مسار النهوض بالاقتصاد من الجحيم

هدى علاء الدين

دخل الاقتصاد اللبناني جحيم الأزمات من الباب العريض، ليخسر بعد أكثر من عامين كافة ركائزه ومقوماته الاقتصادية والمالية والنقدية بعد التراجع غير المسبوق في كافة المؤشرات والانهيار الكارثي في العملة الوطنية مقابل الدولار وتعثر القطاع المصرفي وارتفاع حجم الدين العام واستنزاف الاحتياطي من العملة الأجنبية ورفع الدعم عشوائياً وانعكاسه السلبي على أوضاع اللبنانيين الاجتماعية والمعيشية.

وانطلاقاً من هذا الواقع المأساوي، بات النهوض من هذا الجحيم أمراً ملحاً ومستعجلاً لا بل طارئاً، يتطلب مساره المباشرة في وضع خطة واقعية مناسبة وتطبيقها بشكل فعّال، يتم من خلالها مراجعة السياسات المالية والنقدية وتوفير حاجات المواطنين على اختلافها. 

متطلبات النهوض الاقتصادي

وهنا أبرز ما يقتضيه مسار النهوض الاقتصادي بحسب ورقة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” التي حملت عنوان “الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية: خلاصات أولية ومقترحات للمعالجة”:

– وضع تصور واضح للوجهة التي ينبغي سلوكها، وقيام حوار وطني رصين وهادئ وعميق حول الخيارات الاستراتيجية الكبرى.

– البناء على عدد من الاقتراحات الإصلاحية التي طرحتها الحكومة السابقة ومراجعتها من وجهة نظر الجهات الاقتصادية والاجتماعية والنقابية المختلفة وتطويرها.

– إعادة النظر بالنموذج الاقتصادي المتبع من خلال زيادة فعالية أجهزة الدولة والإدارات الحكومية والحد من التضخيم الزبائني في القطاع العام الذي تصاحبه شواغر كبيرة جداً في الملاك، ومعالجة تفاقم الاقتصاد الريعي، ووضع مرتكزات التحول إلى اقتصاد منتج وتضميني ذي قدرات تنافسية محددة وفقاً لمعايير علمية، يأخذ في الاعتبار التركيبة القطاعية، والتوزع الجغرافي العادل والفعال للأنشطة الاقتصادية، وتطوير الدورات الاقتصادية المحلية في إطار رؤية وطنية موحدة، وتحسين وتطوير إدارة الموارد التي تُتيح تحقيق النمو التضميني وتعزيزه.

– وضع خطة واقعية لدعم القطاعات الإنتاجية، على الرغم من محدودية الإمكانات المُتاحة، ودعم الصناعة، ولا سيما منها القائمة على المعرفة والمشغلة للمهارات العالية، وتعزيز التكامل الأفقي بين القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية والخدماتية، ووضع خطة وطنية للنقل العام، وتحفيز القطاعات الاستراتيجية ذات القدرة التنافسية والواعدة.

– بلورة رؤى واقتراحات قطاعية واضحة، تحدد أولويات ومتطلبات الحفاظ على كل قطاع، وتعكس مصالح الجهات المعنية، من أصحاب عمل وعمّال وهيئات اقتصادية ونقابية وعمّالية، بشكل مستقل عن التجاذبات والانقسامات وطرحها على السلطات المعنية لاعتمادها.

– إعادة النظر في سياسة التجارة الدولية التي ساهمت في إحداث عجز كبير، وفي التدفقات المالية لجهة تحديد وجهة استخدامها وطرائق استثمارها وضبط تدفقها، بما يتناسب مع حاجات البلد وأولوياته الاقتصادية والاجتماعية.

– وضع خطة لإعادة هيكلة الدين العام الداخلي والخارجي حتى يصل إلى ما يساوي نسبة من الدخل القومي لا تقف عائقاً أمام النمو الاقتصادي المستدام.

– إعادة النظر في صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليصبح شريكاً أساسياً في وضع وتطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

– اعتماد الحكومة الإلكترونية ورقمنة الخدمات العامة في إدارات الدولة وتطويرها.

– وضع خطة لإعادة إعمار مرفأ بيروت والمناطق المحيطة.

تهيئة البيئة السياسية للتغيير

كما شدّدت “الإسكوا”، على ضروره تهيئة البيئة السياسية للتغيير، مشيرة إلى أنه للأزمة الراهنة، فضلاً عن عمقها الاقتصادي والنقدي والمالي، عمق أساسي سياسي متصل بالإصلاح المؤسسي الذي يُعتبر مدخلاً للحل، بحيث تصطدم خيارات عدة مطروحة بالمصالح المختلفة لممثلي الأحزاب والقطاعات والنقابات والهيئات، ولا سيما أن محاولات الإصلاح السابقة، اصطدمت كلها بالعائق المؤسسي وغياب الإرادة السياسية، الأمر الذي جعل وقف التهريب والحد من الهدر والفساد غير ممكنين. واعتبرت أن النجاح في عبور المرحلة الانتقالية التي يحتاجها لبنان اليوم وتحقيق الإصلاح المرجو، يعتمد على إصلاحات سياسية ومؤسسية تُحصن المقترحات الخاصة بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية والمالية، تزامناً مع إرادة سياسية لمواجهة الفساد والتهريب وإعادة إرساء قواعد جديدة لبناء أنموذج اقتصادي واجتماعي جديد.

استعادة ثقة اللبنانيين أولاً

تعتبر “الإسكوا” أن غياب الثقة يُعدّ أحد أبرز السمات التي تتصف بها الأزمة الحالية والتي أدت في بعض الأحيان إلى تعقيدها. لذا، من الضروري التركيز على إعادة بناء الثقة الداخلية أي الثقة بالدولة ومؤسساتها وبخاصة القضائية منها، كما بالقطاع الخاص ومن ضمنه المصارف والثقة ما بين الفئات الاجتماعية ومكوناتها المختلفة بهدف إعادة بناء الدولة على أساس مبادئ الحوكمة الرشيدة والمؤسسات الفاعلة، والمسؤولية المجتمعية.

هذا ولم تغفل المنظمة أهمية العنصرين الاجتماعي والنفسي الاجتماعي من أجل الخروج من الأزمة الراهنة، مشيرة إلى أن أي مسعى لمعالجة أزمة لبنان ورسم معالم الطريق للخروج منها سيكون مصيره الفشل إذا لم يتم إشراك الناس وأصحاب الحق والمصلحة من خلال هيئاتهم وأطرهم وتهميشهم وحصر اتخاذ القرارات ضمن دائرة النخب نفسها المتحكمة بالقرار الحالي، معتبرةً أن محاولة التركيز الأحادية على استعادة ثقة المؤسسات الدولية والجهات المانحة فقط، لن تكون ذات جدوى ما لم تترافق مع استعادة ثقة الموطنين اللبنانيين أولاً.

شارك المقال