الضرر وتكون هناك غرامات مالية فقط”.

وتجد أنه من “الصعب التحليل والقول إننا بلد الحريات، ليس من ناحية إذا استطعنا التعبير عن رأينا أم لا، إنما من ناحية كم تساعد حرية التعبير والرأي على تقوية الحياة الديموقراطية في نظامنا، بطريقة تحدث تغييرا ويكون لها وقع وتأثير، أي أن يؤخذ الرأي الذي نقوله بعين الاعتبار”.

وحول موضوع رفع الدعاوى ضد الخصم السياسي، تشير مخايل إلى كونها “مسألة شهدها لبنان في السنوات الأخيرة، وقد رأينا الفرقاء المتخاصمين من فرقاء سياسيين وأحزاب، مع وسائل إعلام معينة عمدوا إلى اعتماد نهج رفع الدعاوى من أجل الضغط والعرقلة، ونحن نعرف أن قانون الإعلام يجرّم موضوع الرأي، لكن القانون يستخدم سياسياً”.

وتؤكد أن “نهضة البلد تكون بمدى نهضة الحريات فيه، إذ لا يمكن الحديث عن نقابات فاعلة وعن تأثير إيجابي وسياسات عامة تؤمن منظومة حمائية والبلد أصلاً منهار على كل الصعد وليس هناك حكم قانون، وهناك ثقافة الإفلات من العقاب، وهي تقوى أكثر فأكثر في ظل هذه الظروف، متمنية أن يكون لدينا متنفس يسمح للناس بالتعبير عن غضبهم ورأيهم وتستطيع وسائل الإعلام القيام بمهامها، وتظل قدرة الخصوم السياسيين على التعبير عن رأيهم موجودة، ويكون للمعارضة السياسية الإمكانية للتعبير عن مواقفها من دون تصفيات جسدية، بذلك نحافظ على الحد الأدنى المطلوب لضمان القليل من الأمل ببقاء لبنان وتجاوز هذه الأزمة الكبيرة التي يعيشها اليوم”.

شارك المقال