الثورة بين أولوية السيادة ومواجهة سلطة الإفقار

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

مع ارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من 25 ألف ليرة وتفاقم الأزمة المعيشية، بدأت بعض مجموعات الثورة تتحضر الى تحركات في الشارع، إذ صدرت بيانات تدعو الى تجمعات في مناطق معينة، وقامت فرق من الثوار بالدعوة الى الدخول الى وزارات معنية بالشأن الاقتصادي والمعيشي، كما حصل في وزارة الشؤون الاجتماعية، إضافة الى استمرار التحركات دعما للقضاء المستقل واستمرارية ملف التحقيق في قضية انفجار المرفأ بيد القاضي البيطار.

من الواضح أن الانتخابات النقابية استهلكت جهد مجموعات الثورة في الأسابيع الأخيرة ولا سيما ان الطامحين كثر وهي بروفة للانتخابات النيابية المقبلة بالنسبة الى المتحمسين للترشح وإيصال اشخاص من أحزابهم وتجمعاتهم الجديدة او تحالفات الثورة المتعددة الانتماءات والاهواء السياسية. وعليه كان هناك انتقاد واسع من البعض لإهمال التحركات الميدانية للثوار الى حد القول ان الثورة ماتت وان الشعب اللبناني غافل عن المطالبة بحقوقه، فكيف يحقق نصراً على المنظومة الحاكمة ويحاسب الفاسدين وهو يبحث عن رغيف خبز او حبة دواء وينتظر في منزله “ثورة دليفيري”، من دون ان يكلف نفسه عناء الصراخ في الشارع ضد شياطين الحكم.

على “غروبات الثوار” الكثير من الكلام، وكل واحد ينتهز الفرصة ليخرج ما عنده من انتقادات لأداء الآخرين، وهناك من يتمسك بـ “كلن يعني كلن”، لكنه لا يخفي أبداً دفاعه عن حزب معين او شخصية سياسية في السلطة، وهناك من يحاول بحث الأولويات، اذ يرى ضرورة تحقيق السيادة والحفاظ على لبنان، قبل المطالبة بالمحاسبة لان لا احد قادراً على ذلك في ظل ما يسميه “الاحتلال الإيراني” ويركز على أهمية حياد لبنان ليتحقق للبنانيين ما يحلمون به مجتمعين.

تنتقد رنا خمول الثوار، وتقول: “الشعب جائع، أُكل حقه وضاعت حقوقه وذهب كل ما يملكه، لم يعد بيده ان يفعل شيئا سوى “النق”، يريد ثورة “دليفيري”، الثوار يتكلون على بعضهم، كل واحد يسأل الآخر هل ستحصل تحركات وكأنه غير معني بالنزول الى الأرض هو نفسه”.

وتجد ان الثوار سيحصدون الفشل بعد الإحباط الموجود، “لانهم لا يجتمعون من اجل العمل لبقاء لبنان، البعض يقول اننا نعيش في ظل الاحتلال وآخرون يبررون تراجعهم بالقول “قمعونا”، نحن لسنا مقموعين فعندما نتوحد ونصبح يدا واحدة ونعتبر انفسنا ثوارا حقيقيين، يمكن لنا ان نغير، هناك من يقول طاروا عيوننا وطارت أرجلنا وأصابعنا، طبعا بدهم يطيروا لا ثورة من دون تضحيات، ما في ثورة من دون دم وتعب ولا تقوم من دون جهد، لا يمننّا احد بما قدم، ولينظر الى ثورات بقية الشعوب ليعرفوا حجم ما قدمته الشعوب الأخرى من اجل تحقيق اهدافها”.

وتساءلت رنا لماذا الشعب اللبناني خائف من النزول الى الشارع، “أساساً لا شيء يدعوه للخوف، السلطة مجرد فزاعة، ماذا ينتظر أهل بيروت؟ يجلسون في منازلهم ويشاهدون التحركات على محطات التلفزة، ماذا يفعل المسيحيون لان الشباب تم قمعهم في جل الديب تراجعوا عن اقفال الطرقات ولا يريدون النزول للشارع لان العونيين عم يقبضوا، ولماذا في الضاحية لا يتحركون هل لان “حزب الله” يوزع عليهم مساعدات تموينية، ويدفع بالدولار مخصصات عناصره، ليس المطلوب من المواطن التحرك بسيارته للاحتجاج على الأوضاع، فلينزل الى الشارع الذي يسكن فيه، امام بيته عندها تحصل الثورة لا يجوز ان ينتظر احد اطارا للتغيير او للتعبير عن الرأي والموقف، الله قال اسع يا عبدي كي اسعى معك”.

لا يغيب عن رنا انتقاد النقاشات التي تجري بين الثوار على الغروبات المخصصة لهم عبر وسائل التواصل، وتقول غاضبة: “كل ما ارتفع سعر تنكة البنزين يرسلون “سكرين شوت”، وكل ما ارتفع الدولار كذلك، لا يجوز المراوحة في المكان اما ثورة او فضوها سيرة من هذه الغروبات وعيشوا بالذل، ويا ريت النقاشات بتجيب نتيجة كل واحد “لاطي” للآخر، وكل واحد ينتقد رأي الآخر، الغروبات ليست مكاتب حزبية، اما ان يقوم الجميع بدوره في احياء التحركات بالشارع لتنجح الثورة او ليذهب كل واحد الى منزله، يجب التحرك امام الوزارات وامام الإدارات الخدماتية التي لا تقوم بدورها، كما يجب حتى نغير الواقع ونحافظ على المكتسبات، الدولار سيصل الى خمسين الفا واكثر والشعب سيموت من الجوع ونحن نتفرج وغدا الناس ستضطر لبيع اصواتها في الانتخابات حتى تاكل”.

من جهتها، تعلن إليان موافقتها على كل ما تقدم وتشيد بالصرخة الصادقة لرنا، الا انها ترفض لوم الشعب وتقول إن “الثوار قسم منهم يعمل بالمكاتب وقسم على الأرض وقسم يعمل على الجهتين، وتجد انه لا بد للثوار من الاتفاق على عنوان محدد للتحركات بعد فشل التوصل الى برنامج مشترك، لنجتمع على موضوع واحد، لا الدولار يمكن ان ننزل سعره ولا يمكن لنا اسقاط هذه السلطة الفاسدة في ظل هيمنة فئة من اللبنانيين على الدولة وتبعيتهم للخارج والمقصود هنا ايران، وأيضا كل دولة تفكر بان تجعل من لبنان ساحة للحفاظ على مصالحها او لصراعاتها، لا بد من قيام جبهة موحدة والاتفاق على برنامج وان تعذر على عنوان أساسي يتوحد اللبنانيون حوله، من في السلطة ليسوا أقوياء هم شياطين الغدر والاجرام، من يجلس تحت الأرض ليس قويا وان كان كذلك ليواجهنا وجها لوجه ولا يجلس تحت الأرض ويهددنا، ايران تقتل شعبها ولا نريد سلطة مثلها، يجب ان نواجه مثل هذا المشروع موحدين، علينا معرفة أي لبنان نريد، الآن ليس وقت الطموحات السياسية ولا الطموحات المالية والشخصية، لا احد يقلل من ضرورة الطموح يمكن للثوار عمل كل شيء يطمحون اليه على الصعيد الشخصي، وكل واحد له مكانه ولا احد يمكن أن يفقد مكانه او دوره اذا بقي لبنان، اما في ظل الخطر الموجود على لبنان المهدد في كيانه لا يمكن لأحد ان يحقق شيئا”.

وبرأيها، فإن اللبنانيين جميعاً صاروا فقراء ومنهوبين ومسروقين ومسلوبي الإرادة والحرية والاستقلال، من هنا يجب ان نتفق على عنوان السيادة أولاً، قبل ان نتشارع على أي موضوع آخر وعلى تفاصيل، طالما لا يوجد سيادة للبنانيين على ارضهم وقرارهم مصادر من ايران ومن فئة من اللبنانيين الذين يعملون لصالحها، لا يمكن تنفيذ أي برنامج للثوار، استرجاع القرار اللبناني هو المطلوب والحياد ضروري حتى يكون لبنان موحدا واحدا وطنا لكل أبنائه المتساوين في الحقوق والواجبات، نريد لبنان الحريات والحضارة والفرح، نحن نعيش في ظروف صعبة والوضع خطير لأننا محتلون من فئة مسيطرة عليها من الخارج نهبتنا ولم تستسلم، يريدون لبنان على صورة ايران التي تقتل شعبها، لست ضد أحد في لبنان أنا ضد سيطرتهم باسم ايران على البلد، وأريد السلاح بيد الجيش اللبناني فهو من يحمي الجميع”.

وتؤكد اليان: “الثوار امام مسؤولية كبيرة اليوم، عليهم الوعي انه اذا وقع الهيكل فسيسقط على رؤوس الجميع، يجب الوعي لضرورة حفظ السيادة فلبنان الذي نعرفه لن يعود وساعتئذ لا ينفع البكاء”.

الواضح ان استرداد القرار اللبناني هو مطلب أساسي للمجموعات السيادية في الثورة وبالنسبة الى بعض الثوار القضية المعيشية ومحاسبة الفاسدين هي الأساس ومن هنا تتحرك المجموعات وفق قناعات ذاتية فالخوف من سقوط لبنان يقابله خوف آخر من الجوع المتربص بالعائلات المتعبة والتي لا تأمل شيئاً من دولة مجرمة وسلطة فاسدة ولا من ثورة عاجزة عن المحاسبة واسترداد القرار اللبناني.

شارك المقال