هل وصلت الرسالة الأميركية حول أوكرانيا إلى موسكو؟

حسناء بو حرفوش

يستمر شدّ الحبال بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حول الملف الأوكراني، فلا واشنطن تنوي التراجع ولا موسكو تنوي الرضوخ. وفي هذا السياق، سلّط مقال على موقع صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) الأميركية الضوء على “استمرار التوتر على الجبهة الأوكرانية مع مواصلة روسيا تحدّي الضغط الأميركي والأوروبي في ما يتعلق بسحب قواتها من الحدود المضطربة. ولا شك أنّ المواجهة المتوترة في أوكرانيا تشكل دراسة حال للإشارات الديبلوماسية التي لم تنجح كما يبدو حتى الساعة. وعلى مدى أسابيع، حذّر كبار المسؤولين الأميركيين والأوروبيين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الممارسات التي تنذر بالمزيد من التصعيد والحشد لما يبدو كقوة غزو، تحت طائلة مواجهة عواقب وخيمة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ومع ذلك لا يبدو، حسب المقال، أنّ رسالة التحذير أصابت الهدف. لا بل أكثر من ذلك، على الأرجح أنّ القلق الذي يطارد الغرب يشكّل مصدر متعة لبوتين. وهذا ما دفعه للزعم الخميس، بأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها يتجاهلون “الخطوط الحمر” لروسيا و”يصعّدون الموقف” من خلال عروض القوة. كما أعرب بوتين عن أمله أن تطبع التوتّرات كما حصل أخيراً، وباستمرار البيانات الغربية حول أوكرانيا “لأطول فترة ممكنة”، من أجل الدفع باتجاه أخذ وجهات النظر الروسية على محمل الجد. ويمكن القول أنّ هدف بوتين هو استعادة الهيمنة التي تمتّعت بها موسكو على كييف في الحقبة السوفياتية.

واحتشد نحو 100 ألف جندي روسي على طول الحدود، حسب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. واستمرت المواجهة الخميس، مع الإشارة إلى أنّ المسؤولين الأميركيين لم يكتشفوا أي تغيير في الوجود العسكري الروسي لناحية الزيادة أو التراجع. وتشهد منطقة دونباس المتنازع عليها في شرق أوكرانيا مناوشات شبه يومية، بين الانفصاليين المدعومين من روسيا والقوات الأوكرانية. ومن المرجّح أن تتصاعد حدّة الصراع في حال أرسلت روسيا قوافل مساعدات “إنسانية” إلى المنطقة بموجب مرسوم صدرعن بوتين الاثنين. وعزّزت أوكرانيا مؤخراً قوّتها الدفاعية في دونباس، باستخدام طائرات مسيّرة تركية لمحاربة المتمردين الموالين لروسيا، الأمر الذي لم يمرّ من دون احتجاج من الجانب الروسي.

وتُظهر هذه المعطيات أنّ إدارة بايدن عالقة بين رغبتها في ردع الغزو الروسي وأملها إطلاق محادثات جديدة مع بوتين حول الاستقرار الاستراتيجي ومواضيع أخرى. وفي هذا السياق، أجرى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي الأربعاء. وعلى الرغم من أنّ البيت الأبيض لم يشارك تفاصيل الاتصال، قال متحدّث روسي أنه دار حول “اتصال رفيع المستوى” محتمل قريباً بين بوتين وبايدن. وتبلور التحذير الأميركي الأكبر بشأن الحشد الروسي في بيان صدر في 10 تشرين الثاني من وزير الخارجية أنطوني بلينكين. وأشار البيان إلى تقارير عن نشاط عسكري روسي غير اعتيادي بالقرب من أوكرانيا، كما حذّر من أي أعمال تصعيدية أو عدوانية من الجانب الروسي. وشدّد بلينكين على الالتزام الصارم للولايات المتحدة بوحدة أراضي أوكرانيا مع تجنّب مشاركة أي تفاصيل محددة حول ما سيكون رد الفعل الأميركي في حال حدوث غزو روسي.

بالإضافة إلى ذلك، أبلغ مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز المسؤولين الروس خلال زيارة إلى موسكو في وقت سابق من هذا الشهر، عن مخاوف الولايات المتحدة بشأن زيادة القوات الروسية وحذّر من أن غزو أوكرانيا سيؤدّي إلى انتقام شديد على الصعيد الاقتصادي. ومع ذلك، أصيبت الإدارة بخيبة، لأنّ رسالة بيرنز التحذيرية لم تلقَ على ما يبدو آذاناً صاغية لدى الكرملين. ومن أجل كبح جماح روسيا، حاولت الإدارة حشد حلفاء أوروبيين أقرب إلى خط النار في أوكرانيا. كما بادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الى التحدّث مباشرة مع بوتين خلال الأسبوعين الماضيين. والتقى وزير الدفاع البريطاني نظيره الأوكراني في كييف. وبالتزامن، أعلن وزير الدفاع السويدي عن استعداده لإرسال قوات سويدية إلى أوكرانيا للمساعدة على تدريب الجيش.

وانخرطت إدارة بايدن في وضع خطط طوارئ مع الحلفاء، في حال تحرّكت روسيا عبر الحدود. لكن لن يناقش المسؤولون الأميركيون كيفية الرد، على الرغم من التحذيرات التي أطلقوها، نظراً لأنّ أوكرانيا ليست عضواً في الناتو، وبالتالي لا ضمانات أميركية لحماية كييف، عدا عن حال عدم اليقين التي يشاطرها حلفاء الولايات المتحدة والتي ترجمت باعتراف وزير الدفاع لويد أوستن الأربعاء بعدم التأكد بالضبط مما سيفعله بوتين. ويظهر أنّ الكرملين مصمّم بشكل متزايد على إجبار حكومة زيلينسكي الموالية للغرب على الخضوع لموسكو بالقوة. ونشر بوتين هذا الصيف مقالاً مطوّلاً حول الجذور التاريخية لوجهة نظره القائلة أنّ الروس والأوكرانيين، يمثلون على حد تعبيره، شعباً واحداً، وأنّ السيادة الحقيقية لأوكرانيا لا تتحقّق إلا بالشراكة مع روسيا (…)، لكنّ أوكرانيا لا توافقه الرأي. وهذا ما برهنته العمليات الجريئة التي قامت بها استخبارات زيلينسكي بشكل مذهل العام الماضي والتي سمحت بالقبض على العشرات من المرتزقة الروس الذين انخرطوا بالقتال في شرق أوكرانيا.

أخيراً، لا شك أنّ إدارة بايدن محقّة في سعيها إلى علاقة أكثر استقراراً وأكثر قابلية للتنبؤ مع روسيا. لكن المواجهة حول الملف الأوكراني تذكّر بغياب كلا الشرطين في هذه الظروف. لذلك، يتوجّب على هذه الإدارة السعي لإحياء بروتوكول مينسك من أجل إنهاء الحرب في شرق أوكرانيا، على الرغم من أنّ عشرات الآلاف من القوات الروسية والأوكرانية يعوقون الحل. والحقيقة أنّ الديبلوماسية الأميركية، قادرة في أفضل حالاتها، على التغلّب على مثل هذه العقبات”.

شارك المقال