مأساة القناة الإنكليزية… وصمة عار على جبين أوروبا

حسناء بو حرفوش

من الذي يُلام على مأساة فقدان المهاجرين لحياتهم غرقاً أثناء عبورهم من فرنسا إلى إنكلترا في زورق مطّاط؟ سؤال تطرحه الكاتبة الألمانية باربرا ويسل في مقالها، معلنةً أن هذه الكارثة هي نتاج فشل جماعي. تكتب ويسل: “ليس بالإمكان تخيّل درجة اليأس التي قد تدفع أياً كان للصعود على متن زورق مطاط غير صالح للإبحار في شمال فرنسا في صقيع أحد ليالي شهر تشرين الثاني للانطلاق صوب الساحل الإنكليزي، فما بك بالتفكير بكيفية اضطرار الأمهات لبذل جهد لإقناع أطفالهن بعدم خطورة رحلة كهذه وبقطع وعد بأنهم سيصلون إلى بر الأمان عما قريب؟

حين تسوء لحظات العبور هذه وتنتهي بالمصائب، كما حدث الأربعاء الماضي، يكتفي السياسيون المعنيون بذرف دموع التماسيح. لقد سارع كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتعبير عن مدى شعورهما بالذهول وبالغ الحزن لهول الكارثة ووعدا بوضع حد للمعابر المميتة. مع ذلك، وبعد يوم واحد من المأساة تساءلت صحيفة “مترو” البريطانية الواسعة الانتشار “لماذا لم توقفهم فرنسا؟”. بدا حينها أن لندن قررت الإشارة بإصبعها إلى جيرانها وتجاهل مسؤوليتها. والحال أنها بعدما غادرت الاتحاد الأوروبي، أصبحت الوحيدة المسؤولة عن حدودها، وهي مسؤولية أكثر خطورة مما كان متوقعا. ولم يعد للمملكة المتحدة أي حق بتوقع المساعدة من فرنسا أو بلجيكا، كما فقدت الحق بإعادة المهاجرين القادمين من تلك الدول.

واقترحت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل أن يُعيد حراس قوة الحدود توجيه القوارب الصغيرة في القناة الإنكليزية لإعادتها إلى المياه الفرنسية (…) ومن ثم، قيل أن الحكومة كانت تستكشف طرقًا للتعامل مع طالبي اللجوء في الخارج، كما في ألبانيا، على سبيل المثال. لكن لم تكن تلك سوى قصة ملفقة. كما تعهد بوريس جونسون بألا يوفر أدنى جهد لسحق عصابات الاتجار بالبشر. لكن كما هي الحال في الكثير من الأحيان مع جونسون، لا يعدو كلامه أكثر من وعود فارغة. مهربو البشر موجودون في القارة، ولا بد من أن يعمل مع جيرانه إذا أراد النجاح. لقد كان الرئيس الفرنسي على حق حين اتهم البريطانيين مؤخرًا بالتأرجح بين “التعاون والاستفزاز”.

أما بالنسبة إلى المهاجرين، فهم يريدون أخيراً الوصول إلى المملكة المتحدة لأن لديهم أقارب هناك؛ أو لأنهم يعتقدون أن اللغة الإنكليزية ومجتمعات المنفى الكبيرة ستساعدهم في تأمين حياة أفضل. لكن حكومة المملكة المتحدة تسعى جاهدة للتخلص من حصة المهاجرين. وهذا ما يترجم بعدم وجود أي طرق رسمية متبقية للدخول إلى البلاد. أما الرسالة التي يبعث بها هذا الموقف فهي أن الفارين من الحرب والاضطهاد السياسي لن يجدوا مكانا في المملكة وبالتالي يجب أن يتقدموا بطلبات لجوء في مكان آخر. لقد أقفلت بريطانيا أبوابها.

فتور فرنسي

في المقلب الآخر، تتأرجح الحكومة الفرنسية بين النظر في الاتجاه الآخر وتفعيل عمليات الدهم للشرطة. خلال الأسبوع الماضي، أخلي معسكر آخر على الساحل الفرنسي الشمالي (…) وفي هذه الحال، عادة ما يحمل المهاجرون خيامهم ويتحركون الى مسافة قريبة من الكثبان الرملية، من دون أن يتخلى معظمهم عن خططهم للدخول بطريقة ما إلى المملكة المتحدة. كما أوقف خفر السواحل الفرنسي أيضًا آلاف المعابر هذا العام (…) وعلى الرغم من أن فرص الحصول على حق اللجوء في فرنسا ليست بهذا السوء في الواقع، إلا أن أسطورة المملكة المتحدة باعتبارها الأرض الموعودة متأصلة بعمق في أذهان الكثير من الناس. وربما يتعين على الحكومة الفرنسية العمل مع المنظمات غير الحكومية لإقناع المهاجرين بمدى خطورة العبور نحو بريطانيا.

(…) لكن هناك نقطة ثانية لا بد من التوقف عندها. إذا كان المهاجرون سيبقون في فرنسا، فهذا سيعني أن باريس ستضطر، في عملية معقدة وصعبة للغاية، لاستقبال بضعة آلاف آخرين وللتحقق من طلبات اللجوء الخاصة بهم وربما ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية. لا أحد يريد الخلاف حول هذه المهمة، خصوصا أن الانتخابات الفرنسية ليست بعيدة. ويعتقد كثر في السياسة الفرنسية أن مجرد العبور من فرنسا ليس بمشكلة. ومع ذلك، أظهرت عمليات القبض السريعة على عدد من مهربي البشر أن الشرطة تمتلك معلومات استخباراتية عن حقيقة المشهد. 

فشل أوروبا الأبدي

لكن في نهاية المطاف وبغض النظر عن السياسة، تتحمل أوروبا مسؤولية موت اللاجئين في القناة نتيجة فشلها في إدارة هذا الملف، ناهيك بغرق أكثر من 1500 شخص في البحر المتوسط ​​هذا العام وحده. وتمنع بعض الدول تبني أي نوع من الآليات المعقولة والإنسانية لاستقبال المهاجرين وتوزيعهم بين أنحاء أوروبا. وفي الوقت عينه، التحول العام إلى اليمين يعني أن الحدود تخضع للعسكرة بشكل متزايد وأصبحت مغلقة أكثر فأكثر. وبالتالي لا يمكن الفرار من تكرار المآسي مثل مأساة الأربعاء كنتيجة حتمية. وبالإمكان إحصاء أولئك الذين فقدوا حياتهم في الغابات البولندية مع الضحايا. ومع الأسف، قد يبدو موت كل هؤلاء الناس مقبولاً ببساطة كأمر طبيعي على قاعدة الزعم أن جلّ ما يريده الناخبون هو التخلص من المهاجرين بأي ثمن. ويُظهر الجدل الدائر في خضم أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، تغيّر الرياح السياسية في الاتحاد الأوروبي.

أين الإنسانية في الجدال حول هجوم أو حرب ما بينما بالكاد يمر ذكر الناس الذين يتجمدون في صقيع الغابات البولندية؟ سياسة الهجرة الجديدة التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي هي مجرد وصمة عار”.

أسوأ الكوارث حتى الآن

وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نقلت خبر وفاة “ما لا يقل عن 27 شخصاً هذا الأسبوع في القناة الإنكليزية غرقا”، في حادث وصفته بـ” أسوأ كارثة حتى الآن بحسب سجلات المنظمة الدولية للهجرة”.

المصدر: dw

شارك المقال