ممانعة آخر زمن!

علي نون
علي نون

لو تُرك الأمر لأهل الممانعة الإيرانية في نواحينا اللبنانية، لوُضِع قرار أستراليا بشأن تصنيف “حزب الله” في خانة الإرهاب بشقيه السياسي والعسكري في سياق الانتصارات المتوالية والتي لم يعد لها متسع كاف لرصفها فوق بعضها والتمتع بأنوارها.

ولو تُرِك الأمر لهؤلاء، المبلغين والناطقين والشاغلين من دون ملل ولا كلل على تسويق فصول الانتصارات وأبعادها وربانيتها الأكيدة، لوضِعت سلسلة التهتكات القارصات والانكسارات التامات في كل شأن لبناني عام وخاص هذه الايام، في سياق الانتصارات المجيدات تلك باعتبار أن الجوع وفقدان أبسط متطلبات العيش وتلاشي الخدمات الاساسية العامة وإفلاس الدولة وانكسار هيبتها ومعناها ومؤسساتها وتحطم علاقاتها الخارجية واقترابها شبرا اضافيا من تبوء المرتبة الاولى في سباق الدول الفاشلة… كل ذلك يثبت الاصطفاء الانتصاري ولا يخدشه! ويؤكد صفوة الفئة الناجية ولا يشكك بها! ويدعم النظرية القائلة إن شعوب الارض ودولها قاطبة من أستراليا الى الخليج العربي الى اوروبا الى الولايات المتحدة واميركا الجنوبية، كلها منخرطة في معالجة همّ المقاومة في لبنان! وكيفية اطفاء أنوارها المشعة والمضيئة والكاشفة للمظالم والفساد العالميين! والطريقة المثلى والفضلى لوقف تمددها خصوصاً بعدما وصلت الى اليمن السعيد وجعلته اكثر سعادة! والى عراق الخيرات والارزاق والعقول والتاريخ وجعلته جنّة الله على الارض! والى سوريا وأعادت اليها أمجادها! والى لبنان وجعلته مجدداً درّة الشرقين والغربين! والى غزّة هاشم وجعلت منها منارة محسودة من جيرانها ومنصة للانطلاق الى القدس مباشرة لإكمال المسار وإحقاق الحق وإنهاء واحدة من اشرس مظالم التاريخ.

كل ذلك العالم الارعن والظالم والكئيب والمفلس اخلاقيا وعلميا وماديا وثقافيا وصناعيًا وفضائيا وعسكريا ومدنيا واجتماعيا وطبيا وفنيا وادبيا… كله مع استثناءات محددة ومحصورة تبدأ بإيران وتمر على فنزويلا وتصل الى كوريا الشمالية، يريد ان يجد حلاً ساحقاً تامًا شاملًا لقصة المقاومة هذه! حتى لو اقتضى الأمر الاستعانة بشراذم العملاء في بقايا قوى الرابع عشر من آذار ودفعهم إلى رص الصفوف والذهاب الى حرب الانتخابات النيابية المقبلة مسلحين بأصواتهم! وحتى لو تطلّبت ظروف هذه الحرب النزول بكل عدّة الشعارات الداعية الى الدولة ورفعتها والحداثة وضرورتها والمدنية وانفتاحها والاعتدال وأحكامه والقضاء وسلطته وعدالته والتنمية وشروطها والانفتاح على العالم وموجباته ووجوبه! بل اكثر من ذلك: حتى لو تطلب الامر اعادة التذكير بحقوق الدولة قبل واجباتها او بالتوازي مع تلك الواجبات اي بحقها الحصري في امتلاك السلاح واستخداماته ووحدانية شرعيتها الدستورية باعتبار انها دولة وليست ثورة! ولا ميليشيا! ولا مزرعة سائبة!

هذه حرب وفيها يريد عالم التآمر والمتآمرين ان يستخدم فيها كل اسلحته النافعة والضارة من اجل ضرب المقاومة في لبنان، ثم من اجل تفطيس بلد الارز ومنعه من مراكمة الامجاد والانتصارات والكرامات والذروات خصوصاً انه تحول اليوم بفضل تلك المقاومة وهذه الممانعة، الى مثال يحتذى به في كل تلك المجالات والاطارات والمكرمات الفاضلات! بعد ان كان مجرد خمّارة على رصيف الغرب والشرق! وغارقا في عتمة الجهل والجوع والفقر والتخلف! وكرنتينا مقفلة لا هواء نقيا يتسلل اليها! وبلد مهيض ومكسور لا علم فيه ولا ادب ولا ثقافة ولا ابداع ولا فنون ولا حياة ولا رخاء ولا بحبوحة عيش ولا جامعة ولا مستشفى ولا خدمات مصرفية ولا مال ولا زراعة ولا صناعات خفيفة ونظيفة وشريفة! لبنان هذا لم يكن شيئًا قبل ممانعة الحاج محمد رعد! وقبل تعميم ثقافة المنازلات الكبرى والصغرى وقبل صحافة العسس والإجرام والفتك والهتك والدفاع عن كل طاغية في هذا الزمن واشاعة الكراهية والحقد والافتراء والكذب والدجل وتحريف الحقائق وتزوير الوقائع والدفاع عن الطغاة اينما كانوا… صحافة النذل الذي يدعو الى الالغاء والامحاء ولا يعرف سوى التهديد والوعيد واتهام كل مختلف وصاحب رأي حر بالعمالة والارتزاق والتبعية، وكأنه جلاّد ممسوخ بثوب كاتب او صحافي او حامل قلم… والذي استساغ البلطجة والتنمر وغرّته قوة عابرة في بلدٍ دائم وقائد في حريته ورحابته وانفتاحه وإبداعه ومنعته ازاء الاستبداد والاستعباد والغطرسة والقولبة القمعية المرصوصة في مدارس ستالين واشباهه!

في قياسات تلك العقول المتخشبة والنفوس المريضة ان الوطنية تهمة والسيادة تآمر والعروبة خيانة والحداثة كفر والاعتدال مذمّة والهوية اللبنانية نقصان عقل والاعلام الحر جاسوسية والرأي الآخر عمالة والحداثة ترف غير مُستحق والتظاهرة المدنية انزال عسكري إسرائيلي والتلفزيون المختلف سلاح معاد فتّاك والمقال الحواري قنبلة مدسوسة والكلمة الصاحية لسان افعى يجب ان يُقص والبيان المختلف عبوة عدائية ناسفة ومهرجانات الصيف عبث جماعي والأغنية سمّ زعاف والموسيقى عربدة والسينما أداة إمبريالية واضحة! أمّا زبدة الخطايا وذروة العمالة والخيانة فهي في القول ان لبنان لأهله والعرب ربعه واشقائه والدولة واجبة والكيان لشرعيته الدستورية والجيش هو الحامي والدستور هو الحكم والقانون هو القياس والعدالة هي المرتجى والاعتدال من كبرى الفضائل والوسطية من اسرار البقاء والدوام والحياة… وان لبنان ناء بأحماله وأثقاله وحق له ان يرتاح ويستقر ويعود الى سوية عيشه ومساره ومصيره.

في قياسات الممانعين الذين لم يعودوا يطيقون العيش معنا ان لبنان ليس اهم من المقاومة وان اللبنانيين الذين لا يؤمنون بذلك لا يحق لهم البقاء فيه (في ابسط الاحتمالات) وان ايران الجمهورية وسوريا الاسدية واليمن الحوثي هي مثالات ومنارات… وليتهم يذهبون للعيش فيها طالما أن الدنيا عندنا ضاقت بهم الى هذا الحد وصارت تعجّ بكل هؤلاء العملاء والجواسيس والخونة من امثالنا.

شارك المقال